خفض سعر الفائدة: خطوة محسوبة بين الاستقرار والتحفيز*د. رعد محمود التل
الراي
يشكل قرار البنك المركزي الأردني بتخفيض أسعار الفائدة ربع نقطة مئوية (25 نقطة أساس) محطة جديدة في مسار السياسة النقدية للعام الحالي. فقد أعلنت لجنة عمليات السوق المفتوحة، في اجتماعها السادس لهذا العام، خفض “سعر الفائدة الرئيسي” للبنك المركزي وبقية أسعار فائدة أدوات السياسة النقدية. هذه الخطوة لم تكن معزولة، بل جاءت في ضوء تقييم شامل للمستجدات الاقتصادية والنقدية والمالية، إضافة إلى متابعة دقيقة لاتجاهات أسعار الفائدة على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
الأرقام الرسمية تكشف أن معدل التضخم في الأردن بلغ 1.86 بالمئة خلال الشهور الثمانية الأولى من العام 2025، مع توقعات باستقراره حول 2.2 بالمئة لكامل العام. هذا المستوى المنخفض نسبيًا للتضخم يوفر للبنك المركزي هامشًا مريحًا للتحرك نحو سياسة نقدية أكثر تيسيرًا من دون المخاطرة بارتفاعات مقلقة في الأسعار. كما يستند القرار إلى قاعدة صلبة من الاستقرار النقدي، إذ بلغت الاحتياطيات الأجنبية 22.8 مليار دولار في نهاية آب الماضي، بما يغطي مستوردات المملكة من السلع والخدمات لمدة 8.7 شهر، وهي نسبة تفوق بكثير المعدلات المعيارية العالمية.
قرار "المركزي" جاء متزامنًا مع مبادرة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى خفض الفائدة بربع نقطة مئوية أيضًا، وهو أول خفض منذ ديسمبر الماضي. هذا التتابع الزمني مهم، إذ يوضح أن البنك المركزي لم يكن مضطرًا للمجازفة بتقليص الفائدة في وقت يحافظ فيه الفيدرالي على مستويات مرتفعة، وهو ما كان سيعرض الدينار لضغوط محتملة ويهدد بخروج رؤوس الأموال. انسجام القرارين عزز الثقة بالمسار النقدي، وربط الأردن بالاتجاه العالمي نحو سياسة نقدية أكثر مرونة.
لكن كيف سينعكس القرار على الاقتصاد المحلي؟ أولًا، سيؤدي خفض الفائدة إلى تقليل تكلفة الاقتراض على الأفراد والشركات. القروض السكنية والاستهلاكية ستصبح نسبياً أقل كلفة، ما يحفز الطلب الداخلي، فيما تجد الشركات في مختلف القطاعات فرصة للتوسع في استثمارات جديدة. غير أن هذا الأثر قد يظل محدودًا ما لم يقترن بتحسينات في بيئة الأعمال وتبسيط الإجراءات وتعزيز ثقة المستثمرين.
ثانيًا، من المتوقع أن يتسع النشاط الائتماني للقطاع الخاص. ورغم أن البنوك قد تواجه تراجعًا طفيفًا في هوامش أرباحها نتيجة انخفاض أسعار الإقراض، إلا أن زيادة حجم الإقراض والطلب على التمويل يمكن أن يعوض ذلك. التحدي يكمن في قدرة البنوك على إدارة المخاطر الائتمانية في بيئة تتسم بالتباطؤ في بعض القطاعات وضعف التصدير.
ثالثًا، من ناحية التضخم، الأثر المباشر للقرار قد يكون محدودًا، نظرًا لأن الأسعار في الأردن تتأثر بشكل أكبر بعوامل خارجية مثل الغذاء والطاقة. ومع ذلك، فإن زيادة الطلب المحلي قد تضيف بعض الضغوط التضخمية الطفيفة، ما يستوجب مراقبة دقيقة من قبل البنك المركزي، خصوصًا إذا تزامن ذلك مع موجات ارتفاع في أسعار السلع عالميًا.
النقطة الجوهرية الأخرى تتعلق بجاذبية الاستثمار. خفض الفائدة يبعث برسالة إيجابية للمستثمرين المحليين والأجانب بأن السياسة النقدية مستعدة لدعم النمو وتوفير بيئة تمويل ميسّرة. غير أن الاستثمار طويل الأمد لا يرتبط بالفائدة وحدها، بل يحتاج إلى منظومة متكاملة من التشريعات المستقرة، وضمانات الملكية، وتحسين بيئة الأعمال. بمعنى آخر، السياسة النقدية توفر عنصر دعم، لكنها ليست بديلًا عن الإصلاحات البنيوية.
ما يمكن قوله إن خفض أسعار الفائدة بمقدار 0.25 نقطة مئوية قرار محسوب بعناية. فهو يبعث برسالة دعم للنشاط الاقتصادي، ويأتي متسقًا مع التحولات في السياسة النقدية العالمية، من دون أن يعرّض الدينار لضغوط أو يهدد استقرار النقد. الأثر المباشر سيكون إيجابيًا لكنه محدود، خاصة في تحفيز الاقتراض وتعزيز السيولة. غير أن تعظيم الفوائد المرجوة يتطلب تنسيقًا أوثق مع السياسات المالية والاقتصادية، لضمان أن يتحول الحافز النقدي إلى نمو حقيقي.