تخيل المتابعون لفوضى مجلس النواب أن الحكومة بصدد بيع إقليم البترا بأراضيه وآثاره ومحلقاته كافة، فحالة الهياج التي انتابت بعض النواب كانت تدفع إلى أن الحدث جلل وخطير، وفي ساعات قليلة أخذت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تمارس نفس الفوضى، وبدأت حملات تنادي بوقف عملية البيع – المزعومة – بل وتربطها بصفقة القرن وترتيباتها، وكالعادة أخذت الحكومة موقفاً سلبياً، ولم تقم بحملة مضادة لتضع الأمور في نصابها، ولم يستطع الإعلام أن يوجه دفة الحوار بصورة مناسبة، وحتى وجهة نظر نواب وادي موسى لم تؤخذ في الاعتبار بطري?ة لائقة.

 

بقيت الأمور تتفاعل حتى ظهرت تدوينة للدكتور نوفان العجارمة الذي شغل سابقاً منصب رئيس ديوان التشريع والرأي فندت معظم الإدعاءات التي تداولها المتابعون للقضية، وأوضحت أن التخوفات النيابية لا تقوم على أساس قانوني، وكالعادة أتى النشر الذي اقتبسته المواقع الإلكترونية على صفحته الشخصية على موقع الفيسبوك، والتدوينة متاحة حالياً لمن يرغب في أن يشتبك مع بعض التفاصيل القانونية، إلا أن الحالة التي رافقت مناقشة القانون تبقى مفتوحة للقراءة.

 

ما الذي يريده النائب – أي نائب – عندما يقوم بالصراخ تحت القبة، ولماذا يلجأ لهذه الوسيلة بينما يمكنه أن يقوم بالعمل على التصريح الهادئ للصحافة، أو بناء تحالف مع زملائه من النواب، الإجابة تكمن في النظر إلى منسوب شعبيته، والإيحاء لقاعدته الانتخابية بأنه يقف للدفاع عن المصالح الوطنية، وفي النهاية هذه الحيل تبقى مقبولة وضمن إطار الممارسة الروتينية حتى في أعتى المجالس النيابية، إلا أن الفارق الكبير، هو وجود الزخم الإعلامي الذي يمكن أن يواجه هذه الحيل ويقوم بتفكيكها ومواجهتها لإنقاذ الناخبين من هذه الاستعراضات ال?ياسية، وتجنيب الدولة ككل الأثر السلبي الذي يسحب من رصيد الثقة في مؤسساتها، خاصة في مرحلة يعاني ذلك الرصيد من تراجع كبير في منسوبه.

 

تغطية مجلس النواب والحراك داخله مسؤولية تقع على السلطة الرابعة، وربما لا يمكن أن يواجه المجلس سوى صحافة مسؤولة، سعى المجلس وأعضاؤه طويلاً إلى محاصرتها ومضايقتها، ولنعترف بأن المجالس النيابية لم تضمر نية حسنة تجاه العاملين في الصحافة، وبقيت متحمسة للتضييق على الصحفيين، ولذلك فمن المتوقع أن تزيد الاستعراضات النيابية التي تكشفت للأسف أمام طرح عقلاني قانوني قدمه العجارمة.

 

والسؤال أمام الصحافة في هذه المرحلة، ما المطلوب عمله؟ وكيف يمكن أن تؤدي دوراً بناء وإيجابياً في تقديم الحقيقة للمواطنين، وكيف يمكن تجنب تغليب المصالح الشخصية على المصلحة الوطنية في هذه المرحلة.