أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    19-Jun-2025

موازنة 2026.. مرونة لمواجهة العواصف الإقليمية

 الغد-عبدالرحمن الخوالدة

 في ظل تسارع التحولات الإقليمية وتصاعد منسوب التوتر العسكري في الشرق الأوسط، تبرز دعوات محلية لإعادة النظر جذريا في منهجية إعداد الموازنة العامة للسنة القادمة للخروج من الإطار التقليدي "الجامد" نحو تبني نموذج "موازنة طوارئ" أكثر مرونة واستجابة للمتغيرات.
 
 
ويرى خبراء اقتصاديون أن تنامي المخاطر الجيوسياسية
 وتباطؤ الاقتصاد العالمي، يفرضان على الحكومة تطوير أدواتها المالية والتخطيطية، بما يضمن استمرارية الاستقرار الاقتصادي وحماية الفئات الأكثر هشاشة، وسط بيئة إقليمية مضطربة وأسواق عالمية غير مستقرة.
وأكد الخبراء الذين تحدثوا لـ"الغد" أن الظروف غير المسبوقة التي تحيط بالاقتصاد الوطني، تفرض على الحكومة مغادرة مربع النمطية في إعداد الموازنة، والانتقال إلى نموذج أكثر ديناميكية يرتكز على سيناريوهات متعددة، ومراجعات دورية تضمن التكيف السريع مع المستجدات.
ودعا الخبراء إلى أهمية التركيز على إعادة ترتيب الأولويات المالية، وضبط الإنفاق إلى جانب الاستثمار في القطاعات المنتجة وتحفيز القطاع الخاص.
كما نبهوا إلى أن مؤشرات الاقتصاد المحلي بدأت تعكس تداعيات التصعيد الإقليمي، سواء من خلال تراجع السياحة وارتفاع كلفة الطاقة، أو عبر الضغوط التضخمية التي تستنزف القدرة الشرائية، وهو ما يتطلب استعدادا ماليا استثنائيا وتوجها إستراتيجيا شاملا.
وكان رئيس الوزراء جعفر حسان أصدر مؤخرا، التعميم الأولي لإعداد مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2026 وتحديد سقوف أولية لكل وزارة ودائرة ووحدة حكومية والسقوف النهائية للمحافظات.
وجاء إصدار التعميم  بالتزامن مع إعداد مشروع نظام تشكيلات الوزارات والدوائر والوحدات الحكومية للسنة المالية 2026.
وبموجب هذا التعميم، على جميع الوزارات والدوائر والوحدات الحكومية إعداد موازناتها للأعوام 2026-2028 بشكل تفصيلي وتزويد دائرة الموازنة العامة بها في موعد أقصاه منتصف شهر تموز(يوليو) المقبل مع تضمين مشاريع موازنتها المشاريع الرأسمالية للمحافظات التي جرى اعتمادها من قبل مجالس المحافظات.
 
