أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    25-Sep-2025

فجوات مكلفة*حسام عايش

 الدستور

يعكس تراجع فجوة الاجور بين الجنسين عند 7.3 ٪، تحسنا تدريجيا في السياسات الهادفة الى تجسير هذه الفجوة، غير انها لا تزال اكثر وضوحا بين القطاعين العام والخاص عند 13.7 ٪، وفي قطاعات رئيسة كالتعليم والعقارات حيث تتجاوز 28 ٪، خصوصا ان هذين القطاعين من منخفضي الأجور اصلا، ما يكرس فجوة الاجر داخل قطاعات الاقتصاد المشغلة للايدي العاملة.
الفجوة بين الجنسين لا تقتصر على الاجور فقط؛ فهيكل البطالة يقدم شكلا اضافيا من الفجوات. بطالة الاناث في الربع الثاني 2025 بلغت 32.8 ٪ مقابل 18.1 ٪ للذكور، ما يعكس فجوة واضحة في فرص التشغيل بحسب النوع الاجتماعي وفي قدرة السوق على استيعاب المؤهلات النسائية.
كما تطال الفجوة الكفاءة العلمية في سوق العمل؛ اذ تحمل 74.6 ٪ من النساء في قوة العمل شهادة بكالوريوس فاكثر مقارنة مع 27.3 ٪ فقط من الذكور. هذا يكشف فجوة في اليات توظيف راس المال البشري المؤنث داخل الاقتصاد الوطني، حيث لا تتحول الزيادة في التعليم الى فرص عمل موازية او اجور عادلة.
ولا تقف الفجوة عند هذا الحد، اذ تمتد الى المشاركة الاقتصادية، حيث مشاركة الذكورتبلغ ن52.3 ٪ مقابل 14.6 ٪ للإناث- المتوسط العربي 18.1 ٪ ومتوسط الاقتصادات المتقدمة يتجاوز 50 ٪- ما يعني ان الاناث الاكثر تاهيلا يحصلن على فرص اقل من الذكور الاقل تاهيلا، بما يخالف منطق الكفاءة الاقتصادية ويحد من العائد المجتمعي على الاستثمار في تعليم النساء.
وعليه، فهذه الفجوة لا تعكس تفاوتا نقديا او وظيفيا فحسب، بل تفضي في المحصلة الى فجوات اوسع في الثروة والامن الاقتصادي والتمكين المجتمعي، وتساهم في ادامة انخفاض المشاركة الاقتصادية وارتفاع بطالة النساء وتاكل الكفاءة الكلية للاقتصاد.
ويتجلى ذلك ايضا في الحماية الاجتماعية، وبخاصة في انماط الاستفادة من تعويض الدفعة الواحدة في الضمان الاجتماعي، حيث تشكل حالات ترك العمل بسبب الزواج او الترمل او الطلاق 26.2 ٪ من مجموع المستفيدين من هذا النوع من التعويضات، وهي نسبة مرتفعة تدل على استمرار هيمنة العوامل الاجتماعية والثقافية على قرارات النساء الاقتصادية ومن ثم على الفجوات بين الجنسين.
يوضح الصورة اكثر توزيع اجور المستفيدات من تامين الامومة؛ فحوالي ثلث النساء اللواتي حصلن على بدل اجازة الامومة يتقاضين اجورا تقل عن 300 دينار شهريا. هذه الشريحة تمثل الحلقة الاضعف في سوق العمل من حيث القدرة على الادخار والاستقرار الوظيفي، وتشير الى تركز هيكلي للنساء في وظائف منخفضة الاجر، وضعيفة الامان الوظيفي، وهو شكل اخر من اشكال الفجوات الاقتصادية والمعيشية بين الجنسين.
تلبين دراسات متعددة صادرة عن مؤسسات دولية ان الفجوات الاقتصادية بين الجنسين تمثل عبئا ثقيلا على الاقتصادات الوطنية؛ فجوة الاجور قد تكلف بين 5 ٪ و15 ٪ من الناتج، فجوة البطالة بين 3 ٪ و7 ٪، فجوة المشاركة الاقتصادية بين 5 ٪ و10 ٪، فجوة الحماية الاجتماعية بين 1 ٪ و3 ٪. وبالاستناد الى ناتج محلي مقدر بالاسعار الجارية لعام 2025، يمكن تقدير الخسائر السنوية المباشرة وغير المباشرة للفجوات مجتمعة ضمن نطاق تقريبي بين 5.8 مليار دينار (نحو 15 ٪) و 9.7 مليار دينار (نحو 25 ٪).
وعليه، يمكن تقدير السنوات اللازمة لتعويض خسارة تقارب 9.7 مليار دينار بنحو اربع الى خمس سنوات اذا بلغ النمو الاسمي قرابة 4.9 ٪ سنويا، بينما قد نحتاج الى اكثر من تسع سنوات للتعويض بالاسعار الثابتة اذا استمر النمو الحقيقي حول 2.7 ٪. هذه الحسابات تبقى تقريبية لكنها تظهر حجم الكلفة وتاثيرها الطويل على الاقتصاد والحماية الاجتماعية والمعيشة.
تؤكد هذه التكاليف والسنوات الإضافية لتعويضها، ضرورة تبني سياسات شاملة ترصد الفجوات وتجسرها ضمن اطار متكامل يجمع بين تحفيز المشاركة الاقتصادية للنساء، ورفع كفاءة التوظيف، وتطوير ادوات الحماية الاجتماعية الداعمة للاستدامة، وربط سياسات التعليم والسياسة الصناعية بسوق العمل. بذلك فقط يمكن تحويل راس المال البشري المؤنث من طاقة معطلة الى قوة دفع لنمو اعلى، واندماج اقتصادي أوسع، واستقرار اجتماعي ذي عائد مستدام.