أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    01-Aug-2025

العالم يعاني من اختلالات لم يشهدها منذ ثلاثة عقود.. وازدياد المخاطر الاقتصادية

  الغد

بيير أوليفييه غورينشا 
 
واشنطن- سجلت أرصدة الحسابات الجارية العالمية، زيادة كبيرة بلغت 0.6 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي العالمي في العام الماضي. وبتعديل هذه الزيادة لمراعاة التقلبات المتعلقة بالجائحة وحرب روسيا وأوكرانيا، يتضح أنها تمثل انعكاسا ملحوظا عن مسار الانخفاض السائد منذ الأزمة المالية العالمية، وقد تشير إلى تحول هيكلي كبير.
 
 
 
ويقدم تقريرنا الصادر مؤخرا، بشأن القطاع الخارجي للعام الحالي، أحدث تقييم لهذه الاختلالات في أكبر ثلاثين اقتصادا، التي تمثل حوالي 90 % من الناتج العالمي. ويشكل هذا التقييم جزءا أساسيا من مهمة صندوق النقد الدولي لتشجيع التوسع المتوازن للنشاط التجاري والنمو الاقتصادي، وتعزيز التعاون النقدي الدولي.
وتجدر الإشارة في البداية، إلى أن الفائض أو العجز الخارجي لا تشكل بالضرورة مشكلة، بل قد تكون مرغوبة إلى حد ما. وعلى سبيل المثال، من المُحبذ أن تمول الاقتصادات التي تتميز بارتفاع نسبة الشباب فيها أو بسرعة معدلات النمو، جزءا من تنميتها الاقتصادية برأسمال أجنبي. وعلى العكس من ذلك، قد تحتاج الاقتصادات التي ترتفع فيها نسبة كبار السن أو الأقل ديناميكية إلى زيادة الادخار، ويمكنها تحقيق عائدات أعلى من الاستثمارات العابرة للحدود.
ويواجه تقرير القطاع الخارجي مهمة صعبة في تقييم متى تكون أرصدة الحسابات الجارية ملائمة عموما - أي متوافقة مع الأساسيات الاقتصادية والسياسات المرغوبة للبلد المعني- ومتى تصبح مفرطة، مما يشير إلى مخاطر محتملة لاحقا بالنسبة لكل بلد على حدة، أو الاقتصاد العالمي ككل.
ويمكن أن يشكل كل من العجز والفائض المفرط مخاطرا.
وبالنسبة للبلدان التي تسجل عجزا مفرطا، يتمثل الخطر الرئيسي في الزيادة السريعة في علاوات المخاطر التي بلغت ذروتها بفقدان مفاجئ للقدرة على النفاد إلى الأسواق، مما يجبرها على الخضوع لتعديلات مفاجئة ومرهقة. فإذا كان البلد المعني له ثقل كبير في الاقتصاد العالمي أو كان شديد الترابط، فقد يلحق الهبوط الاقتصادي المصاحب الضرر ببلدان أخرى.
وتنشأ المخاطر أيضا عن الفائض المفرط. أولا: يشير الفائض المفرط في بعض البلدان إلى عجز مفرط في بلدان أخرى. ومن خلال تخفيض أسعار الفائدة، قد يدفع الفائض المفرط بلدانا أخرى إلى زيادة في الاقتراض. وفي الحالات التي يتعذر فيها تعديل أسعار الفائدة العالمية بالنقصان - وهو ما يسمى بفخ السيولة - قد يؤدي الفائض المفرط إلى تراجع النشاط الاقتصادي عالميا، كما أوضحت في دراستي. إن ارتفاع مستوى الفائض في الاقتصادات الكبيرة قد يؤدي أيضا إلى خلق اختلالات قطاعية حادة لدى الشركاء التجاريين وإثارة المعنويات الحمائية، مع ما يترتب على ذلك من آثار ضارة على الاقتصاد العالمي.
وغالبا ما يعكس العجز أو الفائض المفرط تشوهات محلية — على سبيل المثال، سياسات مالية عامة تيسيرية للغاية في البلدان التي تشهد عجزا، أو شبكات أمان غير كافية تسبب ادخارا وقائيا مفرطا في اقتصادات الفائض. وتقييم اختلالات الحسابات الجارية يستلزم تحليلا شاملا للمحددات الأساسية لقرارات الادخار القومي والاستثمار المحلي، وللسياسات المؤثرة عليهما. وهذا إجراءٌ غير كامل، ولكنه ضروري.