المرحلة تستدعي تصميم موازنة عامة متحررة من الأطر التقليدية
 
الخبير الاقتصادي زيان زوانة، دعا الحكومة إلى إعادة التفكير جذريا في آلية إعداد الموازنة العامة للعام المقبل، عبر التريث في تبني الأطر التقليدية والانتقال نحو تصور بديل يقوم على "موازنة طوارئ" قادرة على الاستجابة لتقلبات الإقليم وتحديات الاقتصاد العالمي.
وقال زوانة، في تصريحات لـ"الغد"، إن المشهد الإقليمي لم يعد يحتمل الخطط الجامدة، بل يتطلب درجة عالية من المرونة المالية والاستعداد التشغيلي، تحسبا لاحتمالات الانزلاق إلى مواجهة إقليمية أوسع نتيجة التصعيد الإيراني الإسرائيلي، وما قد يترتب عليه من أزمات اقتصادية وأمنية متداخلة.
وأضاف، "إن كافة الخطط الوطنية، بما فيها برنامج تحديث القطاع العام والرؤية الاقتصادية، يجب أن تخضع لمراجعة دورية صارمة كل ربع عام، تماشيا مع تسارع الأحداث وتغير المعطيات. لا يكفي أن نحدث الأدوات؛ علينا أن نحدث طريقة التفكير ذاتها".
وشدد زوانة على أن موازنة الطوارئ لا تعني التهويل، بل تعني أن الدولة تملك أدوات الاستجابة وتقرأ المتغيرات بواقعية. التخطيط للاحتمالات السيئة جزء من الإدارة الرشيدة، مؤكدا "الحاجة إلى موازنة تدار بعقلية إستراتيجية لا محاسبية".
وأوضح زوانة أن الاقتصاد الوطني بات يظهر إشارات إنذار واضحة، سواء في تراجع مؤشرات النمو والسياحة، أو في اضطراب تزويد الطاقة عقب توقف ضخ الغاز، ما أدى إلى موجات تضخمية داخلية، وارتفاع كلف الإنتاج وأسعار السلع الأساسية، مما يعمق الفجوة المعيشية ويضغط على الفئات الضعيفة.
ولفت إلى أن الأزمة العالمية الراهنة، التي تتغذى إلى جانب الصراع في الشرق الأوسط على السياسات الحمائية لإدارة الرئيس الأميركي ترامب والتي في قلبها أزمة الرسوم الجمركية، من الممكن تقود إلى حالة من الركود التضخمي في عدد من الأسواق الكبرى، وهي موجة لن يكون الأردن بمنأى عنها، لا سيما في ظل ارتباطه بأسواق التصدير والتحويلات والاستثمارات الأجنبية.
دعوات لاعتماد سيناريوهات متعددة
بدوره، شدد الخبير الاقتصادي وجدي مخامرة على أن  الظروف الحالية في المنطقة من تحديات سياسية وعسكرية واقتصادية، تعد مبررا قويا لإعادة النظر في منهجية إعداد الموازنة العامة الأردنية. 
وإعتبر أن المخاطر الجيوساسية غير المسبوقة وما تحمله من تبعات على الاقتصاد الأردني، لا تحتمل الموازنات التقليدية القائمة على افتراضات ثابتة، حيث إن التقلبات السريعة هي السمة السائدة على الأوضاع السياسية والاقتصادية إقليميا وعالميا، لافتا إلى وجود حاجة ملحة بالفعل لاستحداث حسابات ومنهجيات جديدة في إعداد الموازنة العامة لسنة القادمة لمواكبة تعقيدات المرحلة. 
الكفاءة والشفافية وتوسيع القاعدة الضربية 
وبين المخامرة أن المرحلة الراهنة تستوجب أن تتحلى الحكومة بالجرأة في تبني موازنة أكثر مرونة وشفافية، تعيد ترتيب الأولويات نحو الاستثمار في المستقبل وتعزيز الكفاءة، مع الحفاظ على شبكة أمان اجتماعي فعالة للفئات الأكثر ضعفا، وذلك لضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في الأردن على المدى المتوسط والطويل. 
ويرى المخامرة أن المأمول من الحكومة الأردنية على وقع التصعيد السياسي والعسكري في المنطقة المستمر منذ أكثر من 18 شهرا، بأن تركز ملامح موازنة العام القادم على ما يلي: تبني موازنة مرنة ومستجيبة للأزمات من خلال استخدام سيناريوهات متعددة (تفاؤلية، واقعية، تشاؤمية) تأخذ في الاعتبار المخاطر الإقليمية والعالمية، إضافة إلى تخصيص احتياطي طوارئ قابل للصرف بسرعة وفعالية عند الحاجة، إلى جانب وضع آليات مراجعة وتعديل ربع سنوية أو نصف سنوية للموازنة بناءً على المستجدات.
ويضاف إلى ذلك أهمية تعزيز الشفافية والحوكمة، وذلك من خلال نشر تفاصيل الموازنة والإنفاق الفعلي بطريقة يسهل الوصول إليها وفهمها للمواطنين والخبراء، إضافة إلى تعزيز دور الرقابة المالية (ديوان المحاسبة، مجلس النواب) في متابعة تنفيذ الموازنة ومحاسبة المقصرين، إلى جانب مكافحة الفساد والهدر في الإنفاق الحكومي بصرامة.
