تعديلات "الأبنية".. علاج للأعراض وتجاهل الداء
الغد-فرح عطيات
رغم إقرار مجلس الوزراء أخيرا تعديلات على نظام الأبنية وتنظيم المدن والقرى، رأى خبراء أن هذه التعديلات لم تراع قضايا فنية هندسية وتنظيمية خاصة بالبلديات، رغم وصفهم لها بأنها تعديلات "إيجابية"، وكانت بمنزلة "إنعاش" ضروري للقطاع العقاري.
ورغم أن التعديلات منحت جملة من الإعفاءات رافقتها تخفيضات على القيود والشروط الخاصة بترخيص المشاريع الاستثماريَة فيما يخص سعة الشوارع المطلوبة لكنها لم تأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل منطقة في المملكة، التي يختلف بعضها عن بعض، وفق الخبراء أنفسهم لـ"الغد".
واعتبروا أن التعديلات الجديدة، لم تعالج الأسباب المتعلقة بمشكلات الأبنية وتنظيم المدن والقرى الحالية.
إنعاش ضروري
ويمكن وصف حزمة التعديلات الجديدة بأنها "إنعاش" ضروري لقطاع عقاري عانى طويلا من "الجمود"، وهي خطوة "ذكية" من الحكومة "لتفكيك" عقد إجرائية كانت "تعطل" ملايين الدنانير، وفق الخبير في الشأن البلدي أسامة العزام.
وتابع العزام: "إذا أردنا تقييم التعديلات بمهنية، فإن النقطة المضيئة الأبرز هي قرار فصل الإفراز القضائي عن إذن الإشغال".
وهذا القرار، بحسبه، يعد "ثورة إجرائية"؛ لأنه ينهي حقبة "العقاب الجماعي" في أراضي الشيوع، حيث كان شريك واحد مخالف يعطل أملاك عشرات الشركاء الملتزمين، لذلك فإن هذا التعديل "سيحرر" مساحات ضخمة من الأراضي الجامدة، ويعيد ضخها في السوق.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، وفق قوله، بل إن التعامل بمرونة مع سعة الشوارع للمشاريع الاستثمارية هو "اعتراف حكومي" بـ واقعية الجغرافيا في مناطقنا الجبلية والريفية، ما يشجع الاستثمار السياحي الذي كان يصطدم سابقا باشتراطات طرق "مستحيلة" التنفيذ هندسيا ومكلفة ماليا.
وفي رده على سؤال لـ"الغد" إن كانت هذه التعديلات برأيه كافية، أكد العزام أنها "عالجت الأعراض" ولم تعالج "أصل الداء"، فهي كافية لتحريك المياه الراكدة حاليا، وسيوفر تخفيض رسوم المواقف والمخالفات سيولة فورية، لكنها "ليست كافية" لحل أزمة السكن جذريا.
وكان القطاع يأمل بقرارات أكثر "جرأة" تتعلق بـ'التوسع العمودي (زيادة عدد الطوابق)" في المناطق المخدومة؛ لأن المشكلة الحقيقية تكمن في ارتفاع تكلفة الأرض التي تنعكس على سعر الشقة، وفق تأكيداته.
وأضاف: "طالما بقينا مقيدين بعدد طوابق قليل، ستبقى الشقة حلما صعب المنال لذوي الدخل المحدود، في وقت غاب فيه عن التعديلات تنظيم استغلال الأسطح كحلول سكنية صغيرة وذكية (استوديوهات) والتي كان يمكن أن ترفد السوق بمنتج عقاري رخيص ومطلوب".
منهجية مطلوبة
وفي رأي وزير البلديات الأسبق د. حازم قشوع، فإن الإعفاءات التي جاءت بها التعديلات تعد خطوة "جيدة" لكونها تضمن إجراءات "لصالح" المواطن، لكنها يجب أن تكون جزءا لا يتجزأ من منهجية عمل شاملة ومتكاملة.
واستند في رأيه إلى أن النظام لا يراعي خصوصية كل مدينة ومنطقة في المملكة، إذ إن بنوده ستطبق بشكل شمولي دون تخصيص، والذي يتطلب وجود مخطط شمولي، حتى تخرج التعديلات عن كونها "ردة فعل" وليست خطوة "مدروسة".
وأشار إلى أن المخطط الشمولي يراعي ثلاثة محددات؛ ديمغرافية تتعلق بنوعية السكان، وجغرافية، وطبوغرافية تدخل فيها عوامل الطقس والمناخ وطبيعة الأرض.
وبين أن أسعار الأراضي والعقارات في كل منطقة تختلف عن الأخرى، كما أن رغبات الأفراد في اختيار أماكن السكن تميل الى تفضيل المناطق ذات المناخ الأفضل.
وبناء على ذلك، بحسبه، كان من المفترض أن يتضمن أحد بنود النظام عبارة "ويطبق ما ورد فيه حسب تصنيفات تابعة للقصبة في المحافظات على سبيل المثال".