وبناء على ذلك، ينبغي أن ترتكز التدابير العلاجية الصحيحة على السياسات الاقتصادية الكلية المحلية. وبالنسبة لأوروبا، يعني هذا زيادة الإنفاق على البنية التحتية العامة لسد فجوة الإنتاجية التي تشكلت مع الولايات المتحدة. وأما بالنسبة للصين، فيعني ذلك إعادة توازن النشاط الاقتصادي نحو الاستهلاك. وبالنسبة للولايات المتحدة، يعني مواصلة ضبط أوضاع المالية العامة.
ومن هذا المنظور، قد تكون بعض التطورات الأخيرة مشجعة بدرجة محدودة. فالسياسات المحلية تسير في الاتجاه الصحيح، مع قيام الصين ومنطقة اليورو بزيادة دعم المالية العامة والاستثمار العام. وفي إطار التنبؤ المرجعي الذي حددناه في نيسان (أبريل) الماضي، يرجح أن تبدأ الأرصدة العالمية في التقلص مرة أخرى. ولكن تظل المخاطر مائلة بقوة نحو التطورات السلبية. وما تزال مستويات العجز العام مرتفعة للغاية في الولايات المتحدة، كما أن الانخفاض الكبير الذي حدث مؤخرا، في قيمة اليوان الصيني، إلى جانب الدولار الأميركي ينذر بارتفاع فائض الحساب الجاري في الصين.
وفي تناقض صارخ، يشير تقريرنا إلى أن زيادة الحواجز الجمركية في البلدان التي تسجل عجزا، مثل الولايات المتحدة الأميركية، لا يحدث سوى تأثيرا طفيفا على الاختلالات العالمية. ويرجع ذلك إلى أن التعريفات الجمركية تكون بمثابة صدمة عرض سالبة في البلدان التي تفرضها. فهي تخفض حجم الاستثمار، الذي يكون أقل ربحية، والادخار اللازم لتمهيد صدمة الدخل، مما يبقي أرصدة الحسابات الجارية من دون تغيير يذكر.
وفي غضون ذلك، قد تؤثر العملية القائمة لإعادة ضبط المعايير الاقتصادية الراسخة على النظام النقدي الدولي، الذي يعرف بأنه مجموعة القواعد والمؤسسات والآليات التي تنظم كيفية إجراء الدول للمعاملات المالية عبر الحدود. ويظل وجود نظام نقدي دولي يتسم بالكفاءة أمرا بالغ الأهمية للحيلولة دون تراكم نقاط الضعف المالية ومعالجة نقاط الضعف القائمة.
واستمرت هيمنة الدولار، بل وتعززت، على مدار التاريخ، مستفيدة من عوامل الانتشار الشبكي الخارجية المتداخلة بين استخداماته كعملة وسيطة للتجارة والتمويل على الصعيد الدولي، وعملة معيارية لاستقرار أسعار الصرف وحيازات الاحتياطيات، ومستويات السيولة والأمان غير المسبوقة لسندات الخزانة الأميركية.
وساهمت هذه الهيمنة في استدامة الطلب العالمي على الأصول الاحتياطية الدولارية. فمن جهة، سمح ذلك للولايات المتحدة بزيادة اقتراضها وبتكلفة أقل، مما ولد زيادة كبيرة في العائدات على المطالبات الخارجية، مقارنةً بالخصوم الخارجية (وهو ما يُسمى "الامتياز الباهظ" للدولار). ولكنها أدت أيضا إلى زيادة تعرض المركز الخارجي للولايات المتحدة للمخاطر العالمية، مع قيام الولايات المتحدة بتقديم تأمين ضد هذه الصدمات العالمية لبقية العالم، (ما يُسمى "بالرسوم الباهظة").
