أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    05-Jul-2018

الاستغناء عن النقود* ستيفان إنجفيس
الاقتصادية - 
تتخذ السويد خطوات سريعة نحو التحول إلى بلد بلا نقود، فقد تراجع الطلب على النقد بما يزيد على 50 في المائة خلال العقد الماضي، في ظل اعتماد عدد متزايد من الناس على بطاقات الخصم أو تطبيق الهاتف المحمول Swish، الذي يتيح إجراء عمليات دفع فورية بين الأفراد. ولم يعد ما يزيد على نصف جميع فروع المصارف يتعامل بالنقد. ويشير سبعة من كل عشرة مستهلكين إلى أن بإمكانهم تسيير أمورهم دون النقود، في حين يتوقع نصف عدد التجار التوقف عن قبول النقود بحلول عام 2025. ووفقا لدراسة حول عادات الدفع في السويد، فإن النقود تمثل في الوقت الحالي 13 في المائة فقط من عمليات الدفع في المحال التجارية.
وتستخدم الحلول الرقمية لتنفيذ المدفوعات الكبيرة بين المصارف منذ فترة، لكن الجديد أن هذه الحلول أصبحت متاحة الآن للأفراد الذين ينفذون عمليات دفع منخفضة القيمة. وبلدي ليس الوحيد في هذا الشأن، ففي عدد من البلدان الآسيوية والإفريقية - مثل الهند وباكستان وكينيا وتنزانيا - يعد إجراء عمليات الدفع باستخدام الهاتف المحمول بدلا من البطاقات أو النقود، أمرا معتادا. ونظرا لأن دور البنك المركزي يتمثل في إدارة المعروض النقدي، فقد تكون لهذه التطورات تبعات كثيرة ومختلفة. فهل ستكون هناك حاجة إلى البنوك المركزية في سوق المدفوعات الرقمية الحديثة بوصفها جهة إصدار لوسائل الدفع؟ وهل العملات الورقية والمعدنية هي وسيلة الدفع الوحيدة التي ينبغي أن يوفرها البنك المركزي لتنفيذ مدفوعات التجزئة؟ وهل هناك مخاطر لتركزات مستقبلية في البنية التحتية لسوق المدفوعات ينبغي مراقبتها من جانب البنك المركزي؟
في السويد، تتركز عمليات المقاصة والتحويل بين الحسابات في نظام واحد يسمى Bankgirot. وبمجرد إنشاء وتشغيل البنية التحتية لسوق المدفوعات، تنخفض التكلفة الحدية لعمليات الدفع، وتنشأ عوامل خارجية إيجابية.
وماذا تعني "العوامل الخارجية الإيجابية"؟ الهاتف الأرضي أحد الأمثلة النموذجية على ذلك. فامتلاك أول هاتف أرضي ليس مفيدا للغاية؛ لأنه لا يوجد من تتحدث إليه، ولكن كلما زاد عدد المشتركين في شبكة الهاتف الأرضي في نهاية المطاف، يصبح الهاتف أكثر فائدة.
والأمر ذاته ينطبق على سوق المدفوعات، ففائدة الربط بنظام المدفوعات تزداد كلما زاد عدد المشتركين. علاوة على ذلك، يمكن النظر إلى المدفوعات باعتبارها مرافق مشتركة.
وبوضع ذلك في الاعتبار، أعتقد أن الدولة لها دور في سوق المدفوعات، ألا وهو تنظيم أو توفير البنية التحتية اللازمة لضمان سلاسة سير العمل والفعالية.
ويمكن أن يتوقع المواطنون أن تتمتع سوق المدفوعات بمتطلبات أساسية بسيطة.
أولا، ينبغي أن تكون الخدمات المقدمة متاحة على نطاق واسع.
ثانيا، ينبغي أن تكون البنية التحتية سليمة وآمنة. فالبائعون والمشترون ينبغي أن يكونوا مقتنعين أن أوامر الدفع سيتم تنفيذها بالفعل، وهو شرط ضروري لترغيب الناس في استخدام النظام.
ثالثا، ينبغي أن تتسم سوق المدفوعات بالكفاءة: فالمدفوعات ينبغي تسويتها على وجه السرعة بأقل تكلفة ممكنة، كما ينبغي أن يبدو النظام بسيطا وسهل الاستخدام.
