أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    09-Sep-2018

القراءة الخاطئة للتغيرات في الاحتياطيات الرسمية للبنك المركزي*الدكتور جمال المصري

 الراي-لا يحظى أي مؤشر اقتصادي بالاهتمام والمتابعة، بعد مؤشر إجمالي الدين العام، كما يحظى مؤشر رصيد الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي في حال ارتفاعه أو انخفاضه على حد سواء. حيث يلاحظ زيادة هذا الاهتمام في الفترة الماضية على مستوى المتابعين والاقتصاديين والتقارير الصحفية وحتى المواطن العادي. وإذا ما تم التدقيق في معظم هذه التقارير والأخبار والمقالات الصحفية والتحليلات التي تحاول تفسير التغيرات في هذا المؤشر المهم، فيمكن الاستنتاج بسهولة وجود فهم خاطئ وملتبس لتعريف الاحتياطي ومكوناته وأهداف الاحتفاظ بالاحتياطيات الأجنبية والحجم الأمثل له وطرق تكوين الاحتياطيات والاثار المترتبة عليها وطريقة احتسابه.

 
كما هو بالنسبة لكل البنوك المركزية، يحتفظ المركزي الأردني بالاحتياطيات الأجنبية لتحقيق أهداف رئيسية من حيث دعم الثقة في سعر صرف الدينار الأردني بما يحقق التوازن بين الطلب والعرض على العملات الأجنبية، والحد من التعرض للتقلبات والصدمات الخارجية السلبية عن طريق الاحتفاظ بجزء من الاحتياطيات في صورة سائلة قابلة للاستخدام، الأمر الذي يؤدى لازدياد الثقة في مدى قدرة الاقتصاد على الوفاء بالالتزامات والديون الخارجية. ولتحقيق ذلك يقوم بالاحتفاظ باحتياطي المملكة من الذهب والعملات الأجنبية وحقوق السحب الخاصة بهدف تزويد الاقتصاد الوطني باحتياجاته من العملات من خلال الجهاز المصرفي وخصوصا لتغطية فاتورة مستوردات النفط الخام ومشتقاته، وكذلك لتغطية العمليات المالية والمصرفية الخارجية للحكومة ومؤسساتها في تسديد مدفوعاتها المتعلقة بمستورداتها السلعية والخدمية وتسديد خدمة الدين الخارجي من الأقساط والفوائد في أوقات استحقاقها. كما أن جزءا من الموجودات والأصول الأجنبية يتم استثماره في أدوات السوق النقدي وسوق رأس المال التي تتمتع بدرجة عالية من السيولة والأمان مثل، الودائع لأجل والسندات الحكومية واذونات الخزينة، والذي يبلغ رصيدها في نهاية تموز 2018 اربعة مليارات دينار.
 
أما مصادر تراكم هذه الاحتياطيات، فهي المنح النقدية الخارجية وحصيلة الاقتراض الخارجي من خلال اصدار السندات في الأسواق الدولية أو الاقتراض المباشر، وقيام البنوك التجارية ببيع ما يفيض لديها من العملات الأجنبية للبنك المركزي والتي تعكس صافي إيرادات القطاع الخاص المتأتية من الصادرات من السلع والخدمات وحوالات العاملين والاستثمار الأجنبي التي تزيد عن تسديد المدفوعات لتمويل المستوردات وتحويل الأرباح المترتبة للمستثمرين الأجانب. ويعد هذا المصدر مؤشرا قويا لتحسن الأداء والنشاط الاقتصادي، على عكس ارتفاع الاحتياطي بسبب الاقتراض الأجنبي الذي لا يعكس تحسن النشاط الاقتصادي الحقيقي بل هي مبالغ ستستخدم في سداد الالتزامات المترتبة على هذا الاقتراض وأعبائه في الفترة اللاحقة.
 
وعليه فإن التغير في رصيد احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية والذهب وحقوق السحب الخاصة بعد استبعاد ودائع البنوك وودائع غير المقيمين لدى البنك المركزي بالعملات الأجنبية، يمثل صافي عوامل إضافة (Injections) للاحتياطي وعوامل تسرب (Leakages) ، والتي يجب أن تؤخذ بالاعتبار في تطورها الطبيعي والتاريخي عند تفسير أي تغيرات في رصيد الاحتياطي في حالتي الارتفاع والانخفاض على حد سواء، ودونما ذلك، فإن أي قراءة لها ستكون حتما خاطئة.
 
وقد تجلت القراءة الخاطئة غير المتخصصة في التقارير الصحفية وعدد من المقالات وفي تصريحات لمسؤولين حكوميين خلال الأيام القليلة الماضية في تناولها لخبر عنوانه "تراجع كبير في الاحتياطيات في السبعة شهور الأولى من هذا العام بنسبة 12.8%"والذي تم تفسيره بتراجع الصادرات والدخل السياحي وحوالات العاملين وهو تفسير يخالف واقع الحال إذا علمنا بارتفاع الصادرات الوطنية بنسبة 3.1% وتراجع المستوردات بنسبة 2.5% وكذلك ارتفاع مقبوضات السياحة والسفر بنسبة 12.3 %وانخفاض مدفوعاته بنسبة 6.2 % بينما سجل إجمالي تحويلات الأردنيين العاملين في الخارج بنسبة 1% خلال النصف الأول من عام 2018. كما تم تصوير هذا التراجع على أن له تخوفات وتأثيرات سلبية على سعر صرف الدينار وأخرى اقتصادية.
 
