الدستور
في ظل التغيرات المتسارعة في الأسواق العالمية، تبرز الحاجة الملحة إلى فهم أعمق لتكوين أسعار السلع الغذائية، ليس فقط من أجل التحليل الاقتصادي، بل لدعم القرارات الاستراتيجية التي تعزز الأمن الغذائي في الأردن. إن التقلبات في أسعار المواد الأساسية مثل اللحوم، الحبوب، الزيوت، ومنتجات الألبان، لم تعد مجرد مؤشرات اقتصادية، بل أصبحت أدوات حيوية لتوجيه السياسات الوطنية نحو تخزين احتياطي ذكي وفعال، يضمن الاستجابة السريعة للأزمات ويقلل من كلفة الاستيراد.
تشير مؤشرات أسعار السلع الغذائية الى أن الأسعار العالمية تُحتسب وفق منهجيات دقيقة تعتمد على متوسطات نسب التغير لكل مجموعة غذائية. فعلى سبيل المثال، يتألف مؤشر أسعار الأغذية من خمسة مجموعات رئيسية، ويعتمد على 131 عرضاً دولياً للأسعار مقدمة من مختصين في تسليم المواد الغذائية والزراعة، ما يعكس النسبة المئوية لكل مجموعة ضمن المؤشر العام. هذا المؤشر لا يكتفي برصد الأسعار، بل يوضح سلوك السوق خلال فترة زمنية محددة، مما يتيح لصنّاع القرار فرصة التنبؤ بالاتجاهات المستقبلية.
أما مؤشر أسعار اللحوم، فيعتمد على بيانات مأخوذة من عشرة أسواق تمثيلية، تشمل أربعة أنواع من اللحوم، ويُحسب كل نوع كوحدة مستقلة مع مراعاة النسبة المئوية لكل صنف. ويُقارن هذا المؤشر بأسعار التجارة العالمية، مع عرض بيانات آخر شهرين كمؤشرات ملخصة لإعادة التقييم، ما يتيح مرونة في اتخاذ قرارات الشراء أو التخزين بناءً على أحدث المعطيات.
وفيما يتعلق بمنتجات الألبان، فإن المؤشر يشمل الزبدة، الجبن الجاف، الحليب الجاف، والحليب الجاف كامل الدسم، ويُحتسب من سوقين تمثيليين، مع مراعاة النسبة المئوية لكل منتج. وتُظهر هذه البيانات مدى استقرار أو تذبذب أسعار المنتجات الحيوية التي تدخل في سلة الغذاء الأساسية، مما يجعلها مرجعاً مهماً في تحديد توقيتات الشراء الاستراتيجي.
أما مؤشر أسعار الحبوب، فيُعد من أكثر المؤشرات حساسية نظراً لاعتماد الأردن الكبير على استيراد القمح والشعير والذرة والأرز. يتضمن هذا المؤشر 21 عرضاً للأسعار من المجلس الدولي للحبوب، ويُقسم إلى أربعة مؤشرات فرعية، تُجمع ضمن معدل نسب التغير للفترة المحددة. ويُحسب المؤشر العام كوحدة واحدة تعكس النسبة المئوية لكل مجموعة، ما يتيح تحليلاً دقيقاً لتغيرات الأسعار وتحديد أفضل الفترات لتوقيع عقود الشراء طويلة الأجل.
وفيما يخص الزيوت النباتية، فإن المؤشر يتألف من معدل أسعار عشرة أنواع مختلفة من الزيوت، ويُحسب عبر معدل نسب التغير لكل منتج. ويُعد هذا المؤشر بالغ الأهمية في ظل ارتفاع أسعار الزيوت عالميًا وتأثيرها المباشر على تكلفة الغذاء المحلي. أما مؤشر أسعار السكر، فيعتمد على الاتفاق الدولي بشأن أسعار السكر، ويُستخدم لتقييم مدى جدوى التخزين أو التوسع في الاستيراد في فترات انخفاض الأسعار.
إن تحليل هذه المؤشرات لا يقتصر على فهم السوق، بل يفتح الباب أمام بناء سياسات استيراد وتخزين أكثر كفاءة واستدامة. فالأردن، الذي يعتمد على الاستيراد لتلبية أكثر من 85% من احتياجاته الغذائية، بحاجة إلى وحدة تحليلية مشتركة بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، تتابع هذه المؤشرات بشكل دوري وتوظفها في رسم السياسات الوطنية. إن بناء مخزون احتياطي ذكي، يعتمد على توقيتات الشراء المثلى، لا يساهم فقط في خفض التكاليف، بل يعزز من قدرة المملكة على مواجهة الأزمات الغذائية العالمية بثقة واستقلالية.