أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    10-Feb-2020

الرقابة المالية ومكافحة الفساد*د. محمدابو حمور

 الراي

أظهرت نتائج استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية مؤخراً أن قضية الفساد احتلت المرتبة الأولى كأهم قضية تواجه الأردن اليوم، ومن الواضح ان هذه النتيجة تعبر بوضوح عن وعي المجتمع الاردني وادراكه للاثار الكارثية لهذا الوباء فالفساد باشكاله المتعددة، وهو بالمناسبة لا يقتصر على بلد دون اخر او مجتمع دون سواه، يحمل في طياته اثاراً مدمرة للمجتمعات بما في ذلك التأثير السلبي على التنمية الاقتصادية، اضافة الى هدر الموارد وتراجع مستوى حياة المواطنين وتقلص الاستثمار، كما ان الفساد يؤدي الى تراجع مستوى المصداقية ويؤثر على قي? الشفافية والنزاهة في المجتمع، وبسببه يتراجع مستوى حكم القانون ويتقوض البناء الديمقراطي للدول والمجتمعات.
 
وبمعنى اخر فكلفة الفساد باهظة ولا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط بل تشمل ايضاً جوانب اجتماعية وسياسية، واذا استفحل فقد يمتد ليؤثر على القيم الثقافية للمجتمع ولنا في الاحداث التي شهدتها وتشهدها العديد من دول الاقليم عبرة، لذلك فمحاربة الفساد والتصدي له ليست مهمة جهة واحدة او مؤسسة بعينها بل هو مسؤولية مختلف المؤسسات وكافة افراد المجتمع. ولا شك بان هناك العديد من العوامل التي تقود الى انتشار ظاهرة الفساد بما في ذلك العوامل السياسية والاقتصادية والتشريعية والاجتماعية.
 
فغياب الشفافية ومحدودية الحريات العامة بما فيها حرية التعبير، ونقص او عدم توفر التشريعات الناظمة والملائمة لعمل السلطات التنفيذية وخوف المواطنين او جهلهم بحقوقهم وضعف الثقافة القانونية لديهم وعدم معرفتهم يالاجراءات الواجب اتباعها أضف لذلك الشعور بعدم العدالة وانتشار الفقر وسوء توزيع الدخل، وكذلك ضعف آليات المساءلة والمحاسبة للموظف العام، كلها عوامل تساعد في تفشي الفساد ليصبح في النهاية ممارسة يومية واعتيادية في المؤسسات المختلفة، كما أن ضعف أنظمة الرقابة وغياب المساءلة يؤدي الى تغول بعض مراكز القوى وتمادي ?خرين في ممارسة الفساد، خاصة اذا تراخت الاجهزة الرقابية عن أداء مهامها، واذا تجذر الفساد واستفحل في اركان الدولة والمجتمع سوف تصبح معالجته والتصدي له صعبة ومكلفة.
 
لذلك وعندما نتحدث عن محاربة الفساد بمختلف اشكاله، وهي عملية بالغة التعقيد والصعوبة، لا بد لنا من اعتماد استراتيجيات فاعلة وشاملة تتضمن اجراءات وقائية بمشاركة واسعة بما في ذلك تشخيص الاسباب وتحديد مصادر الفساد ومظاهره المختلفة وتجفيف منابعه وتعزيز دور الاجهزة الرقابية عبر برامج وخطط عملية تسير في تناغم مع التطورات والمستجدات المختلفة وايجاد منهجيات ولوائح عمل ملائمة تقلص امكانية الاجتهاد، وصولاً الى مؤسسات تتمتع بالشفافية والنزاهة والفاعلية، ومجتمعات متمكنة تنعم بالاستقرار والازدهار وتتمتع بالعدالة وتساوي ا?فرص.
 
يتمتع الاردن بالعديد من المزايا التي أهلته ليكون في طليعة دول المنطقة التي استطاعت بناء منظومة متكاملة لمحاربة الفساد وتعزيز قيم النزاهة والشفافية والعدالة وترسيخ حكم القانون، وتتوجت هذه الجهود بانشاء هيئة النزاهة ومكافحة الفساد عام 2016، والتي من اهم أهدافها التحري عن الفساد المالي والاداري ومحاربة الواسطة والمحسوبية وتلقي الشكاوى من المتضررين وتفعيل منظومة القيم السلوكية في الادارة العامة والتأكد من التزامها بمباديء الحوكمة الرشيدة ومعايير المساواة والجدارة وتكافؤ الفرص. وفي اطار اداء مهامها قامت الهيئة ?نشر معايير النزاهة الوطنية.
 
