أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    16-Apr-2025

الخطر الحقيقي والداهم في مقامرة ترامب بالاقتصاد الأميركي

 الغد

شون أوغرايدي* - (الإندبندنت) 2025/4/7
يزعم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن الأميركيين تعرضوا للنهب من "محتالين أجانب" عبر فرض رسوم جمركية، وهو موقف يتعارض مع واقع ازدهار الاقتصاد الأميركي. وقد تؤدي هذه السياسات الحمائية إلى زيادة الأسعار وتفاقم الفجوة الاقتصادية، ممهدة لركود اقتصادي مشابه لما حدث في الثلاثينيات، حين أسهمت الرسوم الجمركية في تفجير الحرب العالمية الثانية.
 
 
 
يقول دونالد ترامب إن الأميركيين تعرضوا إلى "النهب" و"الاغتصاب" و"الافتراس" من قبل "محتالين أجانب" على مدى عقود من الزمن. هذه لغة غريبة وعنيفة. لغة لا تليق أبدًا برئيس. وهي ببساطة غير صحيحة.
قد يتساءل البعض: إذا كانت مزاعمه صحيحة، كيف تمكنت الولايات المتحدة من أن تصبح أكبر وأقوى اقتصاد في تاريخ العالم؟ وكيف أصبح مواطنوها أكثر ثراء من أي وقت مضى؟ لكن هذا ربما لن يستمر طويلاً.
يواصل ترامب إقناع الناس بأن الدول الأجنبية هي التي ستدفع الرسوم الجمركية التي يفرضها. وهذا غير صحيح. الذين سيدفعونها هم المتسوقون الأميركيون أنفسهم. هل سيشاهد الأميركيون أسعار هواتف "آيفون" المصنعة في فيتنام ترتفع بنسبة 46 في المائة في متاجر "وول مارت"؟ وهل سيدفع سكان المدن المتأزمة في "حزام الصدأ" [المنطقة في شمال شرقي الولايات المتحدة ووسطها، التي كانت مزدهرة صناعياً ثم تدهورت بعد إغلاق المصانع وتراجع الصناعات الثقيلة] مالاً أكثر في مقابل المنازل المبنية بالخشب الكندي؟
الإجابة هي "نعم".
ليست الرسوم الجمركية سوى ضريبة مبيعات باسم آخر، وهي من أكثر أنواع الضرائب قسوة لأنها لا تفرق بين غني وفقير، ولا تراعي قدرة الناس على الدفع من عدمها. سوف ترتفع الأسعار في أميركا، وستتفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ولن يستعيد أحد "الحلم الأميركي" كما يعدهم الرئيس.
ومع تهاوي أسواق الأسهم في أعقاب إعلان ترامب، تشير استطلاعات الرأي إلى أن الأميركيين يخشون العواقب. وهم محقون في ذلك. لقد ألقى ترامب -الرجل الذي كان يمتلك كازينوهات ذات يوم- بحجر النرد في أكبر مقامرة اقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية.
لم يكن عرضه المسرحي الذي قدمه وكأنه برنامج مسابقات تلفزيوني للمقامرات من نوع "بينغو"، ليخدع أحداً. ليست الحسابات المتعلقة بالرسوم الجمركية، والحواجز غير الجمركية، والتلاعب بالعملات سوى افتراضات هشة -إن لم تكن أوهاماً. كان ترامب يعرف تماماً ما يريد فعله، كزعيم عصابة يوزع المكافآت على الموالين له ويقصي أعداءه المفترضين، ثم بدأ يحسب النسب والأرقام انطلاقاً من تلك الرغبة. وحتى نائبه، جي. دي. فانس، حصل على تحية من الرئيس الذي قال له: "لقد أصبحت أكثر ثقة بنفسك"! في نبرة حملت نوعاً من التهديد. في أسلوب معروف عند الزعماء الاستعراضيين أو السلطويين الذين يمتدحون شخصاً أمام الناس، وإنما بعبارة فيها تذكير مبطن بسلطتهم عليه أو تحذير غير مباشر له.
لا شيء مما جرى منطقي. لقد فرض ترامب رسوماً جمركية بنسبة 41 في المائة، حتى على طيور البطريق في جزر فوكلاند!
عندما لم يكن اللوم يقع على "الأصدقاء والأعداء" الخبثاء، كان سببه ذلك الشرير الأكبر: "جو النعسان" (جو بايدن). حتى أن ترامب ألقى بقبعة "ماغا" الشهيرة وسط الحشد ليتسابق عمال مصانع السيارات على الظفر بها. كان ذلك عرضاً نرجسياً تقليدياً، وأداء مهيناً لكل مَن كان حاضراً. لكنه لم يستخدم، على الأقل، كلمته المفضلة: "شرير"، على الرغم من أنه كان كذلك بالفعل.
