أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    05-Jul-2018

‘‘تنمية الفقر‘‘ !!.. مثال من منطقة بني كنانة

 ...قراءات تنموية

الغد-أحمد أبو خليل
 
نسبيا ووفق الأرقام الرسمية، يُعد لواء بني كنانة من المناطق الأقل فقراً في الأردن (نسبة الفقر أقل قليلا من نسبة الفقر على مستوى المملكة: 13.2 %، مقابل 14.4 %، ولا توجد فيه أي من جيوب الفقر التي تقاس وتحسب رسمياً على مستوى الأقضية والألوية). غير أن هناك استثناءً في حدة الفقر في اللواء، تمثله منطقة الحمة في أقصى شمال اللواء، التي تعاني فقراً "جديداً"! إذا صح التعبير. والسبب في ذلك معروف ومشهور في المنطقة، حتى في الأوساط الشعبية العامة، إلى درجة أن بعض من التقيناهم قالوا إن الفقر في هاتين القريتين هنا صُنع صناعةً.
تُعد أراضي منطقة بني كنانة في الأصل، مناطق ذات تنوع زراعي ملحوظ، فقد كانت، إلى أكثر قليلاً من نصف قرن مضى، تشهد درجة من الاكتفاء الذاتي مع توفّر دائرة من العلاقات التبادلية مع المحيط القريب، فهي قريبة من مدينة إربد، مثلما هي قريبة من القرى السورية، ولهذا هناك سيرة تنموية جيدة، وحتى عندما حصل تراجع في دور الانتاج الزراعي، انخرط السكان بكثافة في الوظيفة العامة، وخاصة العسكرية، وبعض الأعمال التجارية المحلية على مستوى المحافظة، مما شكل تعويضاً لهم.
رغم أن المنطقة تشتهر، الآن، بزراعة الزيتون، لكن هذه الشجرة لم تكن معروفة سابقاً (قبل نصف قرن مضى) إلا في عدد محدود من القرى؛ بالذات فيما يعرف بقرى (الكفارات)، على شكل أشجار زيتون قديمة (زيتون رومي)، أما باقي القرى فإن شجرة الزيتون عُرفت حديثاً وزُرعت حديثاً، غالباً منذ نهاية خمسينات ومطلع ستينات القرن العشرين فقط، وجرى ذلك بقرار وتوجه رسميين، ومنذ ذلك الوقت، أصبحت شجرة الزيتون مجال عمل ومصدر دخل، رئيسي حيناً وإضافي حيناً آخر، لقطاع كبير من السكان.
المنطقة إذن زراعية، وأهلها بالإجمال فلاحون، زرعوا الحبوب (قمح، شعير عدس، وذرة وسمسم) والأشجار المثمرة، والانتاج غالباً ما كان للاستهلاك مع توفر قدر بسيط من الانتاج للتبادل مع عدد من القرى. وهم مستقرون منذ زمن طويل، وقرى المنطقة قديمة بعضها يعود جذره إلى منتصف القرن 19، وشهدت كغيرها من قرى الشمال انفتاحاً مبكراً على سورية. وهي أكثر المناطق الأردنية كثافة في عدد القرى (حوالي 45 قرية).
اجتماعياً لم تشهد المنطقة تراتباً طبقياً قاسياً بحيث يدفع فئات معينة نحو أدنى السلم الاجتماعي، فرغم وجود بعض العشائر الكبيرة، ولكن سطوتها نسبية ومتبدلة. وتتميز المنطقة بالعناية الشديدة بالتعليم، وتضم البلدة الأكثر في عدد حملة الشهادات العليا، وهي كفر سوم، والناس عموماً نشطاء اقتصادياً ومبادرون.
سيرة أسرة
يقول محدثنا وهو من مواليد وسكان المخيبة العام 1948، متقاعد من القوات المسلحة منذ العام 1987: "أصلنا مزارعين، ورثت عن والدي قسماً من الأرض، ثم اشتريت أرضاً أخرى وعمّرت مزرعة دواجن وأبقار صغيرة، عملت فترة محدودة ثم فشلت. ومثل كثيرين من أهالي المخيبة، مررنا بمراحل ممتازة ومتوسطة ثم مرحلة سيئة.. صفر!"
