لتفادي انهيارات مستقبلية.. دعوات لفحص التربة وإيجاد قاعدة بيانات وطنية للمباني
الغد-محمد الكيالي
أجرى نقيب المهندسين م. عبدالله غوشة الثلاثاء الماضي زيارة ميدانية لموقع انهيار العمارة السكنية في مدينة إربد، ووقف على تفاصيل الحادث والإجراءات التي اتخذتها الجهات المختصة.
وخلال الزيارة، أكد غوشة على أن نقابة المهندسين تتابع الحادثة باهتمام بالغ، مشيرا لتشكيل لجنة فنية مختصة برئاسة م. مالك علوان تضم خبراء بمجالات الهندسة المدنية وتقييم المباني والدراسات الجيولوجية، لتحليل أسباب الانهيار وجمع كافة البيانات ذات الصلة.
وتشمل مهام اللجنة مراجعة الوضع الفني السابق للمبنى، وتسلسل التراخيص الصادرة له، إلى جانب تقييم العوامل الخارجية المحتملة، مثل تسرب المياه أو تحميل المبنى بأوزان إضافية غير محسوبة، أو تغير خصائص التربة وحركتها.
تقرير فني
وأوضح غوشة أن اللجنة ستعد تقريرا فنيا شاملا يُرفع للجهات المعنية، في مقدمتها بلدية إربد، ومديرية الدفاع المدني، ومجلس البناء الوطني، لافتا إلى أن كل حادثة انهيار لها ظروفها الخاصة، وهو ما يستدعي التقييم الفردي الدقيق لكل حالة.
وأشار إلى أن حادثة إربد تختلف من حيث طبيعتها الفنية عن الانهيارات السابقة، مثل عمارة الجوفة وعمارة اللويبدة في عمان.
تقييم دوري
وشدد نقيب المهندسين على ضرورة إجراء تقييمات دورية للسلامة الإنشائية للمباني القديمة، ولا سيما تلك التي تُظهر مؤشرات على ضعف بنيانها أو تهديد بانهيارها.
كما دعا لتفعيل أدوات المسح الهندسي الوقائي وتعزيز منظومة الرقابة الفنية قبل وقوع الحوادث، مؤكدا أن النقابة على أتم الاستعداد لتقديم الدعم الفني والهندسي الكامل للجهات الرسمية، بما يسهم برفع مستويات السلامة العامة ويمنع تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلا.
كما أكد غوشة في حديثه لـ"الغد" أن المملكة شهدت خلال السنوات الماضية تطورا ملحوظا في ملف السلامة العامة الإنشائية للمباني القديمة، عبر سلسلة من التشريعات والإجراءات التي تهدف إلى الحد من المخاطر وضمان سلامة المنشآت.
وأوضح غوشة أن مسار التعامل مع الأبنية القائمة مر بمرحلتين أساسيتين، الأولى بدأت عام 2018 عندما أصدر وزير الأشغال العامة، قرارا ينص على ضرورة إخضاع أي مبنى يُراد تغيير صفة استعماله أو إضافة منشآت إليه، لتقييم هندسي دقيق يتم عبر مكاتب هندسية مرخصة ويشمل دراسات إنشائية تضمن توافق المبنى مع المتطلبات الفنية الجديدة.
وجاء هذا الإجراء عقب حوادث انهيار مبانٍ منها انهيار عمارتين في الزرقاء، ما سلط الضوء على خطورة التغاضي عن السلامة الإنشائية.
أما المرحلة الثانية، بحسب غوشة، فتمثلت بصدور النسخة المحدثة من كودات البناء ولا سيما "كود الزلازل" لعام 2022، حيث تم تخصيص فصل مستقل يتناول الأبنية القائمة وكيفية التعامل مع التعديلات أو الإضافات التي تطرأ عليها.
كما أصدرت نقابة المهندسين تعليمات خاصة تتعلق بسلامة المنشآت بما يشمل إلزامية إجراء الدراسات الهندسية والفحوصات المخبرية قبل الشروع بأي تعديل على المباني.
وبين غوشة أن هذه التحديثات التشريعية شكلت نقلة نوعية بآليات تقييم وسلامة الأبنية، مشددا على ضرورة مقاربة الموضوع من زوايا عدة فنية وهندسية واجتماعية، خصوصا في ظل تزايد الشكاوى التي ترد للحكام الإداريين ولجان السلامة العامة بوجود "خطر انهيار" يتهدد بعض المباني.
وأوضح أن بعض هذه البلاغات تكون مبررة، فيما يلجأ آخرون لتقديمها بهدف إخلاء المستأجرين أو الانتفاع العقاري.
