أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    26-Aug-2020

لا رابحين في معركة التعافي من «كورونا» جنوب شرق آسيا

 «الشرق الأوسط»

حظي الكثير من الحكومات في وقت ما بالإشادة بطريقة تعاملها «الملتزم بالقواعد المعروفة» مع جائحة فيروس «كورونا» المستجد من خلال تطبيق إجراءات إغلاق صارمة أو استخدام التطبيقات المعقدة للأجهزة الذكية لتتبع المخالطين لمرضى الفيروس وتبني السياسات الموضوعة بوضوح... لكن يبدو أن كل ذلك تعثر بشيء ما فيما بعد.
 
ففي سنغافورة تفشى الفيروس من مجمعات مساكن العمال الأجانب. وفي كوريا الجنوبية كان الخطأ هو التسرع في إعادة فتح الملاهي الليلية. وكانت هناك دول أخرى لم تفعل أي شيء خطأ، ومع ذلك ما زالت تعاني من تداعيات الجائحة. وهذا يعني شيئاً واحداً؛ وهو أنه لا يوجد انتصار في معركة التعافي الاقتصادي من تداعيات الجائحة، حسب تقرير نقلته وكالة الأنباء الألمانية عن المحلل الاقتصادي دانيال موس.
 
وفي تحليل اقتصادي نشرته وكالة «بلومبرغ»، قال موس المتخصص في اقتصاديات شرق آسيا، إن ماليزيا تمثل نموذجاً جيداً لصعوبة الانتصار في المعركة ضد تداعيات «كورونا» رغم اتخاذ كل الإجراءات الصحيحة. ففي حين اتخذت ماليزيا كل الإجراءات الجيدة منذ البداية، فإنها تعاني من أسرع تدهور بين اقتصادات شرق آسيا. وقد بلغ معدل الانكماش في ماليزيا خلال الربع الثاني من العام الحالي 17.1% من إجمالي الناتج المحلي، مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي. وكانت ماليزيا قد تحركت بسرعة لاحتواء الجائحة، وفرضت قيوداً صارمة على الحركة والانتقال، وخفضت أسعار الفائدة بشدة، وتبنت الحكومة ميزانيات تكميلية لتمويل الزيادة في الإنفاق العام، وأجّلت سداد القروض.
 
في المقابل نجح النظام الصحي الجيد في الحد من انتشار الفيروس، حيث وصل إجمالي عدد المصابين به في ماليزيا، حتى الخميس الماضي إلى 9240 إصابة، والوفيات إلى 125 وفاة، وهو ما يقل بشدة عن معدلات الإصابة والوفيات في باقي دول المنطقة.
 
ورغم ذلك فإن اقتصاد ماليزيا يعاني من انكماش حاد وواسع النطاق. ولا يقتصر الأمر على الصادرات والإنفاق الاستهلاكي، ولكن أيضاً باتت قدرة الحكومة على دعم النشاط الاقتصادي محدودة بصورة ملحوظة.
 
وكانت نور شمسية محمد يونس، محافظ البنك المركزي الماليزي، محقّة عندما تجنبت المبالغة في تصوير التحسن الاقتصادي التي قالت إنه يحدث حالياً. فخلال مؤتمر صحافي عقدته في 14 أغسطس (آب) الحالي لمناقشة تدهور الاقتصاد خلال الربع الثاني من العام الحالي، استخدمت بكثرة كلمات مثل «التدريجي» و«الحذر» لوصف النشاط الاقتصادي الحالي.
 
وقد يحق للمواطنين في ماليزيا السؤال: أين مردود قيامنا بالإجراءات الصائبة في مواجهة «كورونا»؟ فبالنسبة إلى دولة قلّصت الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية بشدة، ما زالت حالة الاقتصاد سيئة في ظل إجراءات الإغلاق.
 
ومن المتوقع انكماش الاقتصاد الماليزي خلال العام الحالي ككل بما يتراوح بين 3.5 و5.5% من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما يتناقض مع التوقعات السابقة التي كانت تشير إلى نمو طفيف.
 
وكان المفترض أن يكون الربع الثاني من العام الحالي هو الأسوأ بالنسبة لاقتصادات شرق آسيا ككل. وبغضّ النظر عما إذا كان التدهور حاداً أم تدريجياً، وبغضّ النظر عن مدى تأخره، كان الانكماش الاقتصادي أكبر مما كان متوقعاً.
 
والآن أصبح التعافي الاقتصادي يعتمد على التطورات العالمية بنفس قدر الاعتماد على المبادرات المحلية. وقد وجدت الدول التي تعتمد على التصدير مثل ماليزيا اقتصاداتها تستيقظ على عالم أوضاعه ليست جيدة. ونادراً ما يستخدم الناس تعبير «التعافي السريع» حالياً. في الوقت نفسه فإن ماليزيا قد تستفيد من أي ازدهار في قطاع معدات الاتصالات مع اتجاه المزيد من الشركات في العالم نحو الاعتماد على العمل من المنزل. فماليزيا واحدة من أكبر الدول المصدّرة لأشباه الموصّلات في العالم، حيث أصبحت أحد مراكز صناعة الإلكترونيات في العالم مع دخول عصر العولمة في سبعينات القرن العشرين.
 
ورغم المصاعب التي واجهت استفادة الاقتصاد الحقيقي من حزم التحفيز المالي، يتعهد السياسيون في ماليزيا بمواصلة إجراءات التحفيز المالي. كما أن الحزب المعارض في البلاد أشار إلى دعمه لزيادة سقف الدين العام للبلاد. في الوقت نفسه ما زال البنك المركزي مستعداً لاتخاذ المزيد من الإجراءات لتحفيز الاقتصاد.
 
وقالت محافظة البنك نور شمسية: «إذا حدثت موجة ثانية للجائحة، سيكون لدينا فرصة لاتخاذ إجراءات موجهة تستكمل الإجراءات التي طبّقناها من قبل»... وهو ما يمكن اعتباره إشارة ضمنية إلى اعتزام البنك شراء المزيد من سندات الحكومة وتمديد فترة السياسة النقدية التوسعية.
 
وقال دانيال موس إن هذه لن تكون المرة الأولى التي تغرد فيها ماليزيا خارج السرب وتتبنى سياسات اقتصادية مغايرة لما هو معروف في أوقات الأزمات الاقتصادية. ففي الأزمة المالية الآسيوية عام 1998 رفضت ماليزيا تبني الإجراءات المتعارف عليها، وقررت تثبيت سعر الصرف وفرض قيود على حركة رأس المال، وهو ما أثار انتقادات الكثيرين في ذلك الوقت بمن فيهم موس نفسه، وتوقعوا انهياراً كاملاً في ماليزيا، ولكن اتضح أنهم كانوا على خطأ وخرجت ماليزيا من الأزمة بسرعة.
 
أخيراً فإنه لا يمكن توجيه اللوم إلى ماليزيا التي تعاملت بجد مع أزمة الفيروس وعانت اقتصادياً، فعندما تجاوزت ماليزيا الجائحة، بفضل إجراءاتها وجدت أن تعافي الاقتصاد العالمي خارجها أصعب مما توقعت، وهو ما يعني ضرورة البحث عن حلول مبتكرة سواء على صعيد السياسة النقدية أو غيرها للتعامل مع الواقع العالمي الجديد.