الدستور
سياسة الرئيس ترامب التجارية، تقوم على خفض العجز في الميزان التجاري الذي يناهز 1.2 تريليون دولار، وتحويله الى فائض بالاستناد الى رفع الرسوم الجمركية على المستوردات، وخفض الفائدة المصرفية من اجل دولار ضعيف يدعم الصادرات.
الرئيس ترامب، ومن خلال اوامر تنفيذية اصدرها انجز الركن الخارجي؛ لكنه يظل بحاجة للركن الداخلي المتمثل باسعار الفائدة، والذي يخضع لمعايير اقتصادية ومالية يتفحصها الفدرالي الاميركي، باعتباره صاحب الولاية عليها لتغييرها حسب حاجات الاقتصاد الاميركي.
لذلك تكثفت دعوات الرئيس ترامب لرئيس الفدرالي لخفض الفائدة، بما يخفض كلفة الاقتراض، ويقلل العائد من الايداع بالدولار، وبالتالي يخفض سعر صرفه مقابل العملات العالمية الاخرى كاليورو واليوان والين والجنيه الاسترليني والفرنك السويسري، ما يسمح باستكمال حلقة العائد من رفع الرسوم الجمركية على المستوردات بخفض كلفة الصادرات.
اي ان ما يريده الرئيس ترامب، دولارا ضعيفا، باعتباره سلاحه القوي الاخر الى جانب الرسوم الجمركية لتعديل الميزان التجاري الاميركي، والدولار الضعيف، مصطلح، يُستخدم، لوصف حالة يكون فيها سعر صرفه اقل مقارنة بالعملات الأخرى، ما يعني انخفاض قوته الشرائية من الاسواق العالمية، وارتفاع قوة العملات الاخرى لشراء السلع والمنتجات من السوق الاميركي، دون ان يعني ذلك، المساس بقوة واستقرار وأداء الدولار في الأسواق الدولية، باعتباره عملة الاحتياط وعملة التبادل التجاري العالمية الاولى.
الدولار الضعيف الذي يريده الرئيس ترامب، ليس جديدا في استخدام الحكومات الاميركية له، فحكومة الرئيس ريغان، وقعت في العام 1985، اتفاقية سميت باتفاقية بلازا مع حكومات فرنسا، وألمانيا الغربية-قبل الوحدة-واليابان، والمملكة المتحدة، لخفض قيمة الدولار الأمريكي امام الين الياباني والمارك الألماني والفرنك الفرنسي من خلال تدخل تلك الحكومات في أسواق صرف العملات لديها؛ لكبح جماحه، لتعذر قيام الفدرالي الاميركي بذلك، لان التضخم المرتفع في الولايات المتحدة في حينه لا يسمح بخفض الفائدة المرتفعة التي جعلت من الدولار قويا، وهو الامر الذي تم بالفعل، ما خفض عجز الميزان التجاري الاميركي مع اوروبا، وان لم ينجح بذلك مع اليابان.
وربما يفكر الرئيس ترامب باللجوء الى اتفاق مثيل لاتفاق بلازا؛ يطلق عليه البعض اسم اتفاق «مار إيه لاغو» وهو اسم منتجعه في فلوريدا، مع الاتحاد الاوروبي، او اليابان، او المملكة المتحدة، او مع كل دولة على حدة، وان كان الامر صعبا.
لكن كيف يمكن أن يصبح الدولار ضعيفًا؟ اكثر من آلية يمكن استخدامها لذلك، كزيادة المعروض من الدولار في السوق كما حدث ابان الازمة المالية العالمية في 2008، او خلال جائحة كورونا. او من طريق خفض معدلات الفائدة ما يقلل العائد عليه ويجعله أقل جاذبية للمستثمرين الذين يهجرونه إلى عملات او سلع اخرى كالذهب .
بالنسبة للاردن، وفي الظروف الاقتصادية والتجارية السائدة، فان الدولار الضعيف يعد اكثر ملاءمة، لانه يتضمن انخفاضا في اسعار الفائدة وليس في قيمة الدينار تجاه الدولار وبالعكس، وامكانيات تصديرية اكبر للاسواق العالمية المختلفة، ما يعني تعويضا اي تراجعا محتملا في حجم الصادرات الاردنية للسوق الاميركي، وامكانيات جيدة لخفض استيراد سلع ومنتجات يمكن انتاج مثيلاتها داخليا، ناهيك عن أن الاردن يصبح وجهة سياحية أكثر جاذبية، يضاف لذلك انخفاض كلفة سداد الديون الخارجية بالدولار، وهي جميعها شروط تفضيلية لاداء اقتصادي جيد.
ادراك العلاقة المعقدة بين الدولار والسياسات النقدية، ومنها سياسة الدولار الضعيف- ورغم التحديات التي قد تواجه الاقتصاد العالمي بنتيجتها- توفر فرصا ممكنة لنا؛ شريطة أن نظل يقظين في إدارة سياساتنا الاقتصادية، والمحافظة على توازن يتماشى مع المتغيرات العالمية، عبر اتخاذ قرارات ذكية ومنها تحسين بيئة الاعمال المحلية، وشروط جذب الاستثمارات الخارجية، للاستفادة من هذا الوضع الاقتصادي المتغير.