أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    07-Apr-2025

الدولار الأميركي في قلب الحرب الاقتصادية الداخلية*د.عدلي قندح

 الدستور

تعيش الولايات المتحدة الأميركية حالة فريدة من التباين في الرؤى الاقتصادية بين رئاسة الدولة ومؤسسة الاحتياطي الفيدرالي، تباينٌ بلغ من الحدة ما يكفي لتوصيفه بصراع داخلي على توجيه دفة الاقتصاد الأميركي، ولا سيما في ما يتعلق بإدارة السياسة النقدية ومستقبل الدولار الأميركي. وعلى الرغم من أن القانون الفيدرالي الذي تأسس عام 1913 منح مجلس الاحتياطي الفيدرالي الاستقلالية التامة في رسم وتنفيذ السياسة النقدية، فإن التدخلات المتكررة والتصريحات العلنية للرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب، تشير إلى سعي واضح للتأثير في مسار تلك السياسات بما يخدم رؤيته الاقتصادية.
ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض وهو أكثر إصرارًا على ترك بصمته الاقتصادية، يرى في أسعار الفائدة المرتفعة عائقًا أمام النمو وفرصة ضائعة لتحفيز الاقتصاد الأميركي. من هذا المنطلق، يطالب الفيدرالي بخفض حاد في أسعار الفائدة بهدف تنشيط الاقتراض وتعزيز الاستهلاك والاستثمار، معتبراً أن الدولار القوي يضر بالصادرات الأميركية ويضعف قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية. ومن خلال هذا الطرح، يحاول الرئيس الأميركي توجيه السياسة النقدية نحو مسار يخدم أولوياته، خاصة في ما يتعلق بتقليص العجز التجاري ودفع معدلات النمو إلى مستويات أعلى.
في المقابل، يقف رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، في موقع الدفاع عن استقلالية البنك المركزي، مستندًا إلى المعايير الفنية والأدوات الاقتصادية التي تهدف إلى تحقيق التوازن والاستقرار بعيدًا عن التوجهات السياسية الآنية. فهو يصرّ على أن مهمة الفيدرالي لا تقتصر على تحفيز النمو، بل تمتد إلى حماية الاقتصاد من التضخم، وضمان استقرار الأسعار، والحفاظ على الثقة في النظام النقدي.
هذا الخلاف في الرؤية بين المؤسستين فتح الباب واسعًا أمام حالة من الغموض في الأسواق، وخلق موجة من الترقب لدى المستثمرين والمستهلكين على حد سواء، حيث بات الدولار الأميركي يتأرجح بين ضغوط السياسة المالية ورصانة السياسة النقدية. ففي حين يحاول ترامب التأثير على سعر صرف الدولار من خلال الضغط السياسي والتصريحات الإعلامية، ملوحًا بالتدخل المباشر في أسواق العملات، يواصل الفيدرالي الدفاع عن حياده المؤسسي، محذرًا من التسييس المفرط للسياسات الاقتصادية.
لقد لجأت الإدارة الأميركية إلى سلسلة من الإجراءات التي تعكس نيتها في دفع الدولار نحو مستويات أقل، بدءًا من الضغوط العلنية على الفيدرالي، ومرورًا باعتماد سياسات مالية توسعية تقوم على خفض الضرائب وزيادة الإنفاق، وانتهاءً بتبنّي خطاب اقتصادي ينتقد قوة الدولار باعتبارها «مبالغًا فيها» و»مضرة بالاقتصاد». وفي مشهد نادر، بدا أن الإدارة الأميركية لا تستبعد استخدام أدوات التدخل في سوق الصرف، وهو ما يُعد تحوّلًا جذريًا في العقيدة الاقتصادية الأميركية التي لطالما آمنت بحرية السوق وعدم التدخل في تحديد سعر العملة.
في ظل هذا التباين، ينقسم المراقبون بين مؤيد لنهج ترامب الذي يعطي الأولوية للنمو الاقتصادي قصير الأمد، ومؤيد لسياسة باول القائمة على الاستقرار طويل الأجل. فبينما قد يؤدي خفض الدولار إلى تعزيز الصادرات وتخفيض العجز التجاري، إلا أن ذلك قد يقود أيضًا إلى زيادة معدلات التضخم، ورفع كلفة الواردات، وتقليص جاذبية الدولار كعملة احتياطية دولية. كما أن الإفراط في تسييس السياسة النقدية قد يضر بمصداقية المؤسسات الاقتصادية الأميركية، ويزعزع ثقة المستثمرين العالميين في استدامة الاقتصاد الأميركي.
المشهد إذًا أكثر تعقيدًا من مجرد تباين في وجهات النظر. إنه صراع بين نموذجين: أحدهما يسعى إلى تسريع وتيرة النمو بأي ثمن، حتى وإن تطلب ذلك تجاوز الأعراف الاقتصادية الراسخة، وآخر يتمسك باستقلالية المؤسسات ومهنية القرار الاقتصادي، حتى وإن جاء ذلك على حساب التأثيرات الآنية. وفي قلب هذا الصراع، يقف الدولار الأميركي كأداة وكضحية محتملة، بين مطرقة السياسة وسندان الاقتصاد.
ومن هنا، فإن الحفاظ على استقرار الدولار لا يتحقق إلا عبر التوازن الدقيق بين السياسة النقدية المستقلة والسياسة المالية المنضبطة، بما يضمن النمو دون التضحية بثقة العالم في الاقتصاد الأميركي. فالرهان الحقيقي ليس فقط على اتجاه سعر الصرف، بل على قدرة المؤسسات الأميركية على الصمود أمام العواصف السياسية، والاستمرار في أداء دورها كضامن للثقة والاستقرار في النظام الاقتصادي العالمي.