على الأقل، تنفس البريطانيون الصعداء لأنه لم يكن قاسياً معهم بالقدر نفسه. هل أجاد كير ستارمر اللعب؟ الأمر نسبي بطبيعة الحال، لكن حقيقة تعرض المملكة المتحدة لرسوم جمركية أميركية بنسبة "لا تتجاوز" 10 في المائة على صادراتها، بينما سيواجه الاتحاد الأوروبي رسوماً بنسبة 20 في المائة على صادراته، وهي صادرات تفوق صادرات بريطانيا إلى الولايات المتحدة بأضعاف، يعد في حد ذاته انتصاراً دبلوماسياً، ولو بشكل نسبي. بالنسبة للبعض، قد يعد هذا مكسباً من مكاسب "بريكست". ولكن، بعبارة أخرى، ما إن يدرك البريطانيون أن الركود الصناعي الذي يهدد أكبر شريك تجاري لهم لا يبشر بخير لاقتصادهم المتعثر، حتى يتبدد هذا الشعور بالارتياح.
كان يمكن أن يكون الوضع أسوأ. لكن الثاني من نيسان (أبريل) 2025، الذي أطلق عليه ترامب أسماء مثل "يوم التحرير" أو "يوم الاستقلال الاقتصادي"، ليس تاريخاً يستحق الاحتفال به في نظر أي عاقل. في عالم مترابط ومتداخل اقتصادياً بهذا الشكل العميق، تبدو هذه السياسة ضرباً من العبث.
كما هو متوقع من ترامب، تمتاز الجداول الجمركية التي كشف عنها كرئيس للولايات المتحدة بنزعة انتقامية واضحة. ويهدف النهج المتدرج الذي اعتمده، والقائم على فرض رسوم "متبادلة"، إلى تحقيق غايتين: الأولى أنه يعكس سياسة تجارية تقوم على مبدأ الحمائية الصارمة، حيث يتولى سياسي واحد، لأسباب اجتماعية أو سياسية -أو حتى نزوات شخصية- تحديد مسار النشاط الاقتصادي داخل بلاده بدلاً من أن تتركه قوى السوق ورغبات المستهلكين يأخذ مجراه الطبيعي.
وكما يفعل في كثير من الأمور، قرر ترامب أنه يعرف أكثر من عمالقة صناعة السيارات في العالم كيف وأين ينبغي عليهم تصنيع سياراتهم بأعلى كفاءة.
العولمة، وسلاسل التوريد العابرة للحدود، التي أثبتت على الرغم من تعقيدها كفاءة عالية، أصبحت خارج المعادلة. وسيجري تصنيع المنتجات في أميركا أينما أمكن ذلك، حتى لو كان هذا الخيار أكثر كلفة. وإذا أدى ذلك، وهو ما سيحدث فعلاً، إلى زيادة التكاليف، وارتفاع الأسعار، وانخفاض مستوى المنافسة والجودة، فهذا كله يظل أمراً ثانوياً أمام الرؤية الترامبية لأميركا "الصانعة من جديد". أما تجارة الخدمات، التي تبقى حتى الآن خارج نطاق هذه السياسات الاقتصادية المتشددة، فلا تثير اهتمام ترامب الكبير.
الهدف الثاني لترامب هو تصفية الحسابات، القديمة والجديدة. وقد قالها بنفسه، خلال أحدث سردياته الملتوية، متباهياً بـ"ثباته على الموقف". ترامب، المولود في العام 1947، هو رجل شهد بأم عينه ما فعلته شركات "تويوتا" و"هوندا" و"نيسان" بقطاع السيارات الأميركي في ثمانينيات القرن الماضي. وكثيرون في تلك الفترة حمّلوا السياسات الحمائية اليابانية والتلاعب بأسعار العملة مسؤولية المنافسة "غير العادلة"، ومعهم بعض الحق (وهي التهم نفسها الموجهة إلى الصين اليوم).
حتى عندما كان ترامب شخصية تلفزيونية مشهورة، لم يتوقف عن الشكوى مما كان يحدث. في العام 1989، صرح بالقول: "أميركا تتعرض للنهب. نحن أمة مدينة، وعلينا أن نفرض الضرائب، وأن نفرض الرسوم الجمركية، وأن نحمي هذا البلد". وكان يدعو إلى فرض رسوم جمركية تتراوح بين 15 و20 في المائة على اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا، وعلى السعودية أيضاً، بشكل بدا غريباً إلى حد ما. واليوم، بعدما أصبح رئيساً، أصبح بمقدوره أن يتخذ إجراءات ضد ما يراه حتى الآن "غشاً" من جانب هذه الدول. (لذلك لم يكن مفاجئاً أن تكون "تويوتا" قد ذُكِرت بالاسم في حديث أدلى به في "حديقة الورود" بالبيت الأبيض بطريقة غير ودية).
