الحمائية تعيد عقارب التجارة للوراء.. والأردن واحة استقرار*رامي خريسات
الغد
في مشهد اقتصادي عالمي متوتر، تواصل واشنطن تصدّر المشهد عبر موجة تعريفات جمركية شاملة بنسب تبدأ من 10 % ووصلت إلى 104 % على الصين، لتعيد عقارب الساعة التجارية إلى أعلى مستوياتها في العام 1903.
وفي سياق غريب ذي صلة، أعلنت 8 دول من تحالف أوبك+ بقيادة السعودية وروسيا، زيادة إنتاج النفط بـ411 ألف برميل يوميًا بدءًا من أيار، في محاولة لفرض الانضباط على الدول غير الملتزمة كالعراق وكازاخستان؛ جاء القرار في توقيت حساس مع تصاعد الضغوط التجارية الأميركية، وتسبب بهبوط أسعار خام برنت بنسبة 7 % نتيجة مخاوف من تخمة المعروض وتباطؤ الطلب العالمي.
تشير التقديرات إلى أن كل زيادة 1 % في الرسوم الجمركية تقتطع ما بين 0.2 إلى 0.3 نقطة مئوية من نمو الاقتصاد الأميركي. وقد خُفضت توقعات نمو الناتج المحلي لعام 2025 إلى 1.3 % مقارنة بمتوسط النمو الطويل البالغ 2 %. كما أن كل زيادة 1 % في الرسوم قد ترفع التضخم الأساسي بنحو 0.1 %، مما يعمق الغموض ويضعف ثقة المستثمرين والمستهلكين.
أما الرئيس ترامب، فيراهن على أن هذه الإجراءات ستجلب «تريليونات للدولة»، لكن الأسواق الأميركية ردت باللون الأحمر القاني، حيث تراجعت المؤشرات بشكل دراماتيكي تجعل المخاوف تتصاعد من الدخول في سوق هبوطي ( bear market)، قبل أن تنتفض في آخر الجلسة ويعود اللون الأخضر لشاشة التداول بسبب إشعارات وصلت للوسطاء مفادها تأجيل الرسوم الجمركية الجديدة على الصين، فضخت الأموال أملاً في تعويض الخسائر، ليأتي المتحدث باسم البيت الأبيض لينفي ما تم تداوله جملةً وتفصيلًا وسط حالة من البيع العشوائي والارتباك الجماعي.
هذا المشهد يعكس مدى تأثر الأسواق بالعاطفة وقت الغموض، مما يستدعي التريث واقتناص الفرص الناتجة عن انخفاض الأسعار، والاهم التصدي للإشاعات للحفاظ على الثقة ولتكون القنوات الرسمية هي المصدر الوحيد لوقود السوق من الافصاحات والمعلومات المتدفقة.
نرجع لترامب الذي يراهن على أن ارتفاع البطالة سيدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض الفائدة، مقدمًا التوظيف على التضخم، كما يُعوّل على دخول التخفيضات الضريبية المقترحة حيز التنفيذ خلال شهر لاستعادة ثقة السوق.
وسط هذه الرياح الاقتصادية، برز النمو الاقتصادي الأردني المتفوق على التوقعات إذ سجل نموًا في الناتج المحلي بنسبة 2.7 % في الربع الأخير من 2024، متجاوزًا التوقعات للفترة نفسها من العام 2023 والبالغة 2.5 %. علما بأن النمو لكامل عام 2024 بلغ 2.5 % بينما كانت التقديرات 2.3 %.
كما سجّلت الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي رقمًا قياسيًا جديدًا، متجاوزة 22 مليار دولار حتى نهاية شهر آذار الماضي، وهي كافية لتغطية مستوردات المملكة من السلع والخدمات لمدة 8.5 شهر، وذلك للمرة الأولى.
وفي ذات السياق، ارتفعت احتياطيات الأردن من الذهب إلى مستوى قياسي، لتصل إلى 7 مليارات دولار حتى نهاية آذار، ما يعكس قوة المركز المالي واستدامة السياسة النقدية في ظل التحديات العالمية.
وبناءً على هذه المعطيات، ومع تسجيل الشركات المدرجة في بورصة عمّان ارتفاعًا في أرباحها بنسبة 6.4 % – وهي ثاني أعلى أرباح في تاريخ السوق – حافظ المؤشر العام على تماسكه ضمن المنطقة الخضراء، رغم اضطرابات الأسواق العالمية.
ومن الجدير بالذكر أن الاستثمار غير الأردني في البورصة، والذي يتميّز بتجذّره واستقراره والذي يشكل 47.6 % ، واصل أداءه الإيجابي؛ إذ بلغت مشتريات غير الأردنيين هذا الأسبوع وحتى يوم الأربعاء 7.4 مليون دينار، مقابل مبيعات بقيمة 4.5 مليون دينار، بصافي شراء بلغ 2.9 مليون دينار. هذا يعكس بوضوح ثقة المستثمرين الدوليين في بورصة عمّان، المستحقة لكل دعم، وفي متانة الاقتصاد الأردني وبيئته التشريعية الجاذبة.
خلاصة القول: بينما تمضي اقتصادات كبرى نحو الحمائية والانكماش، يبرز الأردن كنموذج للاستقرار والنمو في بيئة مضطربة، ما يستدعي البناء على هذا الزخم من خلال المزيد من الاعتماد على الذات وتنويع الشركاء الموثوقين، والانفتاح على أسواق قابلة للتنبؤ.