ويضيف: "لغاية مطلع تسعينيات القرن الماضي، كان ناتج عملنا يغطي الاحتياجات سواء عن طريق الزراعة او في أي مجال آخر. ثم جاءت مرحلة "أكلَتْ" التي سبقتها، وما عاد هناك مجال للعيش والتوفير. 
بعد 2005 تغير الوضع. إذ فتحت البنوك أبوابها للقروض على حساب مستوى معيشة الناس. بدون أن نشعر الوضع تدهور بالتدريج، فأنْ تعيش بمستوى أعلى من دخلك لفترة، أدخل الناس في مشكلة، واضطروا لبيع أملاكهم.
بين الإدارة والواقع
تنتمي المخيبة إداريا إلى لواء بني كنانة. كما أن علاقات السكان الاجتماعية وإحساسهم العام يتجه نحو بني كنانة (منطقة السرو) وخاصة تجاه بلدة أم قيس، وهي الأقرب إليهم. لكنهم مع منطقتهم (الحمة والمخيبة)، من الناحية الجغرافية والبيئية، يشكّلون أقصى شمال الأغوار. وهذه الازدواجية أضرت بالمخيبة والحمة وأهلها في بعض المراحل، فلواء بني كنانة لا يعتني بمنطقة بعيدة نسبياً عن باقي تجمعات قراه، ومن جهتها، سلطة وادي الأردن التي تشرف على الأغوار، توقفت خدماتها ومشاريعها مكانياً، جنوب الحمة عند منطقة العدسية، ولم تصل إلى المخيبة، واعتبرت مسؤوليتها تقع على عاتق مركزها الإداري في بني كنانة.
لكن وجود الحمة والمياه الحارة، شكّل بالنسبة لقطاع كبير من السكان في المخيبة وخارجها، مصدرَ دخل رئيسي، وعموماً فإن كل القرى والمجتمعات المحلية الواقعة شمال اربد، وبمجرد تجاوز القرى التابعة مباشرة لمدينة اربد، والاتجاه شمالاً نحو الحمة، كانت وعلى امتداد كامل الطريق العام (اربد_ بني كنانة)، تستفيد من حركة السياحة الداخلية (على مستوى الأردن) في الحمة. وهناك طيف واسع من المستفيدين من حركة الناس المتجهين إلى الحمة، ويضم هذا الطيف، تجاراً وأصحاب مطاعم ومقدّمي خدمات للركاب، ولكن بشكل أساسي العاملين يضم في قطاع النقل، فلم تكن خدمة النقل بين الحمة وخارجها، تتوقف حتى ساعة متأخرة من الليل، وبالطبع لم يقتصر النشاط في النقل على الوسائط المسجلة كنقل عام رسمي ومرخص، ذلك أن قطاع نقل "غير رسمي" (سيارات خاصة وباصات صغيرة خاصة أيضاً كانت تعمل بانتظام في نقل الركاب).
ابتدأ العمل السياحي المنظم في الحمة منذ عام 1965 عندما أقيمت شركة (قطاع مشترك/ عام وخاص)، تُشرف وتُنظّم الزيارات والدخول إلى المرافق السياحية وخاصة برك المياه الحارة (العلاج الطبيعي). ومع الوقت حصلت بعض التغيرات والتحديثات على المنشآت، لكن الوضع العام بقي مقبولاً ومفيداً لمختلف الأطراف من السياح "الأقل حظاً" ومن العاملين أو المستثمرين الأقل حظاً كذلك.
قبل حوالي 13 عاماً، خُصخصت الشركة وأملاكها، وينابيع المياه الحارة التي يقصدها الناس، وأغلقها مالكها الجديد على الفور، وهدمت مرافقها من برك ومطاعم، وتحولت المرافق القديمة إلى "خرائب" يمنع الدخول إليها، وغادرها كل العاملين باستثناء عدد من الحرّاس على الأبواب في غرف خاصة بهم.