وأعدت الاستراتيجية الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد والتي من أهم أهدافها ترسيخ معايير ومباديء النزاهة لايجاد بيئة وطنية مناهضة للفساد، وتهيئة البيئة الوطنية للمشاركة في مكافحة الفساد من خلال التوعية على مستوى المجتمع والافراد والمؤسسات، والوقاية من الفساد بتجفيف منابعه واغلاق منافذه من خلال العمل الاستباقي الفعال، واغلاق الثغرات التشريعية التي قد تؤدي للفساد.
 
ولتمكين الهيئة من ممارسة مهامها واداء واجباتها فقد شملت اختصاصاتها انواعاً مختلفة من جرائم الفساد بما فيها تلك المخلة بواجبات الوظيفة، والجرائم الاقتصادية المنصوص عليها في التشريعات والكسب غير المشروع واساءة استخدام السلطة وقبول الواسطة التي تلغي حقاً واستخدام المعلومات المتاحة بحكم الوظيفة لتحقيق منافع خاصة، وكل فعل او امتناع يؤدي للهدر، وكذلك جرائم الفساد التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة، وهكذا في ضوء صلاحياتها ومهامها تكون الهيئة احد ابرز مكونات منظومة مكافحة الفساد.
 
يرتبط تعزيز قيم النزاهة والمساءلة بوجود بنية مؤسسية صلبة مع توفر اليات وادوات للرقابة وتعتبر الرقابة المالية ممثلة بأجهزتها المؤسسية والتشريعات الضابطة لعملها احدى اهم الادوات في مكافحة الفساد، وهي ايضاً الحلقة الحاسمة في اطار منظومة مكافحة الفساد على المستوى الوطني، فالفساد يتفشى ان لم يجد رادعاً مباشراً ورقيباً دائماً على التصرفات والممارسات الروتينية للاجهزة الادارية المختلفة، كما ان الرقابة تعد اداة رئيسة للمساعدة على تحقيق الاهداف والخطط وانجاز البرامج وترشيد القرارات المالية والادارية وضمان مراعاتها ?لانظمة والقوانين ومساهمتها في تطوير الاداء ورفع مستوى الخدمات والحد من الهدر وسوء الاستخدام للامكانات المتاحة المالية منها والبشرية والفنية.
 
ولكي تستطيع الاجهزة الرقابية ان تقوم بالدور المطلوب منها في مكافحة الفساد بكفاءة وفاعلية لا بد ان تتوفر لها المتطلبات والمقومات الرئيسية بما في ذلك الاطار التشريعي المناسب الذي يضمن استقلاليتها المالية والادارية ويمنحها الصلاحيات اللازمة لممارسة مهامها من حيث امكانية الاطلاع غير المشروط على البيانات والمعلومات والقرارات والحرية الكاملة في تحديد طبيعة ومحتوى وتوقيت تقاريرها بما يخدم الاهداف الموضوعة، والاستجابة لمقترحاتها خاصة فيما يتعلق بتحديث وتطوير الاجراءات المالية منها والادارية بما يضمن تمتين نظم الضب? والرقابة الداخلية.
 
أضافة لذلك لا بد من توفر انظمة وضوابط مناسبة داخل الاجهزة التنفيذية بما في ذلك ادارة مالية متينة وقادرة على اداء مهامها بكفاءة عالية، وبحيث تصبح مسؤلية الاجهزة الرقابية جزء من منظومة متكاملة للنزاهة والشفافية والحوكمة الرشيدة، هذه المنظومة التي تتضمن اجراءات عمل واضحة ومعلنة وتتيح تفعيل مبدأ المساءلة التي تمكن من تحديد اهداف واضحة للبرامج وتضع معايير محددة لقياس الاداء يمكن بناءً عليها محاسبة المقصر ومكافاة المتميز.
 
تؤدي الاجهزة الرقابية، الداخلية منها والخارجية، مهامها من خلال وضع أهداف ومعايير محددة ومقارنة الاداء الفعلي بما يجب او يفترض ان يكون، وفي ضوء ذلك يتم اتخاذ الاجراءات اللازمة لتصحيح الانحرافات ومعالجة الاخطاء، ولان التشريعات الناظمة لاجهزة الرقابة قد لا تتيح لها احياناً التصدي بشكل مباشر للفساد أو نتائجه لذلك لا بد ان تعتمد على بقية مكونات منظومة مكافحة الفساد، وهذه تشمل ضرورة توفر تشريعات ملائمة تتيح امكانية المساءلة المتكاملة بما في ذلك نظام قضائي قوي وعادل.
 
