الغد
بعض الأصوات قد تتساءل عن جدوى هذه المراجعات المتكررة لصندوق النقد، وعن مدى تأثيرها الفعلي على حياة المواطن، والجواب بأن هذه المراجعات هي بمثابة فحوص دورية لصحة الاقتصاد الوطني، ولا يمكن لأي منظومة أن تستمر بدون تقييم، فما بالكم باقتصاد دولة، علاوة على أن غياب المراجعة مخاطرة تهدد الاستقرار المالي، ثم إن الاتفاق على المراجعة الثالثة لم يكن إجراءً شكلياً، بل كان خطوة ضرورية أفرجت عن تمويل جديد يدعم الاحتياطي ويؤمن الاستقرار النقدي.
الحكومة تسير بثبات في تنفيذ برنامجها الإصلاحي المدعوم من صندوق النقد الدولي، وقد أثبتت المراجعة الثالثة التي أُجريت مؤخراً أن الأداء الاقتصادي للأردن قوي، رغم التحديات الخارجية المتزايدة.
ففي بيان ختامي صادر عن بعثة صندوق النقد الدولي التي زارت عمّان بين 6 و17 نيسان 2025، أُعلن التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء بين الفريق الدولي والسلطات الأردنية، مما يعكس حجم التقدم الكبير في تنفيذ البرنامج الاقتصادي الإصلاحي.
أداء البرنامج حتى الآن يوصف بالقوي، وجميع المعايير الكمية المرتبطة بالمراجعة الثالثة قد تم تحقيقها بالكامل، لكن ما أهمية هذه المراجعات؟ ولماذا نمنحها كل هذا الاهتمام؟ ببساطة، لأن المراجعة ليست مجرد إجراء بيروقراطي، بل هي مؤشر دولي على سلامة المسار الاقتصادي واستحقاق الدعم الدولي، وهي لحظة تقييم حقيقية تُبنى عليها قرارات تمويلية مهمة، كإتاحة ما يعادل 130 مليون دولار من إجمالي البرنامج المقرّر بقيمة 1.2 مليار دولار، فهل يُعقل أن نُفرّط بهذه الفرص في ظل ما يشهده الإقليم من اضطرابات وتراجع في مصادر الدخل؟
رغم ما يحدث بالمنطقة، حافظ الاقتصاد الأردني على استقراره الكلي، وذلك بفضل السياسات الاقتصادية الحصيفة والدعم الدولي المستمر، ورغم تباطؤ النمو، فإنه بلغ 2.5 %، مع تضخم منخفض لم يتجاوز 2 % في عام 2024، وهو ما يعكس قوة السياسة النقدية التي يديرها البنك المركزي بثبات، والتزامه بسعر الصرف الثابت مقابل الدولار الأميركي، أما العجز في الحساب الجاري، فقد ارتفع قليلاً ليصل إلى 5.9 % من الناتج المحلي، بسبب تراجع عوائد السياحة، لكنه بقي في إطار يمكن التحكم به.
الأهم أن النمو الاقتصادي بدأ يستعيد زخمه، مع توقعات بارتفاعه إلى 2.7 % في 2025، مدعوماً بانتعاش النشاط المحلي وزيادة تدفقات الاستثمار، بالإضافة إلى ارتفاع إيرادات السياحة، ومن المتوقع أن تبقى معدلات التضخم منخفضة، بفضل السياسة النقدية الصارمة واحتياطات النقد الأجنبي القوية، بينما يواصل القطاع المصرفي إثبات متانته بكفاية رأسمالية قوية واستقرار مالي مشهود.
الأردن يلتزم بمسار مالي يهدف إلى خفض الدين العام تدريجياً ليصل إلى 80 % من الناتج المحلي بحلول 2028، دون المساس بالإنفاق الاجتماعي والتنموي، وهذا التوازن بين ضبط الإنفاق وحماية الفئات الضعيفة يعكس وعياً عميقاً بأولويات المرحلة، كما أن الجهود مستمرة لتعزيز كفاءة الإنفاق وتحسين تحصيل الإيرادات وضمان استدامة المؤسسات العامة، وعلى رأسها الضمان الاجتماعي.
وفي ظل بطالة لا تزال مرتفعة، خاصة بين الشباب والنساء، تؤكد الحكومة عزمها تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية لتعزيز بيئة الأعمال وزيادة التنافسية ومرونة سوق العمل، كما تواصل إصلاح الأنظمة التنظيمية وتوسيع الرقمنة في الخدمات الحكومية، بما يشمل الضرائب والجمارك، وهو ما يسهم في الشفافية وتسهيل المعاملات.
الخلاصة، الإصلاح في الأردن ليس فقط مستمراً، بل يتقدم بخطى واثقة، والاعتراف الدولي بهذا التقدم هو شهادة تؤكد أن الأردن يضع لبنات اقتصاد أكثر صموداً وعدالة واستدامة.