حصلت بعد ذلك مبادرات فردية، إذ أقام الأهالي بعض المنتزهات الخاصة ويقومون بتأجيرها للزوار، إضافة إلى إنشاء بعض المطاعم المتواضعة. ولكن الاستفادة العامة من قبل السكان ككل توقفت نهائياً، ووجد كثيرون ممن كانوا يعتاشون على هذا الصنف من العمل مباشرة، او بصورة هامشية، (أي السياحة الداخلية) أنفسهم بلا دخل وبلا عمل.
المشهد الآن بائس جداً، والقرية معدومة الخدمات، والنظافة متدنية للغاية، والأولاد يتسولون من المارة والزوار.
قصة مضيئة
لعل القصة الأبرز ذات الطابع التنموي والجديرة بالتأمل في المنطقة، تتعلق بتجربة أهالي قرية المخيبة التحتا مع العمل التعاوني، وهي التجربة التي ما تزال تسهم لغاية الآن بإنقاذ كثيرين من الفقر الشديد الذي تعاني منه المخيبة التحتا والحمة:
ففي نهاية الخمسينات ومطلع الستينات، اشترى أهالي المخيبة التحتا ما يزيد على 3000 دونم على ثلاث مراحل عن طريق الاقتراض من الجمعيات التعاونية، ففي مرحلة أولى اشتروا 1600 دونم ثم مرة ثانية اشتروا بالتعاون مع جماعة ام قيس اشتروا أراضي أخرى حوالي 1000 دونم، ثم اشتروا 1000 أخرى. 
حصل الأهالي على قروض من الجمعيات التعاونية: كل واحد اشترى 25 دونما. في المرة الأولى كان مجموع المشترين حوالي160 اسماً، وفي الثانية 42 اسماً، وآخر مجموعة عبارة عن حصص مشتركة. وهو ما يعني أن مجموع المستفيدين وصل إلى حوالي 250 فرداً أو أسرة.
بدأ الأهالي باستيراد أشتال زيتون حصلوا عليها بشكل شبه مجاني، وحصل في المنطقة ما يشبه "نهضة زيتون". وتحولت المنطقة إلى غابة زيتون، وتحسن وضع الناس، صار عندهم دخل منتظم إلى حد ما. 
اليوم يبلغ عدد السكان الإجمالي حوالي سبعة آلاف، يقيمون في منطقة تعد اجتماعياً وخدماتياً، أقرب الى الأغوار، أي فقيرة، وخاصة في قطاعي التعليم والصحة. فبينما –كما اشرنا سابقاً- تعتبر قرى بني كنانة من الأنشط في مجال التعليم، فإن منطقة المخيبة والحمة، لم تشهد التعليم الجامعي إلا منذ سنوات قليلة. 
هناك الآن مدرسة ثانوية للقريتين، ونسب النجاح فيها متدنية جداً، وخاصة عند الذكور، ويحصل أحياناً ان تكون النتيجة "لم ينجح احد"، أما مدارس الإناث فأحسن حالاً –نسبياً- من حيث النتائج، ولأن المخيبة والحمة هي الأبعد عن مركز لواء بني كنانة، فإنها تعد "مَنْفى" للمعلمين، الذين ينقل إليها بعضهم كعقوبة، بينما يعين آخرون، ويبدأون بالسعي للنقل فور تعيينهم.
في المنطقة مركز صحي عادي أولي ضعيف، ويتعين على من يحتاج للخدمة الصحية بعد الظهر، أي بعد انتهاء الدوام، أن يذهب إلى الشونة الشمالية (الأغوار) أو إلى بني كنانة واربد.
رغم ان المنطقة زراعية، لكن ليس هناك سوى دور ضعيف لوزارة الزراعة، فالمنطقة في موضع الزراعة، تتبع تنظيميا للأغوار، بينما تتبع إداريا لبني كنانة، وهو عمليا ما يعني أنهم لا يستفيدون من هذه الازدواجية.