والواقع أن الاحتياطيات قد انخفضت بنسبة 7.7% فقط؛ حيث يبدو أن الأرقام المتداولة في التقارير الصحفية لم تحتسب احتياطي الذهب وحقوق السحب الخاصة وقد تكون اعتمدت مصدرا واحدا هو من وقع بالخطأ. فقد تراجعت من مستوى 10203.8 مليون دينار في نهاية عام 2017 الى 8918.5 مليون دينار (ما يعادل 12579.0 مليون دولار) في نهاية تموز 2018 أي بتراجع مقداره 1285.3 مليون دينار، وهو تراجع طبيعي وليس استثنائيا ويمكن تفسيره أذا عرفنا أين ذهب هذا المبلغ. فقد تم استخدام رصيد الاحتياطي من العملات الأجنبية لتغطية مدفوعات تسديد الأقساط والفوائد التي استحقت على القروض الخارجية بحوالي 605.8 مليون دينار وفي توفير العملات الأجنبية للبنوك اللازمة لتمويل الجزء الأكبر من مستوردات المملكة من النفط الخام ومشتقاته بحوالي 1428.7 مليون دينار خلال النصف الأول من هذا العام فقط. ويمكن ملاحظة أن هذه المدفوعات لوحدها تفوق مقدار الانخفاض وهي تأتي لتحقيق أهداف احتفاظ المركزي بهذه الاحتياطات. أما بالنسبة لعوامل الإضافة والتراكم للاحتياطي فقد بلغت قيمة مسحوبات القروض والمنح الأجنبية المستلمة 81 و78 مليون دينار على التوالي، وهي مبالغ متواضعة إذا ما قورنت بمستوياتها خلال الأعوام السابقة والتي بلغت اوجها في عام 2015 ومن ثم عام 2016.
 
ولمزيد من التوضيح لهذا التحليل من واقع العام السابق، فقد أنخفض رصيد الاحتياطيات من العملات الأجنبية والذهب وحقوق السحب الخاصة عام 2017 بحوالي 76.6 مليون دينار. ففي الوقت الذي بلغت به المنح الخارجية 707.0 مليون دينار ومسحوبات القروض الخارجية 2,232.7 مليار دينار، فقد بلغت قيمة خدمة الدين الخارجي 1,179.7 مليون دينار (2425.0 مليون دينار في عام 2016)، مما يشير الى أن جزءا كبيرا من مستورات النفط ومشتقاته قد تم تمويله من خلال شراء العملات الأجنبية من البنك المركزي وأنه لولا حجم المنح ومسحوبات القروض الكبير والاستثنائي لانخفضت الاحتياطيات بحوالي 3.0 مليار دينار.
 
أن أي تحليل لتطور الاحتياطي يجب أن يرتكز عل مدى كفاية ارصدة الاحتياطيات من العملات الاجنبية المتوفرة لدى البنك المركزي لتغطية احتياجات المملكة من المستوردات السلعية والخدمية والتي تقدر بـ 7 أشهر حاليا. حيث تعتبر هذه الفترة ضمن فترات التغطية المتفوّقة والمطمئنة وفق المعايير والمقاييس المعتمدة دوليا والتي تقدر بـ 3 أشهر. كما أنه أعلى من الحجم الأمثل للاحتياطيات الدولية التي يجب على أي دولة الاحتفاظ به والذي يحتسب وفق الأسس الاسترشادية لاحتساب الحجم الأمثل للاحتياطيات الصادرة عن صندوق النقد الدولي في عام 2012 والذي يقدر بما يغطي خمسة شهور من المستوردات السلعية والخدمية أي ما يعادل 6.4 مليار دينار. وتؤكد هذ المؤشرات على امتلاك البنك المركزي لاحتياطي قوي من النقد الاجنبي كفيل بأن يشعر الاسواق بالارتياح، وأنه بالرغم من التحديات الاقتصادية، فإن الدينار الأردني بخير.
 
خلاصة القول هي أن وضع وحجم الاحتياطيات ليس وضعا جامدا لا يتغير بتغير الظروف والأحوال، بل هو مرتبط ارتباطا وثيقا بالمتغيرات والتطورات الاقتصادية والمالية ويجب أن ينظر إلى الاحتياطيات من منظور تنموي واقتصادي تؤثر فيه وتتأثر به، ومن منطق اقتصادي لا عاطفي. وقد يحسن البنك المركزي صنعا بإصدار بيان صحفي من فترة لأخرى يوضح فيه التطورات الحقيقية لمؤشر الاحتياطي وعدم تركها للأخبار الصحفية التي قد تخطئ بقدر ما قد تصيب.