الغد-عبدالرحمن الخوالدة
يمثل التحسن اللافت في أداء مؤشر الصادرات الوطنية خلال الربع الأول من العام الحالي مؤشراً واضحاً على بداية تعافي الاقتصاد الأردني من تداعيات الأزمات الإقليمية، وفي مقدمتها الحرب الإسرائيلية على غزة، والتوترات الجيوسياسية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
ويؤكد خبراء اقتصاديون أن النمو المسجل في الصادرات الوطنية بنسبة 11.7 % خلال الربع الأول، يعكس تحسناً في القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني، وزيادة في الطلب الخارجي على المنتجات الأردنية، إلى جانب فاعلية السياسات الحكومية الرامية إلى تنويع الأسواق وتعزيز العلاقات التجارية مع الشركاء الدوليين.
ويرى هؤلاء أن جانباً من هذا النمو مرتبط بالتحولات الإقليمية، وعلى رأسها استئناف النشاط الاقتصادي بين الأردن وسورية بعد سنوات من القطيعة، وهو ما ساعد على استعادة السوق السورية كوجهة تقليدية للصادرات الأردنية.
ويؤكد الخبراء في تصريحاتهم لـ”الغد” أن هذا الأداء الإيجابي من شأنه أن يدعم مؤشرات الاقتصاد الكلي، مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة احتياطيات العملات الأجنبية التي تجاوزت 22 مليار دولار، إلى جانب تعزيز الاستقرار النقدي وخلق فرص عمل جديدة، ما يساهم في الحد من معدلات البطالة المرتفعة محلياً.
ولضمان استدامة هذا التحسن، شدد الخبراء على ضرورة تذليل العقبات البيروقراطية، وتخفيض كلف الإنتاج المحلي، وتوسيع قاعدة المنتجات المصدّرة لتقليل الاعتماد على السلع التقليدية، إلى جانب تطوير البنية التحتية والانفتاح التجاري عبر اتفاقيات جديدة والمشاركة الفاعلة في المعارض الدولية.
أداء الصادرات في الربع الأول
وأظهر التقرير الشهري الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة حول التجارة الخارجية في الأردن، ارتفاعاً في إجمالي الصادرات بنسبة 11.6 % خلال الربع الأول من العام الحالي، لتبلغ 2.306 مليار دينار، مقارنة بـ2.066 مليار دينار للفترة ذاتها من العام الماضي.
كما سجلت الصادرات الوطنية نمواً بنسبة 11.7 %، لتصل إلى 2.093 مليار دينار مقابل 1.873 مليار دينار للفترة ذاتها من عام 2024.
أما قيمة المعاد تصديره، فقد بلغت 213 مليون دينار، بزيادة نسبتها 10.4 % مقارنة بـ193 مليون دينار في الربع الأول من العام الماضي.
وارتفعت نسبة تغطية الصادرات الكلية للمستوردات إلى 49 % خلال الربع الأول من عام 2025، مقارنة بنسبة 47 % في نفس الفترة من عام 2024.
المخامرة: نمو الصادرات يعكس تحسناً تنافسياً ويعزز الاقتصاد الكلي
يرى الخبير الاقتصادي وجدي المخامرة أن النمو المسجل في الصادرات الوطنية لا يمثل مجرد تحسن رقمي، بل يعكس ديناميكية إيجابية في الاقتصاد الوطني وتقدماً في القدرات التنافسية للمنتجات المحلية.
وقال المخامرة لـ”الغد”: “نسبة النمو البالغة 11.7 % هي مؤشر مهم على اتجاه الاقتصاد نحو التعافي والتوسع. لكنها تتطلب إدارة استراتيجية لضمان استدامتها، من خلال دعم التنوع الاقتصادي وتمكين القطاع الخاص وتعزيز الابتكار”.
وأشار إلى أن هذا الأداء يعكس أيضاً تعافي القطاعات الإنتاجية، خاصة الصناعة والزراعة، ويُسهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي وتحسين ميزان المدفوعات، كما يعزز الاحتياطي من العملات الأجنبية ويخلق وظائف جديدة.
وشدد المخامرة على أن من العوامل التي ساهمت في هذا النمو، ارتفاع الطلب العالمي على بعض الصادرات الأردنية، لا سيما من الصناعات التحويلية والزراعية، إلى جانب نجاح الحكومة في فتح أسواق جديدة.
ودعا إلى تطوير البنية التحتية، وتوسيع اتفاقيات التجارة، وتحفيز القطاع الخاص من خلال حوافز ضريبية ومالية، وتبسيط الإجراءات الجمركية، مع دعم الابتكار والتحول الرقمي لزيادة القيمة المضافة للمنتجات الأردنية.
عايش: عودة السوق السورية نقطة تحول وديناميكية جديدة في التصدير
من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي حسام عايش أن نسبة النمو البالغة 17 % تقريباً في الصادرات الوطنية تمثل دليلاً على تجاوز الاقتصاد الأردني لعدد من التحديات الإقليمية الخطيرة.
وقال عايش لـ”الغد” إن الديناميكية الجديدة في الصادرات قائمة على استعادة الزخم الصناعي، وتخفيف المعوقات البيروقراطية، وتحفيز الإنتاج المحلي الموجه نحو التصدير، مشيراً إلى أن السوق السورية شهدت قفزة بنسبة 480 % في الصادرات خلال أول شهرين من العام الحالي مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
ورأى أن هذه التطورات تعكس وجود فرص حقيقية للنمو في الأسواق الإقليمية، وهو ما يتطلب تعزيز أدوات الدبلوماسية الاقتصادية واستمرار الإجراءات الداعمة للقطاع التصديري.
كما أكد عايش أن تحسن الصادرات يُسهم في تعويض خسائر القطاع التجاري الناجمة عن الأزمات الجيوسياسية، ويُعد رافداً مهماً للعملة الصعبة إلى جانب السياحة.
وأضاف أن هذا النمو يُحسن من جاذبية الأردن الاستثمارية، لا سيما في القطاعات التي تشهد طلباً خارجياً متزايداً مثل الصناعات الكيماوية والزراعية.
زوانة: استدامة النمو تتطلب إصلاحات هيكلية وتحفيز الإنتاج
أما الخبير الاقتصادي زيان زوانة، فقد شدد على أن استدامة الأداء الإيجابي للصادرات الوطنية يتطلب إصلاحات هيكلية حقيقية، تبدأ بتذليل البيروقراطية وتقليص كلف الإنتاج وتحسين كفاءة سلاسل الإمداد.
وقال زوانة لـ”الغد” إن هذه المؤشرات الإيجابية تُظهر وجود إمكانيات اقتصادية حقيقية، لكنها ما تزال بحاجة إلى حسن الإدارة والتخطيط طويل الأمد.وأكد أن من أهم أسباب التحسن الراهن، عودة العلاقات الاقتصادية مع سورية، إلى جانب زيادة صادرات الأسمدة، التي باتت تمثل عنصراً حيوياً في هيكل الصادرات الأردنية، داعياً إلى تنويع الأسواق الخارجية لهذه المنتجات وتطوير قدراتها الإنتاجية.