أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    23-Sep-2022

من الألف إلى الياء.. هكذا تبخّرت أموال المودعين العرب والأجانب بالمصارف اللبنانية

 الشرق-بيروت -تيما رضا

تقترب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعانيها لبنان من عامها الثالث، من دون تحقيق أي خرق على خط المصارف يعطي المودعين ولو بارقة أمل باستعادة ودائعهم.
 
وفي ظلّ غياب أي خطة مالية واضحة المعالم، لم يظهر حتّى اللحظة ما يبشّر بقرب ولادة حلول. علماً أن غياب أي مسار جديّ لوضع حلّ بين المصارف والمودعين، دفع ببعض هؤلاء إلى اقتحام المصارف لاسترجاع ودائعهم، في حين لجأ آخرون، وخصوصاً العرب والأجانب منهم إلى المحاكم في محاولة لتحصيل حقوقهم.
 
واللافت، أن لا أحد، سواء في لبنان أو الخارج، يتطرق بشكل موسع، إلى الحديث عن قضية المودعين العرب والأجانب في المصارف اللبنانية، والذين قدّرت مصادر مصرفية لبنانية لـ"الشرق"، عددهم بالمئات، لافتة إلى أن بينهم شخصيات سياسية ورجال أعمال ومتمولين، تتنوع جنسياتهم بين دول الخليج العربية، وإفريقيا والعراق وإقليم كردستان وسوريا وليبيا واليمن وغيرها من الدول. وكشفت المصادر أن مجموع قيمة ودائع هؤلاء تبلغ قرابة 24 مليار دولار أميركي في حال أضيفت إليها ودائع اللبنانيين المقيمين في الخارج.
 
ما الذي ورط هؤلاء لإيداع أموالهم في المصارف اللبنانية؟ هنا، تشير المصادر إلى أن "الدافع ينقسم إلى شقين، الأول تاريخي، ويتعلق بنظام السرية المصرفية المعتمد في لبنان، والثاني نسبة الفوائد المرتفعة التي كانت المصارف اللبنانية تدفعها للمودعين، والتي تعدت الـ15 في المئة في بعض الحالات". وتتابع: "يضاف إلى كل ذلك، السمعة الحسنة التي بنتها المصارف اللبنانية في الداخل والخارج، خصوصاً وأنها استطاعت أن تحافظ على خدماتها وقوتها حتى في أوج الحرب الأهلية التي عاشها لبنان على مدى 17 عاماً، وما شهده من خضات سياسية".
 
"لا مودعين أجانب"
"لا يوجد ما يُسمى بالمودع الأجنبي أو العربي في المصارف اللبنانية"، يقول الخبير الاقتصادي وليد بو سليمان لـ"الشرق"، موضحاً أنه "لا يتم تصنيف أو تقسيم المودعين في المصارف بحسب جنسياتهم، وإنما تُقسّم بين مودع مقيم ومودع غير مقيم، وهذا التصنيف يتعلق بالأوراق الرسمية التي يزود بها المودع مصرفه عند فتح حسابه".
 
ويشرح: "يمكن للبناني المغترب فتح حساب له بصفته غير مقيم، أو بصفته مقيماً، وهذا ما يجعل من شبه المستحيل الفرز بين المودعين الأجانب وبين اللبنانيين المقيمين في الخارج". ويضيف "أي كلام عن أموال وودائع لأجانب في لبنان، يشمل حتماً عدداً غير قليل من المودعين اللبنانيين المقيمين في الخارج والموزعين على الخارطة العالمية بين دول عربية وغربية". 
 
 
نسب وأرقام
التقسيم الوحيد في حسابات المودعين، قامت به لجنة الرقابة على المصارف، فقسّمت المودعين إلى فئتين، الفئة (أ)، وتشمل ما يُسمى "صغار المودعين"، والفئة (ب)، وهي لما يُسمّى "كبار  المودعين". في الفترة الممتدة بين نهاية 2019 ونهاية 2021 سجّل القطاع المصرفي اللبناني انخفاضاً في قيمة الودائع بنحو 52 مليار دولار.
 
