أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    16-Jun-2025

عن أي اقتصاد وتنمية نتحدث؟*أحمد عوض

 الغد

في ظل التطورات الإقليمية المتسارعة، واستمرار حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في فلسطين، وبدء العدوان الإسرائيلي المباشر على إيران، تتجدد التساؤلات حول مدى واقعية الحديث عن التنمية والاقتصاد في منطقة ما تزال خاضعة لهيمنة مشروع استعماري استيطاني "إسرائيل"، والذي جرى تثبيته ودعمه، وما يزال، من قبل القوى الغربية الكبرى.
 
 
منذ نشأتها، لم تكن "إسرائيل" سوى أداة استعمارية متقدمة، أُقيمت على حساب اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه، عبر سرديات وأساطير دينية توراتية. ولم تقتصر نتائج هذا المشروع على فلسطين فحسب، بل تجاوزتها إلى عمق بنية الإقليم، حيث فرضت "إسرائيل" واقعا إقليميا هشا، قوامه منع تشكل أي قوة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية قد توازيها أو تنافسها.
 
الحرص الغربي على حماية التفوق الإسرائيلي لم يكن يوما محصورا في الدعم العسكري أو السياسي، بل بات يشمل أيضا ضبط البيئة الجيوسياسية للمنطقة على نحو يضمن استمرار هشاشتها، ويمنع دولها من امتلاك عناصر القوة أو السيادة. 
الأردن، كدولة تقع في قلب هذا الإقليم الملتهب، ليست استثناء من هذه المعادلة. فخططه التنموية والاقتصادية المتتالية تتعثر ليس فقط بسبب خيارات اقتصادية محلية، بل بفعل بيئة إقليمية مفروضة عليه قسرا، يتصدرها الكيان الاستعماري الإسرائيلي الذي ما فتئ يصدّر الأزمات إلى الجوار. من تقييد الوصول إلى الموارد الطبيعية، وخصوصا المياه، إلى التأثير المباشر على تراجع السياحة والاستثمار بفعل حالة التوتر الدائمة، مرورا باستنزاف الموازنات في الإنفاق العسكري على حساب قطاعات التعليم والصحة والبنية التحتية.
ومع كل ذلك، تستمر الدول الغربية الكبرى، متمثلة في الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي الكبرى، في تبني خطاب مزدوج. فهي من جهة، تدعو إلى العدالة والتنمية والالتزام بالقانون الدولي، ومن جهة أخرى، توفّر الحماية السياسية والدعم العسكري لهذه الدولة الاستعمارية التي تنتهك هذه القانون الدولي ومبادئه يوميا منذ تأسيسها قبل أكثر من سبعة عقود بسلسة من جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي للشعب الفلسطيني.
لقد آن الأوان لتقف هذه الدول أمام المرآة، لترى الوجه الحقيقي لسياستها في المنطقة، وجه القوة التي ترفض أن ترى شعوب المنطقة تنعم بالسيادة أو التنمية أو العدالة، ووجه يتغنى بالإنسانية في العلن، ويمارس الإقصاء والتفوق والاستعمار في الواقع.
في ضوء هذا الواقع، لا يعود من المنطقي الحديث عن الاقتصاد والتنمية وكأنها مسارٌ ممكنٌ في ظل واقع مختل، تُدار فيه شؤون المنطقة وفق منطق استعماري، لا يضع في اعتباره مصالح شعوبها ولا أولوياتها الاقتصادية. كيف يمكن للاقتصاد أن ينمو، والديناميات السياسية المسيطرة على الإقليم ما تزال خاضعة لمنظومة تعمل على ضبط التوازن الإقليمي بما يخدم تفوق دولة واحدة، وحرمان الآخرين من أي فرصة للندية أو الشراكة العادلة؟
في ظل استمرار تغوّل هذه المنظومة، يصبح الاستقرار هدفا مؤجلا، والتنمية المستدامة حديثا نظريا يتناقض مع الوقائع اليومية التي تعيشها شعوب المنطقة ودولها. حين تكون الهيمنة هدفا معلنا، وتُدار المنطقة كمنصة لضمان استمرار مشروع استعماري استيطاني، فإن أي حديث عن مستقبل اقتصادي مستقل أو بيئة آمنة وجاذبة للاستثمار يكون مجرد وهم.
التنمية الحقيقية لا يمكن أن تُبنى على أنقاض الاستعمار والتفوق العسكري والغطرسة، ولا يمكن لها أن تُدار أو تتحقق في ظل هذا القدر من الخلل الأخلاقي والازدواجية القيمية في النظام الدولي. فلا العدالة ولا التنمية الاقتصادية قابلة للتحقق.