الغد
لن أتكلم عن الاكتظاظ الذي تشهده المُستشفيات والمراكز الصحية الحُكومية، ولن أتحدث عن «طول فترة» المواعيد في حال تقرر إجراء عملية جراحية لشخص ما أو كان بحاجة إلى صورة طبقية أو رنين مغناطيسي، والتي قد تصل مُدتها ما بين 12 و18 شهرا، ولن أتطرق أيضا إلى ما تُعانيه الكثير من الأماكن من قلة نظافة، أو لنقل أنها مُخيبة للآمال، فضلا عن العشوائية التي تشهدها، على أكثر من جهة.
لكن سأعرج إلى موضوع في غاية الأهمية، كُتب عنه الكثير، واحتمالية وضع استراتيجيات لمُعالجته أو تخفيف الأضرار الناتجة عنه، قد يكون وصل إلى درجة كبيرة جدًا.. هذا الموضوع يتمثل بقلة أو «شُح» عدد أطباء الاختصاص العاملين في وزارة الصحة.
بداية، أضع بين يدي القارئ بعض الأرقام المُتعلقة الرسمية بهذه الفئة، والتي أشر عليها الزميل عصام مبيضين في برنامجه «بصراحة» الذي يبث على قناة «عمان تي في»، إذ إن عددها لا يتجاوز 2662 طبيبا وطبيبة، من بينهم 2238 من كوادر وزارة الصحة، و424 مُعينون على نظام شراء الخدمات.. والقسم الأخير بحد ذاته مُشكلة، ناهيك عن القضية الأساس الأكثر تعقيدًا.
يوجد في الأردن 32 مُستشفى حُكومي، موزعة على مُعظم مناطق المملكة، الأمر الذي يعني ظاهرا أن حُصة كُل مُستشفى حوالي 83 طبيب اختصاص، وهذا بحد ذاته أمر يُصنف على أنه مُمتاز، ولكن عندما ننظر إلى هذا الرقم من زاوية أُخرى، تتعلق بعدد السكان، فذلك يعني أن كُل 2900 نسمة لديهم طبيب اختصاص واحد، هذا على حسبة عدد سكان المملكة ممن يحملون رقما وطنيا، والبالغ 7.7 مليون نسمة، وفي حال تم حسبة سكان الأردن ككُل، والبالغ 11.7 مليون نسمة، فذلك يعني أن كُل 4400 نسمة لديهم طبيب اختصاص واحد.
وهذا يعتبر ضربا من الجنون، إذ من الخيال أن يقدر طبيب واحد على تشخيص أو الكشف عن 2900 شخص، ذلك على اعتبار أن هؤلاء أطباء الاختصاص يعملون في جميع المُستشفيات.. أما الأخطر في تلك الأرقام فهو جُل هذه الفئة تعمل في مُستشفيات إقليم الوسط، بينما مُستشفيات إقليمي الشمال والجنوب، الذين يبلغ تعداد سكانهما نحو 3.5 مليون نسمة، هُناك طبيب اختصاص لكُل مُستشفى يأتي يوما واحدا في الأسبوع.
ثم أن هُناك 424 طبيب اختصاص مُعينون على نظام شراء الخدمات، يتقاضى كُل طبيب من هؤلاء رواتب شهرية تُقدر ما بين 5 و7 آلاف دينار شهريا، غير المصاريف الأُخرى، كما أن هذه الفئة لا يتم استغلالها على الشكل المطلوب أو المُناسب، أو بمعنى أدق آلية إدارتهم تشوبها الكثير من السلبيات، فهؤلاء يختارون مكان عملهم بأنفسهم، وحتما سيختارون العاصمة، كونها الأقرب إلى أماكن سُكناهم.
تخيل عزيزي القارئ، لو تم إنشاء برنامج خاص لهؤلاء الأطباء، وإجبارهم ضمن عقود رسمية على العمل في مُستشفيات إقليمي الشمال والجنوب، بالإضافة إلى عدد آخر من أطباء اختصاص وزارة الصحة، فمن المؤكد أن يتم حل مشاكل كثيرة في هذين الإقليمين، أو على الأقل حل ما بين 70 بالمائة و80 بالمائة من مشاكلهما بهذا الشأن.
قد يكون طبيب الاختصاص العامل في وزارة الصحة، لا يتقاضى الكثير من المال، كما هو موجود في القطاع الخاص أو الدول الأُخرى، وقد يُشير إلى أن بيئة العمل في القطاع العام ليست على المُستوى المأمول، لكن من حق الوطن على قاطنيه أن يكون لديهم انتماء، وأقلها الأخذ بعين الاعتبار بأن الجهة الحُكومية قد منحته فُرصة للتعليم المجاني أو الحصول على الاختصاص الذي يُحبه.