وتضيف المصادر أن "الأرقام المتداولة مصدرها لجنة الرقابة على المصارف لعام 2021"، مؤكدة "أن هذه الأرقام الأخيرة هي ما استطعنا الوصول إليه أو الاطلاع عليه". وفي تفاصيلها فإن نحو 20 حساباً في لبنان ضمن شريحة الـ 150 مليون دولار وما فوق، يملكون نحو 5.2 مليارات دولار من الودائع، وأن 0.03% من الحسابات التي فيها أكثر من 10 ملايين دولار فيها 27 مليار دولار أو ما يوازي 22% من مجموع الودائع بالليرة والدولار.
 
وفي المجمل فإن الفئة (ب) من المودعين الذين يملكون أكثر من 200 ألف دولار (وما فوق 150 مليون دولار في الحساب الواحد) ونسبتهم من عدد الحسابات تبلغ 4.83%، يستحوذون على 71% من الودائع، في مقابل 95.1% من الحسابات المصرفية التي لا يزيد فيها الحساب الواحد على 200 ألف دولار، تستحوذ على 29% من مجموع الودائع البالغ 125.1 مليار دولار. وسجّلت الفئة (أ)، انخفاضاً بقيمة 4.6 مليارات دولار،  مقابل انخفاض في الفئة (ب)، بقيمة 22 مليار دولار. إذ أتيح للكبار أو لبعض منهم، تهريب ودائعهم إلى جانب تهريب ودائع المساهمين  وأصحاب المصارف، بحسب ما تؤكد مصادر رابطة المودعين.
 
السرية المصرفية
الدكتور محمد فحيلي خبير المخاطر المصرفية يقول في حديث لـ"الشرق" "إنه رغم عدم وجود تصنيفات بحسب الجنسيات، إلا أن المصارف اللبنانية في العام 2015 اضطرت إلى فرز حاملي الجنسية الأميركية، للتصريح عن حساباتهم للخزينة الأميركية بعد إقرار قانون التهرب الضريبي (FATCA)، وخصوصاً الحسابات ما فوق الـ 50 ألف دولار".
 
وفي شهر مايو 2017 وقع لبنان اتفاقية "معيار الإبلاغ المشترك" (Common Reporting Standard) الصادرة عن "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" (OECD) لتبادل المعلومات ومحاربة التهرب الضريبي، وكان لبنان البلد 111 في التوقيع على هذه الاتفاقية.
 
وبحسب فحيلي "بعد توقيع الاتفاقية، بات هناك تصنيف للجنسيات في داخل المصارف، فقط للدول الأعضاء في الاتفاقية، إلا أن هذه المعلومات تخضع للسرية المصرفية ومن غير الممكن الوصول إليها، وهي معلومات ليست للتداول". 
 
السرية المصرفية المعمول بها في النظام المصرفي اللبناني، لطالما اعتُبرت من مميزات هذا النظام، وقد ساهمت إلى حد بعيد في استقطاب أموال مودعين غير مقيمين مهتمين بالتهرب الضريبي، ويقول فحيلي أن "هناك مودعين اثنين على الأقل، أحدهما في الولايات المتحدة وآخر في بريطانيا، سلموا أنفسهم للخزينة في بلادهم واعترفوا بالتهرب الضريبي، وقاموا بتسوية معينة واسترجعوا أموالهم عبر البنوك المراسلة". 
 
قرابة 24 مليار دولار
نجحت المصارف في اقتطاع نسبة كبيرة جداً من الودائع، بعد إقناع المودعين بأن قسماً كبيراً منها تبخر، بدليل أن الاحتياطات والموجودات لدى هذه المصارف تضاءلت كثيراً وكذلك احتياطات مصرف لبنان، فيما الودائع سلفتها المصارف لمصرف لبنان الذي بدوره سلفها للدولة اللبنانية، أو سلفتها المصارف مباشرة للدولة من خلال الاكتتاب بسندات الخزينة، وبالتالي الدولة عاجزة عن الرد عجزاً مرحلياً، كذلك مصرف لبنان والمصارف. 
 