ويوثق تقريرنا أيضا تزايد التفاوت على مستوى التجارة العالمية والشبكات المالية. ففي ظل نظام نقدي دولي مستقر متمركز حول الدولار، تمكنت البلدان من تعميق تخصصها في التجارة أو التمويل. وعلى سبيل المثال، خلال الفترة بين العامين 2001 و2023، قدمت الصين والولايات المتحدة أنماطا متباينة، حيث أصبحت الصين تقوم بدور محوري بشكل متزايد في شبكة التجارة الدولية، بينما كان دورها في شبكة التمويل الدولية محدودا، في حين حافظت الولايات المتحدة على دورها المهيمن في التمويل وليس في التجارة.
وعلى الرغم من استمرارية استقرار النظام النقدي الدولي وهيمنة الدولار الأميركي، فإن بعض التطورات الأخيرة تستحق المراقبة عن كثب.
أولا: رغم أن الاختلالات العالمية تطفو على السطح من جديد، تشكل الاعتبارات الجغرافية - السياسية بشكل متزايد التجارة الثنائية والاستثمار المباشر وتدفقات الحافظة، مما يحد من التفاعلات المباشرة بين البلدان الأبعد من الناحية الجغرافية - السياسية. وفي نهاية المطاف، قد يمهد هذا الطريق أمام نظام نقدي دولي متعدد الأقطاب ومجزأ. ومع أن هناك جدلا بشأن ما إذا كان النظام المتكامل أحادي القطب أكثر فائدة للاقتصاد العالمي أم النظام المتكامل متعدد الأقطاب - فالتاريخ لا يقدم الكثير من التوجيه بهذا الشأن والنظرية تبدو غامضة - فوجود نظام نقدي دولي مجزأ متعدد الأقطاب سيكون بالتأكيد أقل جاذبية من نظام متكامل، في ظل إمكانية زيادة التقلبات المالية العالمية وسوء توزيع الموارد بشكل أكبر.
وثانيا: ربما دفع التصعيد الأخير للتوترات التجارية، إلى جانب خطر التوترات المالية المحتملة، وارتفاع مستويات الدين الأميركي، وتخفيف الامتيازات الباهظة للولايات المتحدة، بعض المستثمرين على الصعيد العالمي إلى إعادة تقييم مدى تعرضهم لمخاطر الدولار. وحتى الآن، تتسم تطورات الأسواق بالانضباط، مع زيادة الطلب على التحوط بالدولار وانخفاض قيمة الدولار الأميركي بنسبة 8 % منذ تشرين الثاني (يناير)، وهو أكبر انخفاض نصف سنوي له منذ عالام 1973، وإن كان ذلك بعد أعلى مستوى له منذ عقود عدة، في العام الماضي.
وثالثا: يعزز الابتكار الرقمي في المعاملات عبر الحدود، مثل ظهور عملات الدولار الأميركي المستقرة، هيمنة الدولار، ولكنه قد يشكل أيضا مخاطرا على الاستقرار المالي.
ويشير التقرير إلى أن النظام النقدي الدولي مستقر، وأن الدولار ما يزال مهيمنا، حتى مع التباين الكبير في المراكز الخارجية للبلدان الكبرى. ورغم أن مخاطر حدوث اختلالات جسيمة في النظام النقدي الدولي تبدو محدودة، فإن الزيادات السريعة والكبيرة في الاختلالات العالمية قد تولد تداعيات سلبية كبيرة عابرة للحدود. وتتطلب هذه الاختلالات تضافر الجهود من جانب البلدان ذات الفائض والعجز على حد سواء لإعادة التوازن.
وينبغي على البلدان مواصلة تعزيز قدرتها على الصمود، من خلال تحسين الأساسيات الاقتصادية الكلية المحلية، بما في ذلك بناء الحيز المالي وترسيخ أطر سليمة للسياسات. ومن المخاطر الرئيسية التي تهدد الاقتصاد العالمي، أن تلجأ البلدان إلى زيادة الحواجز التجارية لمواجهة الاختلالات المتزايدة، مما يؤدي إلى تفاقم التشرذم الجغرافي- الاقتصادي. ورغم أن التأثير على الاختلالات العالمية سيظل محدودا، فإن الضرر الذي سيلحق بالاقتصاد العالمي سيكون طويل المدى.
 
*خبير في صندوق النقد الدولي.