فهل نحن نفي بهذه المتطلبات؟ يزداد شعوري بعدم اليقين مما إذا كان بمقدورنا الإجابة بـ"نعم" قاطعة عن هذا السؤال. وإذا كانت النقود الورقية والمعدنية قد ولى زمنها، فإن الجمهور العام، في المستقبل القريب، لن تتاح له ثانية أي وسائل دفع مضمونة من جانب الدولة، ما سيجعل القطاع الخاص يسيطر بدرجة أكبر على إمكانية الوصول إلى وسائل الدفع المتاحة، وعلى التطورات التكنولوجية الخاصة بها، وعلى أسعارها. ومن الصعب أن نحدد في الوقت الحالي التبعات التي قد تنشأ عن ذلك، لكنه ربما سيحد بدرجة أكبر من إمكانية الوصول إلى الخدمات المالية بالنسبة لمجموعات داخل المجتمع تفتقر حاليا لأي وسائل دفع بخلاف النقود.
وإذا توقفت الدولة عن المشاركة، فمن المرجح أن يقلل ذلك من المنافسة والوفرة في البنية التحتية لعمليات الدفع. واليوم، تحتل النقود مكانتها الطبيعية بوصفها العملة القانونية الوحيدة. ولكن، ماذا سيعني مصطلح العملة القانونية في مجتمع بلا نقود؟
ومن هذا المنطلق، قد يسأل سائل ما إذا كان ينبغي أن تبدأ البنوك المركزية في إصدار عملات رقمية للجمهور. وهذه مسألة معقدة ومن المرجح أن تدخل البنوك المركزية في صراع معها خلال السنوات المقبلة. وأنا أنظر إلى هذه المسألة باعتبارها مسألة عملية لا مسألة افتراضية.
فأنا مقتنع أن المدفوعات الرقمية ستكون وسيلة الدفع الوحيدة في السويد وفي أجزاء كثيرة من العالم في غضون عشر سنوات. حتى في الوقت الحالي، نجد أن الشباب، على الأقل في السويد، من الناحية العملية لا يستخدمون النقود مطلقا. وهذا البعد الديموغرافي هو السبب أيضا وراء اقتناعي بأن تراجع استخدام النقود لا يمكن إيقافه أو معالجته. ورغم أن بلدان الشمال الأوروبي تأتي في الصدارة، فإننا لسنا الوحيدين. فمن المثير للاهتمام مراقبة مدى السرعة التي تتغير بها سوق المدفوعات الصينية، على سبيل المثال.
ويأتي هنا أيضا ظهور النقود الإلكترونية. وأنا لا أعد تلك التي يطلق عليها عملات من قبيل النقود؛ ذلك لأنها لا تتحقق فيها الوظائف الثلاث الأساسية للنقود، وهي كونها وسيلة دفع ووحدة حساب ومخزنا للقيمة. وهذا الرأي يشاركني فيه معظم زملائي. وتكمن المساهمة الرئيسة للنقود الإلكترونية في أنها كشفت لنا أن البنية التحتية المالية يمكن تشكيلها بطريقة جديدة باستخدام تكنولوجيا سلسلة مجموعات البيانات، والعقود الذكية، والحلول الإلكترونية. وعلى الرغم من أن التكنولوجيا الجديدة مثيرة للاهتمام، وربما يكون من شأنها إيجاد قيمة مضافة على المدى الطويل، فمن المهم أن توضح البنوك المركزية أن العملات الإلكترونية ليست بشكل عام عملات فعلية، لكنها أصول واستثمارات عالية المخاطر. ولا يسعنا سوى توقع خدمات الدفع الجديدة التي يمكن استحداثها مستقبلا. ولكن، هناك عدة تحديات ماثلة أمامنا، فإحدى القضايا الرئيسة التي نواجهها تتمثل فيما إذا كان بمقدور البنوك المركزية التوقف عن توفير وسيلة دفع مضمونة من جانب الدولة للجمهور العام. وثمة قضية أخرى تتمثل فيما إذا كان ينبغي نقل البنية التحتية لمدفوعات التجزئة إلى سوق تابعة كليا للقطاع الخاص. إن الدولة لا يمكن لها الانسحاب تماما من الاضطلاع بمسؤوليتها الاجتماعية في هذه المجالات. غير أن ما سيصبح عليه دورها الجديد يظل في انتظار أن تفصح عنه الأيام.