صحيح أن لا تقسيم بين مودع أجنبي وعربي أو لبناني، وأنه لا يتم تقسيمها بحسب الجنسيات، ولا معلومات عن كيفية توزيع ودائع المصارف في لبنان، ولا أرقام دقيقة حول توزيعها بحسب البلدان القادمة منها، إلا أن الخبير الاقتصادي والمصرفي نسيب غبريل يقول "ودائع غير المقيمين، الموجودة في المصارف اللبنانية بلغت 23.7 مليار دولار، حتى نهاية يوليو 2022، بما نسبته 18.5% من قيمة مجمل الودائع في المصارف". ويضيف "قبيل الأزمة الاقتصادية، قيمة ودائع غير المقيمين كانت تشكل 21% من مجمل الودائع المصرفية".  
 
 جمعية المصارف تتبع "سياسة التضامن في ما بينها، وتعتمد سياسة موحدة في التعامل مع المودعين بصرف النظر إن كانوا مقيمين أو غير مقيمين"، بحسب ما يقول الأمين العام لجمعية المصارف الدكتور فادي خلف ويضيف في تصريح لـ "الشرق" أن "لا أحد ينكر على المودعين حقوقهم، ولكن يجب مراعاة حقيقة أن الظروف التي نمر بها هي أزمة حقيقية". 
 
ورداً على سؤال حول مَن يملك مفتاح الحل؟ يقول خلف "لا حل سحرياً، ويجب الاقتناع بضرورة الانتظار ريثما تتبلور الأمور والحلول الاقتصادية المجدية"، رافضاً الانجرار "إلى الشعبوية بالتعامل مع موضوع الودائع".
 
وعما إذا هناك أي خطوات يمكن اللجوء إليها لطمأنة المودعين، يرى خلف "أن الاولوية هي لضمان أمن وسلامة المصارف لتتمكن من الاستمرار بعملها واستنباط الحلول (في إشارة لتعرض المصارف لعمليات اقتحام على أيدي مودعين ما دفع بالجمعية لاعلان الاضراب العام لثلاثة أيام)". 
 
 
المحاكم اللبنانية أم الدولية؟
تفرض المصارف اللبنانية منذ خريف 2019 قيوداً مشددة على سحب الودائع المصرفية لا سيما تلك المودعة بالدولار الأميركي، في ظل تراجع قيمة الليرة أكثر من 90% أمام الدولار، وقد صنّف البنك الدولي أزمة لبنان الاقتصادية من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850.
 
وفي وقت لجأ بعض المودعين في الخارج لمقاضاة المصارف اللبنانية أمام محاكم أميركية وبريطانية، إلا أن هذه القضايا "تبقى فردية ويتم البت بكل منها بشكل فردي، ولا يمكن تعميم نتائجها"، بحسب فحيلي الذي يؤكد أن "هناك بعض القضايا خسرت أمام المحاكم الدولية، ومن غير الدقيق أن كل قضية تُرفع أمام القضاء الخارجي، هي قضية رابحة، فإن الدعاوى الخارجية مرتبطة إلى حدٍ بعيد بالبنوك المراسلة، ورأي الأخيرة بالقضية". 
 
وتتزايد رغبات المستثمرين ورجال الأعمال، في اللجوء إلى المحاكم الدولية، لمقاضاة المصارف اللبنانية، اعتراضاً على القيود غير القانونية، التي تفرضها على عمليات السحب والتحويل، سجّلت رابطة المودعين في لبنان تقديم أكثر من 400 دعوى قضائية نيابة عن مودعين بعناوين متعدّدة، منها إعادة فتح حساب، وتسديد قروض على السعر الرسمي للصرف  (1500 للدولار)، وتحويل إلى الخارج، واسترداد ودائع. لكن يُلاحظ أن الدعاوى التي ربحتها لم تكن تلك المتعلّقة باسترداد الودائع التي بقي معظمها بلا أحكام ولم تصل إلى أي نهايات، علماً بأن بعضها قُدّم أمام قضاء العجلة. 
 
