أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    27-Sep-2025

كيف نبني على تقدم الأردن في مؤشر الابتكار العالمي؟

 الغد-إبراهيم المبيضين

 رغم اجماع متخصصين في الشأن التقني على أهمية ما حققه الأردن مؤخرا من تقدم في مؤشر الابتكار العالمي بثماني درجات مقارنة بترتيبه العام الماضي، إلا أنهم أكدوا أن الطريق ما يزال يحتاج مزيدا من العمل لبناء منظومة ابتكارية متكاملة تسهم في تحسين المجتمع والاقتصاد. 
 
 
وقال الخبراء إن تقدم الأردن إلى المرتبة 65 في مؤشر الابتكار العالمي 2025 هو "إنجاز" يشجع الأردن على الاستمرار في التركيز على بناء نموذج ابتكاري فريد ومصمم خصيصاً ليخدم أولوياته الوطنية ويحول الإمكانات إلى ازدهار اقتصادي ومجتمعي على المدى الطويل.
بيد أن الخبراء أكدوا أن هذا الإنجاز "لا يمثل خط النهاية"، بل يشكل عاملا محفزا لمواجهة التحديات المتبقية، داعين إلى أن إصلاحات هيكلية جريئة، خاصةً في أربعة مجالات رئيسة تتمثل في البنية التحتية، وتكامل البحث العلمي مع الصناعة، والاستغلال الأمثل لرأس المال البشري، وتطوير الخدمات الحكومية الرقمية. 
وأعلنت وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة مؤخرا أن الأردن حقق تقدمًا ملموسًا في مؤشر الابتكار العالمي 2025 الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)، حيث جاء في المرتبة الـ65 عالميًا من بين 139 دولة ضمها المؤشر بعد أن كان في المرتبة 73 العام الماضي، حيث أوضح التقرير أن الأردن كان ضمن مجموعة الدول الأسرع تقدمًا في مجال الابتكار منذ عام 2019، وذلك نتيجة لما يتمتع به من مؤسسات قوية وبنية تحتية واسعة النطاق، إلى جانب تمتعها برأس مال بشري متنام. 
ووفقا للمؤشر العالمي فقد حقق الأردن الترتيب الخامس في مؤشر الابتكار العالمي ضمن مجموعة الدول ذات الدخل المتوسط المنخفض من بين 37 دولة ضمتها هذه المجموعة. وبهذا تم تصنيف الأردن على أنه ضمن مجموعة الدول المتفوقة في مجال الابتكار في عام 2025 بالمقارنة مع نظرائه في مجموع الدخل. وانعكس هذا التحسن على أداء الأردن على الصعيد العربي، حيث ارتفع ترتيبه من المركز السابع عربيًا عام 2024 إلى السادس عام 2025.
ويُعد مؤشر الابتكار العالمي أداة مرجعية عالمية لقياس قدرات الابتكار في الاقتصادات المختلفة، ويتم إصداره سنوياً من قبل المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو).
وتتجاوز أهمية المؤشر مجرد التصنيف، حيث تستخدمه أكثر من 90 حكومة حول العالم كبوصلة لتوجيه سياساتها وتتبع أدائها في مجال الابتكار، كما أنه يوفر إطاراً تحليلياً يساعد صُنَّاع القرار على فهم نقاط القوة والضعف في أنظمتهم البيئية الابتكارية.
هل يعكس الترتيب الواقع الفعلي؟
وقال الخبير في مجال التقنية، الرئيس التنفيذي لشركة " AugentisAI " المهندس ماهر الخياط: إن صعود الأردن في مؤشر الابتكار العالمي "لا يُعد مجرد رقم في تقرير دولي"، بل هو شهادة على تراكم جهود إستراتيجية وطنية متكاملة تشمل رؤية التحديث الاقتصادي، وأجندة التحول الرقمي التي تقودها وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، ومشاريع كبرى مثل الشباب والتكنولوجيا والوظائف، بالإضافة إلى مبادرات وطنية ودولية أخرى.
