أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    10-Jun-2025

الأردن على موعدٍ لاستقبال الخبير الدولي لحل مشاكل البطالة والفقر* السفير الدكتور موفق العجلوني
عمون -
في بلدٍ لظروف خارجة عن ارادته، اضطر تدوير الأزمات أكثر من حلّها، والانتظار أكثر من صناعة الفعل، يتهيّأ الأردنيون اليوم لاستقبال "الخبير الدولي" معالي السيد جودو، الذي طالما انتظرناه كما ينتظر الغريق قارب النجاة. قادمٌ، كما يُقال، محمّلًا بالحلول السحرية لمشكلتي الفقر والبطالة، بعد أن تحوّل الانتظار إلى ركيزة وطنية رابعة تسبق حتى العمل والتعليم.
 
تمامًا كما في مسرحية صموئيل بيكيت "في انتظار غودو" (WAITING FOR GODOT) جلسنا جميعًا: شعبًا، شبابًا، طلابًا، خريجين، مسؤولين، على مقاعد خشبية هشّة، نراقب الأفق، نعدّ الحكومات كما يُعدّ الأطفال موجات البحر، ونسأل أنفسنا في كل صباح: هل سيأتي؟ هل سيتّصل أحد؟ هل هناك شواغر؟ هل يعرفني أحد في الأعلى؟
 
في المسرحية، لم يأتِ غودو أبدًا، لكنه بقي أملًا هشًّا يعيد إنتاجه البطلان فلاديمير وستراغون كل ليلة. وفي الأردن، بات "غودو" رمزًا لواسطة موعودة، أو قرار توظيف مرتقب، أو باب مغلق بوجه الكفاءة مفتوح أمام القرابة والمحسوبية.
 
ولأننا أمة اعتادت انتظار الحلول من الخارج، ها نحن نعلّق آمالنا مجددًا على خبير دولي – "جودو الأردني" – لعله يفكّ شيفرة معضلة البطالة التي لم تحلها خططٌ ولا استراتيجيات ولا مبادرات بقيت حبيسة التصريحات.
 
وفي هذا السياق، لا يسعني إلا أن أُطمئن شبابنا وشاباتنا، وآباؤهم وأمهاتهم، أن معالي السيد جودو قادمٌ بالفعل. وسيلتقي، حسب مصادر "مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية"، دولة رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، ومعالي رئيس الديوان الملكي السيد يوسف العيسوي، وعددًا من كبار المسؤولين الذين رحّبوا به بحرارة تفوق حرارة الشارع الذي ينتظر الفرج.
 
ولقد تواصلت شخصيًا مع كل ألقاب الدولة المحترمة: دولة السيد جودو، معالي السيد جودو، سعادة السيد جودو، عطوفة السيد جودو، سماحة السيد جودو، نيافة السيد جودو وابونا السيد جودو ، وحتى فضيلة السيد جودو. جميعهم وعدونا، وأكدوا أن الحل قادم، والقادم اجمل والقادم اطيب والقادم احلى كما غرد اصاب...!!!، وأن كل العاطلين سيحظون بوظائف تناسبهم، بل قد يُنشأ حزبٌ جديد باسم "الحزب الجودوي التقدمي Godot Advanced Party " .
 
لكن، دعونا نبتعد قليلًا عن المشهد الساخر، ونواجه الواقع: عندما يُقصى الأكفّاء، وتُغلق الأبواب في وجه الشباب، وعندما يتحوّل سوق العمل إلى ساحة مغلقة لا يدخلها إلا من يملك "كلمة سر"، فإن الوطن يفقد أحد أهم مقومات نهضته: العدالة.
 
أما الكفاءات؟ فقد أدركت أن احترام العقول يبدأ خارج الحدود. فهرب الطبيب، وهاجر المهندس، وغادر المبرمج، لا طمعًا في مال، بل فرارًا من إحساسٍ مؤلم: أنك لا تُقدَّر في وطنك.
 
وربما، في زاوية ما من هذا المشهد، تنتظر الحكومة نفسها "غودو". تُقنع نفسها أن الحل سيأتي من الخارج، أن هناك وصفةً سحرية تنتظر توقيع خبير، أن الأزمة مؤقتة، وأن الشعب... صبور، ولكن ... الحقيقة أن "غودو" لن يأتي.
 
الحل الحقيقي لا يحتاج خبيرًا بربطة عنق، او مسؤلاً بسيارة تحمل نمرة حمراء بل مسؤولًا بضمير، وقرارًا شجاعًا يعيد الاعتبار للكفاءة، ويُقصي الواسطة والمحسوبية، ويُعيد الثقة لشبابٍ لا يطلب المستحيل، بل مجرد فرصة.
 
إن كنّا نُراهن على انتظار غودو، فلن يأتِ. أما إن قررنا أن نكون "نحن" غودو هذا الوطن، فربما... عندها فقط... يبدأ الوطن بالخروج من دائرة الانتظار إلى ميدان الإنجاز.
 
ولكن يبدو أن السيد جودو، الذي طالما أُحسن استقباله من رؤساء الحكومات السابقين، لن يحظى هذه المرة بنفس الحفاوة. فالعلاقة بينه وبين دولة رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان ليست على ما يرام. تسودها فتور غير معلن، وتوتّر غير قابل للتمويه.
 
فخلافًا لما اعتدناه من جلسات ترحيب مطوّلة، ومجالس فيها تُروى له الشكاوى وتُمنح له الوعود، تسرّبت أنباء عن أن دولة الرئيس حسان قد لا يستقبله على الإطلاق.. وربما، ولأول مرة، لا يُفرش له السجاد الأحمر، بل يُطلب منه "المرور من الباب الجانبي".
 
الغريب، بل المدهش، أن السيد جودو – بعد طول تجاهلٍ للشعب – قرر أخيرًا أن يعيد تموضعه السياسي والأخلاقي: فبدأ يعقد اجتماعات سرّية وعلنية مع الشباب العاطلين عن العمل، في الجامعات، والمقاهي، والدواوين، والساحات وحتى على الأرصفة.
 
وبدون إذن أحد، أخذ يُوقّع قرارات تعيين، ويوجّه رسائل للقطاعين العام والخاص: "أين اختبأتم عن هذه العقول؟ أعيدوا الكفاءات إلى مقاعدها!"
 
بل إن الأخبار الأخيرة تتحدث عن مفاجأة مدوّية: السيد جودو نفسه مهدَّد بالاعتقال!
 
نعم، قد يصدر بحقه أمر توقيف من قبل دولة الرئيس الدكتور جعفر حسان، لا بسبب مؤامرة، بل لأنه – ومنذ سنين – يوعد ولا يوفي، يعد ولا يفعل، يَظهر ولا يأتي. تهمته؟ خيانة الأمل العام، و"التأثير على معنويات الشعب". هل ستُنفّذ المذكرة؟ هل يُزجّ بجودو في السجن؟ ربما، لكنها ستكون سابقة رمزية تحمل رسالة واحدة: أن وقت الانتظار انتهى. وأننا – أخيرًا – بدأنا نكتب سيناريو جديدًا... دون الحاجة لـ "غودو".