وأشار إلى أن لجان السلامة العامة بالتعاون مع لجان نقابة المهندسين تقوم بفحص هذه الأبنية وإصدار تقارير فنية دقيقة، غير أن التحدي الأكبر يتمثل في غياب سجل عقاري شامل يوثق جميع التعديلات التي أجريت على الأبنية، سواء من حيث الإضافات أو التغييرات التي قد تؤثر على استقرارها.
وأكد غوشة أهمية إنشاء سجل عقاري فني موحد، يُعنى بتوثيق الحالة الفنية والإنشائية لكل مبنى بالمملكة، على غرار سجل الملكية العقارية بما يُمكن الجهات المختصة من متابعة أي تغييرات أو تدخلات تمت على الأبنية على مدى السنوات.
وأوضح أن معظم دول العالم تعتمد مثل هذا السجل، الذي يدون فيه كل ما يتعلق بالمبنى منذ لحظة الحصول على رخصة الإنشاء، مرورا بأي تغييرات لاحقة، سواء كانت إنشائية أو وظيفية، وحتى أعمال الصيانة الدورية.
وأضاف أن السجل لا يقتصر على التوثيق الهندسي، بل يشمل أيضا بيانات مهمة مثل تواريخ إصدار وتجديد أذونات الأشغال وتواريخ الزيارات الميدانية التي تُجريها مديرية الدفاع المدني ونتائج الفحوصات الفنية التي خضعت لها المنشأة.
وبين غوشة أن السجل المقترح يجب أن يشتمل على أسماء الأطراف المسؤولة عن تنفيذ المشروع، كالمصمم والمشرف والمقاول بالإضافة إلى بيانات المالك أو مالكي العقار.
واعتبر أن وجود سجل كهذا سيشكل مرجعية دقيقة وشاملة تُسهم في تسريع عمليات المتابعة الفنية والرقابية، وتُسهل التحقيق في حال وقوع أي حوادث إنشائية.
وأكد أن تنفيذ هذا المشروع يتطلب تنسيقا وتكاملا بين عدد من الجهات المعنية، أبرزها وزارة الأشغال العامة والإسكان ونقابة المهندسين ونقابة المقاولين ومديرية الأمن العام وأمانة عمان والبلديات ودائرة الأراضي والمساحة، بالإضافة للجهات المعنية بإدارة المجمعات السكنية.
وشدد غوشة على أن التعاون بين هذه الأطراف سيؤدي لبناء قاعدة بيانات وطنية متكاملة لكل مبنى، ما يضمن توثيق جميع الإجراءات الفنية التي تمت عليه، ويتيح الرجوع إليها في أي وقت، لا سيما في حال وقوع مخالفات أو حوادث تتعلق بالسلامة الإنشائية.
ولفت نقيب المهندسين إلى التعديلات الأخيرة التي طالت نظام الأبنية والتنظيم في مدينة عمان وباقي المدن والقرى، ووتضمنت تسهيلات لترخيص الأبنية القائمة ومنحها شهادات "سلامة منشأ" بناء على كشف حسّي من مكتب هندسي مرخص.
وأكد أن هذه التسهيلات خطوة في الاتجاه الصحيح لأنها تُسهم في توثيق الحالة الفنية للمباني، وتمنح المرجعية الرسمية لأي تدخل مستقبلي.
وأشار إلى أن هذه التعديلات سارية حتى نهاية العام الحالي، ومن المتوقع أن تُسهم في تسوية أوضاع نسبة كبيرة من الأبنية القديمة وغير المرخصة، لتصبح مشمولة بشهادات رسمية تضمن سلامتها.
وقال "بهذا، سيكون لدى الجهات الرسمية قاعدة بيانات موثقة عن الوضع الإنشائي للمباني، ما يمكنها من اتخاذ قرارات دقيقة مستقبلا، خصوصا فيما يتعلق بالصيانة أو الإخلاء أو إعادة التأهيل".
ضرورة فحص التربة لأي مشروع
من جانبه، قال نقيب الجيولوجيين خالد الشوابكة إن المؤشرات الأولية تشير إلى احتمال وجود خلل في طبيعة التربة التي أُقيمت عليها العمارة المنهارة في مدينة إربد بالإضافة إلى احتمال العبث بأساسات المبنى ما أدى إلى انهياره.
وأوضح الشوابكة أنه لا تتوفر لديه معلومات دقيقة حول ما إذا كانت الأرض قد خضعت مسبقا لفحوصات جيولوجية شاملة لتقييم قدرتها على التحمل قبل الشروع في البناء، مشيرا في الوقت ذاته إلى غياب التفاصيل المتعلقة بآلية الفحص الهندسي الذي خضع له المبنى.
وأكد أن هذه الجوانب الفنية تُعد بالغة الأهمية في ضمان السلامة الإنشائية، مشددا على ضرورة التحقق من معايير الفحص المسبق لكل من التربة والتصميم الهندسي للمباني، خصوصا في المناطق التي قد تكون عرضة لعوامل جيولوجية مؤثرة.