ويرى الخياط أن هذا الإنجاز "يعكس الواقع ولكن بصورة نسبية"، موضحا أن التقدم إلى المرتبة 65 يعكس تحسناً حقيقياً في عدة ركائز منها: قوة المؤسسات والسياسات واستقرار بيئة الأعمال (الأردن في المرتبة 29 عالمياً من حيث استقرار السياسات)، وارتفاع مستوى التعاون بين الجامعات والصناعة (المرتبة 28)، وتطور في التجمعات القطاعية
(جاء في المرتبة 13)، فضلا عن التفوق في النشر العلمي، حيث(احتل الأردن المرتبة الثانية عالمياً) في عدد المقالات العلمية والتقنية نسبة للناتج المحلي.
لكن ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، يرى الخياط أن هناك عددا من التحديات العميقة التي تظهرها المؤشرات الفرعية منها: ضعف في تحويل الأبحاث إلى منتجات تجارية (الأردن في المرتبة 126 في المؤشرات المرتبطة بالمنشورات المشتركة بين الجامعات والقطاع الخاص)، ومحدودية في صادرات خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT services) (في المراتب الأخيرة عالمياً)، وفجوات في رأس المال البشري وجودة التعليم (المرتبة 86). 
وأوضح الخياط أن هذا الترتيب يعني على مستوى وطني أن هناك لدى الأردن رصيد قوة ناعمة، حيث يشكل ترتيب الأردن في قائمة "المتفوقين قياساً بمستوى الدخل" إشارة إيجابية للمستثمرين والجهات المانحة الدولية بأن الأردن "يتجاوز وزنه الطبيعي" في مجال الابتكار.
وحول كيفيات تحسين موقع الأردن في المؤشر وللوصول إلى المراتب الخمسين الأولى، يرى الخياط أن على الأردن أن يُركز أولا على رأس المال البشري وذلك من خلال العديد من الخطوات ومنها: تحسين جودة التعليم الأساسي والثانوي، وتوسيع برامج العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، وإطلاق برامج دكتوراة صناعية بالتعاون مع القطاع الخاص.
وقال إن على الأردن ان يعزز البنية التحتية الرقمية من خلال تسريع نشر الإنترنت عالي السرعة، وتوسيع الاعتماد على الحوسبة السحابية، وضمان جاهزية قوية في الأمن السيبراني. 
وأكد أهمية العمل على جسر فجوة البحث والتطبيق من خلال تحويل الإنتاج العلمي الغزير إلى براءات اختراع، وشركات ناشئة، وصادرات مبنية على الملكية الفكرية، لافتا إلى أهمية العمل على تنمية الصادرات الخدمية من خلال إطلاق برامج لدعم شركات التكنولوجيا والخدمات الإبداعية في دخول الأسواق العالمية منذ البداية، وتوسيع التجمعات القطاعية بالبناء على نجاح قطاعات مثل التكنولوجيا المالية، والألعاب الرقمية، والتكنولوجيا الطبية، والصناعات الكيماوية المتقدمة.
وشدد على أهمية استدامة المبادرات والمشاريع المدعومة دولياً مثل الشباب والتكنولوجيا والوظائف (YTJ ) والمهارات الرقمية (DigiSkills )، وأن يتم دمجها في سياسات الدولة لضمان استمراريتها بعد انتهاء التمويل الخارجي.
إنجاز محفز لمزيد من العمل 
بدوره، يرى الخبير في مجال التقنية والاتصالات وصفي الصفدي أن تقدم الأردن في مؤشر الابتكار "هو إنجاز استثنائي ويؤكد أن الأردن يمتلك المقومات الأساسية ليصبح مركزاً إقليمياً للابتكار". فقدرة المملكة على تحقيق تقدم متوازن في مدخلات ومخرجات الابتكار، وامتلاكها لمؤسسات قوية وإنتاج علمي متميز، يجعلها تتقدم بسرعة في بيئة عالمية تواجه تباطؤا في الاستثمار الابتكاري. 
بيد أن الصفدي يرى أن هذا التقدم "لا يمثل خط النهاية"، بل هو محفز لمواجهة التحديات المتبقية، فالطريق نحو تحقيق نظام بيئي للابتكار أكثر شمولاً واستدامة يتطلب إصلاحات هيكلية جريئة، خاصةً في مجالات البنية التحتية، وتكامل البحث العلمي مع الصناعة، والاستغلال الأمثل لرأس المال البشري.