والاردن بكل مكوناته السياسية والاقتصادية والاجتماعية يشكل داعماً صلباً لنظامه القضائي، كما ان التشريعات مستقرة ومتكاملة بما فيها قانون العقوبات، وقانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد والقوانين الاخرى مثل اشهار الذمة المالية وحق الحصول على المعلومات ومكافحة غسيل الاموال وغيرها. وفي هذا الاطار لا بد من الاشارة الى ان الاردن من الدول الموقعة والملتزمة باتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد، والاتفاقية العربية لمكافحة الفساد، واتفاقية انشاء الاكاديمية الدولية لمكافحة الفساد.
 
يتمتع الاردن باستقرار سياسي واقتصادي في منطقة تعج بالاضطرابات، وعبر السنوات الماضية رسخت قيادتنا الهاشمية الحكيمة اسس الامن والاستقرار ودعمت بناء دولة القانون والمؤسسات وأكدت ضرورة ترسيخ سيادة القانون في كافة مفاصل الدولة الاردنية، هذا في نفس الوقت الذي يتميز فيه الاردن بكفاءة كوادره البشرية وقدرتها على الابداع والعطاء، كل ذلك يشكل حاضنة للتقدم والارتقاء في مجال مكافحة الفساد ونشر العدالة والنزاهة.
 
وبالتأكيد لا بد من تعزيز هذه القاعدة من خلال الحرص على رفع المستوى الفني والمهني للكوادر العاملة في مجال الرقابة وتأمينها بالاحتياجات والادوات اللازمة لتمكينها من مواكبة التطورات التي يشهدها العالم في هذا المجال، اضافة لذلك لا بد من التفكير ملياً والعمل بشكل جاد لتوثيق العلاقة التكاملية بين مختلف أجهزة الرقابة والحرص على منع الازدواجية، بحيث يصبح اداء الوظيفة الرقابية داعماً لعمل المؤسسات ووسيلة لرفع مستوى كفاءتها وقدرتها على تقديم الخدمات بالشكل الملائم.
 
كما لا بد من الحرص على التطوير والتحديث المستمر للعمل الرقابي والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال ؛ اضف لذلك ضرورة ايلاء الاهتمام اللازم للرقابة الادارية ورقابة الاداء لترسيخ مباديء العدالة والاستفادة المثلى من الامكانيات المتاحة، وفي اطار السعي لتطوير الاعمال وتحديثها يمكن التفكير جدياً بالربط الالكتروني لأجهزة الرقابة مع المؤسسات التي تخضع لرقابتها وكذلك مع الاجهزة الرقابية الاخرى مما يساهم في توفير الوقت والجهد ويحقق الاستفادة المثلى من التقنيات الحديثة، كما يمكن النظر في تطوير سياسات واجرا?ات للتصدي المبكر لمخاطر الفساد والاحتيال.
 
ولغايات توثيق التعاون بين الاجهزة التنفيذية والاجهزة الرقابية لا بد من فتح ابواب الحوار بين الطرفين للتوصل الى افضل الاليات التي يمكن اتباعها لتبسيط الاعمال مع الحفاظ في نفس الوقت على سلامة الاجراءات ودقتها، وفي ذات الاطار يكتسب التنسيق مع الاجهزة الفنية المتخصصة اهمية بالغة خاصة عندما يدور الحديث عن طرح عطاءات او شراء سلع ولوازم ذات مواصفات محددة، فهذا التعاون يساهم في تجاوز الكثير من العقبات والمخاطر المحتملة وضمان تحقيق الشفافية والعدالة.
 
ولكي تتاح الفرصة للرقابة المالية للقيام بدورها المأمول في مكافحة الفساد،لا بد ان تعمل السلطة التنفيذية على اتباع خطة اصلاح اداري لرفع كفاءة العاملين وضمان العدالة والكفاءة في التعيين والترقيات مع الحفاظ على مستوى معيشي مقبول للعاملين في القطاع العام والحرص على تعاون الادارات العليا مع الموظفين والاستماع لارائهم والاستجابة للاقتراحات البناءة التي قد يقدمونها لتحسين الخدمات وظروف العمل او تقليص النفقات.
 
ولكي نستطيع احكام منظومة الرقابة لا بد من الالتفات لاهمية وضرورة سرعة البت في القضايا المتعلقة بالفساد واطلاع المواطنين على النتائج المترتبة عليها، لكي لا يسود الاعتقاد بان هذه القضايا لا تتم متابعتها، وهذا الامر يتطلب ايضاً الاقرار بأهمية الرقابة المجتمعية التي تتم من خلال مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الاعلام، فهذه الرقابة تشكل رديفاً اساسياً وداعماً مؤثراً لجهود مكافحة الفساد وبواسطتها يمكن تحفيز جزء كبير من المجتمع للمشاركة في مهمة بناء بيئة خالية من الفساد تخضع لسلطة القانون وتتميز بالنزاهة والعدالة وا?شفافية.