وشدد على أن القضايا الفنية الهندسية التنظيمية الخاصة بالبلديات يجب أن تأخذ بعين الاعتبار ما آلت عليه الأمور بخصوصية المنطقة وبواقعية مجردة، حتى تكون القرارات صحيحة.
وأكد أن النظام يجب أن يتضمن آلية عمل واضحة بعيدة عن التعميم، والاستناد إلى مبدأ التخصيص.
خطوة إصلاحية متقدمة
لا يختلف رأي الأمين العام المساعد الأسبق لوزارة البلديات المهندس مروان الفاعوري مع سابقيه، في أن القرار يمثل خطوة "إصلاحية متقدمة" تصب في مصلحة تشجيع الاستثمار، وتسهيل الإجراءات، وتحقيق العدالة بين المواطنين، دون الإخلال بأسس التخطيط الحضري السليم.
وأشار الفاعوري إلى أن تخفيض القيود المرتبطة بسعة الشوارع للمشاريع الاستثمارية يعكس "فهما واقعيا" لاحتياجات السوق، ويسهم في تحريك عجلة الاستثمار داخل المدن والقرى، خصوصا في المناطق التي كانت تعاني من تعطل المشاريع بسبب اشتراطات لم تعد "منسجمة" مع الواقع العمراني القائم.
واعتبر أن القرار المتعلق باستثناء معاملات الإفراز القضائي، وإزالة الشيوع من شرط أذونات الإشغال، يساعد في "تيسير حقيقي" لإجراءات الملكية العقارية، ويعالج "تراكما إداريا" طال أمده، ويمنح المواطنين "مرونة قانونية" تتوافق مع التحديثات التي طرأت على قانون الملكية العقارية.
وأكد أن تخفيض رسوم بدل المواقف للقطع الصغيرة يشكل "دعما مباشرا" لأصحاب الملكيات المحدودة وللمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهو ما يعزز "العدالة الاجتماعية"، ويشجع الاستثمار المحلي، خاصة في القطاعات السكنية والتجارية.
كما أن زيادة نسبة البناء المسموح خارج التنظيم إلى 15 % تمثل استجابة "متوازنة" لاحتياجات السكن في الأطراف والمناطق الريفية، وتمنح المالكين "فرصة أفضل" لاستثمار أراضيهم ضمن ضوابط واضحة، بحسبه.
واختتم الفاعوري رأيه بالقول: "بالتأكيد أن تمديد مهلة ترخيص الأبنية المخالفة وتخفيض الغرامات والرسوم يعكس نهجا إصلاحيا إنسانيا يراعي ظروف المواطنين، ويعزز الامتثال الطوعي للقانون، ويحقق مبدأ تكافؤ الفرص والعدالة بين من استكمل إجراءات الترخيص ومن تعثر سابقا".
وشدد على أن هذه الحزمة من التعديلات، إذا ما أحسن تطبيقها ومرافقتها بإجراءات تنفيذية مرنة، ستسهم بفاعلية في تحسين بيئة الاستثمار، وتنشيط قطاع الإنشاءات، وتعزيز التنمية المحلية المستدامة في مختلف مناطق المملكة.
تعديلات مطلوبة
وكان أقرَ مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها الأحد الماضي نظاما معدِلا لنظام الأبنية وتنظيم المدن والقرى والذي يقضي بتخفيض القيود والشروط الخاصة بترخيص المشاريع الاستثماريَة فيما يخص سعة الشوارع المطلوبة، بحيث يسمح بإقامة هذه المشاريع على شوارع تقل سعتها عن السعة المحددة سابقا والتي كانت لا تقل عن 12 مترا إذا كانت القطعة مخدومة بأكثر من طريق؛ وذلك بهدف تشجيع الاستثمار.
كما تتضمَن التَعديلات استثناء معاملات الإفراز القضائي وإزالة الشيوع من شرط توافر أذونات الإشغال للأبنية؛ وذلك لغايات تسهيل إجراءات هذا النوع من الإفراز وعدم إعاقتها، ونظرا لكون عدد معاملات إزالة الشيوع القضائي أصبحت كثيرة جدَا في ظل تسهيل الاجراءات الواردة في قانون الملكية العقارية.
وجرى بموجب التَعديلات تخفيض رسوم بدل المواقف المطلوبة للقطع ذات المساحات الصغيرة، لتصبح 2000 دينار بدلا من 3000 دينار للسَكني، و4000 دينار بدلا من 6000 دينار للتِجاري، وذلك في حال كانت مساحة قطعة الأرض أقل من 400 متر.
وستتم كذلك زيادة نسبة مساحة البناء المسموح في القطع الواقعة خارج التَنظيم من 10 % لتصبح 15 %؛ وذلك لغايات السَماح لمالكي الأراضي الواقعة خارج التنظيم بالبناء بنسبة أكبر للسَكن.