 وعزا الصفدي التقدم الذي حققه الأردن في المؤشر إلى الجهود الوطنية المنسقة التي تقودها الحكومة، والتي تعد جزءاً لا يتجزأ من رؤية التحديث الاقتصادي، حيث أظهرت هذه الرؤية التزاماً واضحاً بتعزيز بيئة الابتكار وتطوير البنية التحتية الرقمية. وفي هذا السياق، تم إطلاق الإستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي 2026-2028، والتي تهدف إلى بناء أردن مستدام ومُتمكِّن رقمياً عبر ثلاثة مجالات رئيسة: إنشاء بنية تحتية رقمية متقدمة، وتنمية اقتصاد رقمي تنافسي، وتعزيز مجتمع شامل ومستدام. 
ولضمان استمرار الأردن في مساره الابتكاري، أوصى الصفدي بالتركيز على تحفيز الشراكات بين البحث العلمي والصناعة عبر تطوير آليات لردم الفجوة بين الأبحاث الأكاديمية والتطبيق الصناعي. 
وبين الصفدي أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء برامج تمويل مشتركة للأبحاث التي تهدف إلى حل مشكلات يواجهها القطاع الخاص، وتأسيس منصات لربط الجامعات بالشركات الناشئة والمؤسسات الصناعية، وتشجيع تبادل الخبرات بين الأكاديميين والممارسين.
وأكد أهمية تعزيز رأس المال البشري واستغلاله بشكل كامل من خلال معالجة العديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى، مشيرا إلى أنه من الضروري إطلاق برامج تستهدف زيادة مشاركة الإناث في القوى العاملة، وتوفير فرص عمل تتناسب مع مهاراتهم العالية، فضلا عن أهمية إعادة النظر في البرامج التعليمية لتكون أكثر توافقاً مع احتياجات سوق العمل المتغيرة، وخاصةً في قطاع التكنولوجيا والابتكار.
تحويل الزخم إلى قفزات 
من جانبه، قال الخبير في مجال التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي المهندس هاني البطش إن تقدم الأردن في المؤشر العالمي "يُعد إنجازًا ويعكس جهودًا وطنية واضحة في تعزيز البحث العلمي، تطوير الخدمات الحكومية الرقمية، وتمكين الكفاءات البشرية".
بيد أن البطش قال إن التحدي الحقيقي لا يكمن في مجرد تحسين الترتيب، بل في تحويل هذا الزخم إلى قفزات نوعية مستدامة تجعل الأردن لاعبًا إقليميًا مؤثرًا في منظومة الابتكار العالمية. 
وقدم البطش خمسة مقترحات لبناء منظومة ابتكار وطنية متكاملة، أولها الاستثمار في البنية التحتية البحثية والتقنية المتقدمة، من خلال إنشاء مراكز تميز في الذكاء الاصطناعي، التقنيات الحيوية، والطاقة النظيفة، وربطها مباشرة بالقطاع الصناعي والاستثماري لخلق تطبيقات قابلة للتسويق. 
وأكد أهمية تسريع ربط الجامعات بالاقتصاد عبر تحفيز الجامعات على إنتاج أبحاث قابلة للتطبيق التجاري، ودعم إنشاء مكاتب لنقل التكنولوجيا، وتحويل براءات الاختراع إلى شركات ناشئة. 
وأشار البطش إلى أهمية العمل على تعزيز رأس المال المخاطر المحلي والإقليمي من خلال تأسيس صناديق استثمار وطنية بالشراكة مع الصناديق الخليجية والعالمية، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في الشركات الناشئة بدلًا من التركيز فقط على العقار والقطاعات التقليدية.
وقال إن من المقترحات العمل بخطوات لتحويل الأردن إلى مختبر حي للتقنيات الناشئة من خلال استغلال المدن الجامعية، والمناطق الاقتصادية الخاصة كمجالات لتجريب حلول المدن الذكية، والتنقل المستدام، والتقنيات الرقمية، وفتح المجال أمام شركات عالمية لتجربة تقنياتها في الأردن.