وطالب بوجوب التركيز على إعادة ترتيب الأولويات والتركيز على الكفاءة، ذلك من خلال إعادة هيكلة الدعم الذي يستهدف الفئات الأكثر احتياجا بشكل أكثر دقة، والتدرج في إصلاح دعم الطاقة مع تعويض الفقراء، إلى جانب مراجعة الإنفاق الجاري من خلال تحسين كفاءة الإنفاق على المشتريات الحكومية والرواتب (مع التركيز على الأداء والكفاءة)، فضلا عن الاستثمار في القطاعات المنتجة، بتوجيه استثمارات أكبر نحو التعليم المهني والتقني، والطاقة المتجددة، والبنية التحتية اللوجستية، والقطاعات التصديرية لتحفيز النمو وتوفير فرص عمل.
أما فيما يتعلق بمحور الإيرادات، دعا المخامرة إلى أهمية توسيع القاعدة الضريبية، ومحاربة التهرب الضريبي، وإدخال قطاعات غير رسمية إلى الاقتصاد الرسمي، إلى جانب صلاح النظام الضريبي ومراعاة الأثر الاجتماعي لأي زيادات، علاوة على تحسين تحصيل الإيرادات من خلال الاستفادة من التكنولوجيا لتحصيل الإيرادات المستحقة بكفاءة.
وحول محور إدارة الدين العام، أوضح المخامرة، من الضروري أن يركز تصميم الموازنة على وضع خطة متوسطة المدى واضحة وواقعية لاحتواء نمو الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى تنويع مصادر وأدوات التمويل (سياسة دين نشطة) لتحقيق أقل تكلفة وأطول آجال استحقاق ممكنة، واخيرا أبراز الشفافية الكاملة حول شروط وأغراض القروض.
أضرار قطاع الطاقة تستدعي خططا بديلة ماليا واقتصاديا 
من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي موسى الساكت أن المشكلات الاقتصادية التي يعايشها الاقتصاد الوطني منذ سنوات عدة، هي نتيجة لخلل إدارة المالية العامة من الحكومات المتعاقبة والتي تأثرت بدورها بسلسلة الأزمات والأحداث التي تعصف بالمنطقة منذ عقود. 
وبناء على ما سبق يرى الساكت أن التحديات الراهنة والصراع الدائر في الاقليم يستوجب من الحكومة، التحرر من التقليدية في تصميم الموازنة العامة، بحيث تأخذ بعين الاعتبار الانعكاسات السلبية التي سيخلفها الصراع في الإقليم على الاقتصاد الوطني وأنشطته. 
وشدد الساكت على ضرورة أن يتسم تصميم الموازنة العامة للسنة القادمة بالمرونة، والقدرة على الاستجابة الفورية للمتغييرات الطارئة دون المساس ببنود أخرى داخل الموازنة، بما يضمن تحقيق الموازنة لغاياتها التنموية. 
ولفت الساكت إلى أن الأضرار الآنية التي لحقت ببعض القطاعات الاقتصادية المحلية نتيجة التصعيد العسكري بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، لا سيما قطاع الطاقة المثقل أصلا بالتحديات والاعباء، يجب أن يتم البناء عليه كتجربة في وضع خطط بديلة لإدارة هذه القطاعات في حال الأزمات ليس فنيا فقط بل ماليا واقتصاديا. 
وأشار الساكت إلى أهمية توسيع المشاركة في عملية تصميم الموازنة العامة سواء من داخل المؤسسات الحكومية وبيوت الخبرة الخاصة بكل منها أو من القطاع الخاص والمختصين. 
وأوضح الساكت أن بناء الموازنات العامة خلال السنوات الأخيرة رغم تقليديته إلا أنه اتسم بالشفافية، وفي ذلك أهمية كبيرة في تعزيز مستويات الثقة الشعبية بالحكومة وكذلك ثقة المستثمرين المحليين والخارجيين بالاقتصاد الوطني. 
تراجع السياحة والستهلاك المحلي وانخفاض النمو تحتم موازنة استثنائية 
إلى ذلك، اتفق الخبير الاقتصادي مفلح عقل مع سابقيه، على أن الأجواء المحيطة بالاقتصاد الوطني منذ فترة طويلة بما فيها العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة منذ أشهر طويلة، وأخيرا وصول شرار هذا العدوان إلى التصعيد بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وإيران، تتطلب مقاربة جدية في إرساء افتراضات الموازنة العامة للعام القادم. 
ولفت عقل إلى أن هناك ضغوطا ملموسة على مؤشرات الاقتصاد الأردني ناجمة عن التصعيد الإسرائيلي في المنطقة، حيث انخفض النشاط السياحي الأجنبي بشكل واضح، إضافة إلى ارتفاع الكلف على قطاع الطاقة، علاوة على انخفاض حجم الاستهلاك المحلي، إذ إن هذه المؤشرات الإستراتيجية تعد ركنا أساسيا في معادلة النمو الاقتصادي، لذا تستوجب أخذ الاعتبار عند بناء الموازنة العامة للعام القادم. 
وأشار عوض إلى أن المدة الزمنية للصراع القائم حاليا، في حال ما طالت، تستدعي وضع موازنة طوارئ، تضمن تجنيب الاقتصاد الأردني أي سيناريوهات غير محمودة.