الغد
الاستقرار الاقتصادي والاستثماري يتطلبان انضباطاً تشريعياً صارماً، وهذا ما يحققه مشروع قانون الكهرباء العام لسنة 2025 الذي أقره مجلس النواب، فالقانون لا يهدف فقط إلى تنظيم قطاع الطاقة، بل إلى حماية استثمارات ضخمة، وضمان خدمة موثوقة وعالية الجودة للمشتركين، وردع كل من تسول له نفسه العبث بمنظومة تعتبر شريانا اقتصاديا لا يحتمل الانقطاعات أو الفوضى.
هيئة تنظيم قطاع الطاقة واصلت عملها بكفاءة، حيث نفذت خطط تفتيش مكثفة أثمرت عن (29816) جولة رقابية مقارنة بـ(24066) جولة في عام 2023، نتج عنها ضبط (2248) حالة استجرار غير مشروع للطاقة في العام 2024.
وعندما يتبين ان قيمة الفاقد الكهربائي 82 مليون دينار، فإننا لا نتحدث عن أرقام عابرة بل عن نزيف اقتصادي يهدد بنية الاستثمار ويقوّض ثقة المستثمر المحلي والأجنبي على حد سواء، ومع كل دينار مفقود، يخسر المستثمر، ويُحرم المواطن من تحسين جودة الخدمة، وتُقيد فرص الابتكار والتوسع في مشاريع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، إذًا، لا خيار إلا بسن عقوبات مغلظة تضع حداً حاسماً لكل عبث أو تلاعب في هذا القطاع الحيوي.
العقوبات التي أقرها القانون ليست عقوبات تقليدية، بل عقوبات مدروسة، تقترن بجسامة الفعل ومدى الضرر الناتج عنه، فتخزين الطاقة الكهربائية دون ترخيص تقضي بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات، وغرامة قد تصل إلى 200 ألف دينار، وربط غير مشروع على النظام الكهربائي تحمل مرتكبها غرامة تصل إلى عشرة آلاف دينار وسجن مماثل، حتى العبث بعداد الكهرباء لم يعد يُعتبر مجرد مخالفة إدارية، بل أصبح جريمة يُعاقب عليها بالسجن والغرامة، فهذه ليست تشديدات مبالغ بها، بل هي رسائل واضحة: المساس بأمن الطاقة هو مساس بالأمن الاقتصادي، ولن يُغفر.
هذا التشريع يُكرّس تحوّلاً إستراتيجياً في طريقة التعامل مع منظومة الكهرباء، ويؤسس لبنية استثمارية صلبة، خالية من الثغرات، تضمن العدالة في الاستخدام، وتحمي من التعديات التي تشوّه التنافسية وتُعيق النمو، فالمستثمر الجاد لن يضع أمواله في بيئة تسمح بسرقة التيار دون رادع، أو تتيح للمتجاوزين الإضرار بالبنية التحتية دون عقاب حازم.
في الوقت ذاته، القانون لا يقتصر على فرض العقوبات، بل يفتح آفاقا لتنظيم قطاع الكهرباء بما يتلاءم مع التطورات التكنولوجية العالمية، وهو قانون يواكب المستقبل، ويضع الأساس لتحفيز الاستثمار في مشاريع التوليد الذاتي والنقل المستقل، ويشجع على إدخال مفاهيم جديدة كالطاقة المخزنة والهيدروجين الأخضر، ويضمن شفافية التنافس من خلال تقارير حكومية دقيقة حول قابلية إدخال المنافسة.
باختصار، عقوبات مغلظة ليست خيارا انتقاميا، بل ضرورة اقتصادية واستثمارية، اذ إنها حائط الصد الأول في وجه العبث، والأساس الذي تبنى عليه الثقة بين الدولة والمستثمر والمستهلك، ومن دون هذه العقوبات، تصبح الكهرباء غنيمة للعابثين، وتتحول الاستثمارات إلى مخاطرات لا جدوى منها، لهذا، فإن الحزم في التنفيذ لا يقل أهمية عن الحزم في التشريع.