ويرى المحامي لؤي غندور  في حديث لـ"الشرق" "أن التخصص الحصري في النزاع بين البنوك المحلية وعملائها، يعود للمحاكم والقوانين اللبنانية، ويرجع ذلك للعقود المصرفية، بدءًا من عقد التعامل العام الذي يوقعه العميل مع المصرف، والعقد الخاص بنوع معين من الودائع سواء كانت ادخارية أو غيره".
 
ويؤكد أن "المودعين عادة يحاولون ربط تخصص المحاكم وخصوصاً الأميركية بأزماتهم، سعيًا منهم للضغط على المصارف المحلية، لا سيما أن الأخيرة تملك حسابات مصرفية في الخارج تعرف باسم البنوك المراسلة، لذا يسعى العملاء للحجز على هذه الحسابات، ولكنه يبقى أمراً صعباً ومعقداً".
 
ويوضح "المشكلة الأساسية أن القضاء اللبناني تخلى عن مسؤولياته تجاه المودعين، المقيمين منهم وغير المقيمين، لمجرد أنه حتى الساعة لم نرَ صاحب مصرف واحد وراء القضبان، ولم يصدر مذكرة توقيف واحدة بحق أي منهم، ولا حتى بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المطلوب دولياً في تهم تبييض وتهريب أموال".  
 
عالقة أم تبخرت؟
وعن إمكانية القول بأن أموال المودعين تبخرت، يشرح فحيلي "حتى اليوم لم ينكر أي مصرف حقوق مودعيه، المصارف قالت هناك مشكلة سيولة، ولم تنكر حقوق المودعين". ويقول "برأيي يجب ألاّ تُسدّد الودائع، وإنما يجب تطمين المودع على وديعته، وأن يكون بإمكان هذا المودع الوصول إلى حقه بأي وقت يريد لتسيير أموره اليومية والتجارية" ويشرح "الودائع وُجدت ليتم تشغيلها في المصارف، والوديعة ليست مالاً نقدياً موجوداً فعلياً في صندوق أو خزينة المصرف، بل هي التزام قانوني".
 
لا مفر من إعادة هيكلة القطاع المصرفي في لبنان، ما يفتح الباب أمام مصارف عالمية كبرى للتدخل في السوق المصرفية، ويرى فحيلي "عندئذ سنشهد هجرة أموال من المصارف اللبنانية، إلى هذه المصارف الكبرى، وهنا ستخسر المصارف الأموال الطازجة أو ما يُعرف بالـ Fresh Money وتبقي على أموال المودعين العالقة". الحل الوحيد الذي يراه فحيلي "العمل على استعادة ثقة المودع بأسرع وقت ممكن". 
 
ورداً على سؤال حول إذا ما كان سيتم التعامل مع حقوق المودعين المقيمين وغير المقيمين بالتساوي، يجيب فحيلي "في التفاوض مع صندوق النقد الدولي، يحق للدول المنكوبة اقتراح تصنيف معيّن للمودعين، أي يحق للدولة أن تقترح حلاً لأزمتها يفرّق بين المودع المقيم وغير المقيم". 
 
ويشرح "من الأسباب الموجبة في التفرقة بين نوعَيْ المودعين، هو أن ظروف المودع غير المقيم تسمح بأن ينتظر تحصيل أمواله، لفترة أطول من المودع المقيم"، موضحاً "قانونياً لا يحق التفرقة بينهما، إلاّ إذا كانوا يخضعون لأي بند من بنود اتفاقيات مكافحة التهرب الضريبي، غير ذلك يحق لأي مودع الحصول على وديعته، بصرف النظر عن تصنيفه".