ليس من المبالغة رؤية السياسة التجارية الجديدة وكأنها "كارما" ترامبية، تُطبق اليوم على خصوم جدد مفترضين مثل المكسيك، وكندا، والصين، والاتحاد الأوروبي. بالنسبة إلى ترامب، يمثل ذلك تحقيقاً لحلم حياته.
ولكن من يدري إلى أين يمكن أن يقود هذا المسار؟ كانت آخر مرة حاولت فيها الولايات المتحدة تطبيق هذه السياسة قد أسهمت في تفاقم "الكساد العظيم"، وكانت بذلك عاملاً أساسياً في اندلاع الحرب العالمية الثانية. في ذلك الحين، فرض قانون التعريفة الجمركية الأميركي للعام 1930، المعروف باسم "سموت-هولي" نسبة إلى السيناتورين اللذين قدما مشروع القانون، ضرائب كبيرة على الواردات القادمة من مختلف أنحاء العالم. وردت الدول الأخرى بإجراءات انتقامية مضادة، وترافق ذلك مع سلسلة من التخفيضات التنافسية في قيمة العملات، وكانت النتيجة انهيار التجارة العالمية خلال بضعة أعوام، مما أدى إلى إفقار الدول الصناعية الكبرى، وسرعان ما تحولت الحروب التجارية إلى حروب عسكرية حقيقية.
من نواح عديدة، يبدو العالم اليوم في وضع أسوأ مما كان عليه في ثلاثينيات القرن الماضي، وأسوأ من أن يتحمل صدمة جديدة. لا تنسوا أن الركود التجاري المرتقب سيأتي بعد أزمة الطاقة الأخيرة، والديون الضخمة التي راكمتها الخزائن الوطنية خلال جائحة كورونا، والأزمة المالية العالمية التي بدأت في العام 2008، حين اضطر الغرب إلى إنقاذ المصارف بتكلفة هائلة تحملها دافعو الضرائب. ينبغي أن يكون الشعور بالخطر في هذا الوقت قوياً.
من غير المرجح هذه المرة أن يكون بالإمكان مواجهة الركود المقبل عبر الاقتراض والإنفاق كما حدث سابقاً، لأن معظم اقتصادات الدول المتقدمة استنفدت بالفعل ما يعرف اليوم بـ"الهامش المالي" المتاح لها.
وكما في ثلاثينيات القرن الماضي، تضطر الدول الآن إلى تحويل مواردها الاقتصادية الثمينة إلى تصنيع الأسلحة لردع الحروب أو خوضها، أصبحت "البنادق قبل الزبدة". وتجدر ملاحظة أن ما يقرب من 5 تريليونات دولار (3.8 تريليون جنيه إسترليني) قد تلاشت من قيمة الأسهم الأميركية منذ شباط (فبراير).
ينبغي أن نشعر بالخوف. وربما يكون هذا بالضبط هو ما يريده ترامب؛ أن يرانا جميعاً، العالم بأسره، ونحن نتابعه على شاشات التلفزة وهو يوقع أوامره التنفيذية، في نسخة قاتلة اقتصادياً من برنامجه التلفزيوني الشهير "المتدرب" The Apprentice، الذي أنتجه ترامب وقدم موسمه الأول. إنه يحب الأداء بطريقة مسرحية، لكن هذه اللعبة خطرة، والتاريخ لا يخفف من وقع هذه المخاوف.
في غضون أقل من عقد من الزمن من صدور قانون "سموت-هاولي"، دخل العالم في حرب. والآن، بعد نحو قرن من الزمن، من يجرؤ على قول أن التاريخ لن يعيد نفسه بطريقة مأساوية؟
 
*شون أوغرايدي Sean OGrady: صحفي بريطاني يشغل منصب المحرر المساعد في صحيفة "الإندبندنت". يكتب الافتتاحيات والمقالات المتعلقة بالسياسة والاقتصاد، بالإضافة إلى مراجعات في مجالات متنوعة مثل التلفزيون والسيارات. بدأ مسيرته مع "الإندبندنت" في العام 1998، وقبل ذلك، خاض تجارب مهنية متنوعة في البرلمان البريطاني، وقطاع المال، وهيئة الإذاعة البريطانية. تظهر مقالاته في جميع أقسام الصحيفة، مما يعكس تنوع اهتماماته وخبراته.