– كتب رجل الأعمال مجاهد البستنجي –
لم يكن استقلال المملكة الأردنية الهاشمية في 25 أيار عام 1946 مجرّد إعلان انتهاء الانتداب البريطاني، بل كان نقطة تحوّل محورية فتحت الباب أمام نهضة وطنية شاملة، قادتها قيادة حكيمة وشعب يؤمن بمستقبله، ولقد تجلّت معاني الاستقلال في بناء مؤسسات الدولة وتعزيز الهوية الوطنية، لكن العمق الحقيقي لهذا الإنجاز ظهر جليًّا في مسيرة التنمية الاقتصادية، خصوصًا في قطاعي التجارة والصناعة.
فمنذ لحظة الاستقلال، بدأ الأردن مسارًا طموحًا لتحويل اقتصاده من الاعتماد على المساعدات والاستيراد، إلى اقتصاد إنتاجي متنوع، قائم على المبادرة، والانفتاح، والشراكة مع العالم. وفي ظل تحديات إقليمية وظروف داخلية معقدة، استطاع أن يرسم طريقه بثقة نحو تحقيق الاكتفاء النسبي والنمو المستدام.
فكانت أرست القيادة الهاشمية، منذ عهد الملك المؤسس عبدالله الأول، دعائم دولة قوية تقوم على السيادة، واحترام القانون، والانفتاح على العالم دون التفريط بالثوابت. هذا الاستقرار السياسي كان أساسًا مهمًا لبناء اقتصاد وطني يتمتع بالمرونة والقدرة على التكيف.
وقد عززت تلك الرؤية مكانة الأردن كدولة محورية في المنطقة، ما ساعده على استقطاب الاستثمارات، وتوقيع اتفاقيات تجارية إقليمية ودولية، ومراكمة الخبرات في الإدارة والتنمية. ومع توالي العهود، وخصوصًا في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، واصل الأردن تعزيز بنيته الاقتصادية بتوجهات إصلاحية وتكنولوجية عصرية.
وقد بدأت الحركة التجارية في الأردن بطابعها المحلي التقليدي، لكن سرعان ما تطورت لتصبح قطاعًا ديناميكيًا يسهم بنسبة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي. ومع توسّع شبكة الطرق والموانئ والخدمات اللوجستية، وُضعت الأسس لتحويل المملكة إلى مركز تجاري إقليمي.
وساعدت الاتفاقيات التجارية المتعددة، مثل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي واتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، في فتح أبواب الأسواق العالمية أمام المنتجات الأردنية. كما ساهم الموقع الجغرافي الاستراتيجي في جعل الأردن بوابة عبور للبضائع نحو دول الجوار.
في الوقت ذاته، نشأت طبقة تجارية نشطة، ساعدت على تعزيز ثقافة ريادة الأعمال، ورفد السوق بمنتجات وخدمات ذات جودة عالية، مما عزز التنافسية وجذب المستثمرين.
لم تكن النهضة الصناعية الأردنية وليدة الصدفة، بل نتاج تخطيط واستثمار طويل الأمد، بدأ بإقامة المصانع الأساسية، مثل مصانع الأسمنت والغذاء، وتطور ليشمل صناعات دوائية وكيميائية وهندسية متقدمة.
وقد لعبت المدن الصناعية دورًا محوريًا في استقطاب الاستثمارات الصناعية، بفضل التسهيلات الممنوحة والبنية التحتية الجاهزة. كما أصبحت الصناعات الدوائية الأردنية نموذجًا للنجاح العربي، إذ تُصدَّر اليوم إلى عشرات الدول، وتتمتع بجودة تضاهي المعايير العالمية.
من جهة أخرى، بدأ الأردن خلال العقدين الأخيرين في دعم الصناعات التكنولوجية والتحول الرقمي، من خلال برامج حكومية ومبادرات ريادية، لتعزيز مكانته في الاقتصاد المعرفي.
إن مسيرة الاستقلال الأردني لم تكن نهاية مرحلة، بل كانت بداية لطريق طويل من البناء والتطوير، قوامه الإرادة السياسية، والوعي المجتمعي، والجهد الاقتصادي الدؤوب. وقد أثبت الأردن، رغم محدودية موارده، أن الثروة الحقيقية تكمن في الإنسان، وفي قدرته على العمل والإبداع.
واليوم، ومع دخول المملكة مرحلة جديدة من التحديث الشامل بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، فإن الاستقلال يتجدد، لا بالشعارات، بل بالمنجزات، وبالقدرة على مواكبة التغيير وبناء اقتصاد قوي، متنوع، ومستدام، يستند إلى تاريخ عريق وطموح لا يعرف الحدود.