أوضاع سكان غزة تزداد سوءا وتتدهور بشكل دراماتيكي.. كميات الطعام الأساسي تنفد والأسعار تشهد ارتفاعات خطيرة
القدس العربي- أشرف الهور
ازدادت الأوضاع المعيشية سوءا في قطاع غزة، سواء في المناطق التي يتوغل فيها جيش الاحتلال في مدينة غزة والشمال، أو في مناطق الوسط والجنوب، التي أجبر فيها جيش الاحتلال مئات آلاف السكان على النزوح إليها قسرا، ومن المتوقع أن تتطور الأوضاع بشكل كارثي خلال الأيام القادمة، في ظل عدم ملاءمة كمية المساعدات الإنسانية التي تصل مع احتياجات السكان.
نفاد الطعام
وفي هذا الوقت نفدت من أرفف المحال التجارية العديد من المواد الغذائية الأساسية، مثل الأرز والزيوت والدقيق والكثير من أصناف البقوليات، ولم تعد هذه الأصناف متوفرة إلا بصعوبة، حيث تباع بأضعاف ثمنها الأصلي.
وبات شوال الدقيق ذو حجم الـ 25 كيلوغراما، والذي كان يباع بـ 60 شيكلا، يباع في هذا الوقت في مناطق وسط وجنوب القطاع بـ 200 شيكل “الدولار الأمريكي يساوي 3.8 شيكل في السوق المحلي”.
ولا يعني بيعه بهذا الثمن المرتفع أنه متوفر، إذ يحتاج رب الأسرة قبل الحصول على هذه الكمية من الدقيق، أن يبذل جهدا كبيرا في الأسواق ومناطق تواجد “مراكز الإيواء”، من أجل الحصول عليه.
وفي أحد مراكز البيع الكبيرة في مخيم النصيرات، والتي كانت تمتلئ بكل أصناف الطعام، وضع ملاك هذا المركز بعضا من مواد التنظيف المتوفرة بدلا من البقوليات والمعلبات والأجبان.
ويقول أحد المشرفين في المركز لـ”القدس العربي”، إنه لم يعد هناك أي كميات متوفرة من هذه المواد عند التجار الرئيسيين، لافتا إلى أن المخازن التي يملكها المركز فرغت من البضائع بالكامل.
هذا الموظف المسؤول أيضا عن عمليات الشراء من تجار التوزيع بالجملة، يشير إلى أن الكميات المتوفرة في مخازن كبيرة في مدينة غزة وتحديدا المناطق الشرقية من المدينة لا يستطيع أحد الوصول إليها، منذ بدايات الحرب، لافتا إلى أن الأمر زاد سوءا، منذ التوغل البري، إذ لم تستطع أي شاحنة تقل بضائع من مخازن غزة الوصول إلى مناطق الوسط والجنوب.
وتوقع أن يصلوا قريبا إلى إغلاق المركز التجاري بالكامل، في وقت أغلقوا فيه مركزا مجاورا كان قبل الحرب يعج كثيرا بالزبائن، بعد أن تضرر بشكل كبير من غارة إسرائيلية وبسبب عدم وجود مخزون لديه للبيع.
وقال أحمد أبو عطا، النازح من مدينة غزة إلى مخيم النصيرات، خلال التسوق إنه لم يعثر على أي قطعة من الأجبان، فيما كان الرف المخصص للأرز والبقوليات فارغا بالكامل، ويشير إلى أنه في الأسبوع الأول لنزوحه قبل شهر تقريبا، كان الوضع مختلفا، حيث كانت الأجبان والكثير من الأصناف التي لا تحتاج جهدا كبيرا لتحضيرها قبل الأكل مثل المعلبات والمربى، متوفرة بكثرة، فيما تغير الوضع بالكامل في هذا الوقت.
ويقول أبو عطا لـ”القدس العربي” إن كميات قليلة من الأجبان، وبعض البقوليات والأرز، متوفرة في بعض الأماكن القريبة من “مركز الإيواء” التي يضطر القاطنون فيها لبيع بعض ما يوزع عليهم، لشراء أصناف غذائية أخرى، لا تتوفر في تلك المراكز، مشيرا إلى أن أثمانها تشهد ارتفاعات كبيرة بسبب قلة الكميات وكثرة الطلب.
وعلى مقربة من إحدى بوابات “مراكز الإيواء”، شاهدت “القدس العربي” الكثير من الرجال والفتيان قد أقاموا “بسطات”، لبيع تلك الأصناف، التي وضعوها أمامهم على حامل خشبي بكميات قليلة جدا، وقال شاب جامعي امتهن هذه المهنة منذ بداية الأزمة، إنه يقوم بشراء بعض الكميات من النازحين، ومن ثم يبيعها لمن يريد من باقي السكان، وينفي أن يكون وأقرانه هم من يرفعون الثمن، ويقول “نشتري الجبن والتونة المعلبة وبعض الأصناف من النازحين ونبيعها بعد وضع نسبة من الربح”.
البيع بأثمان عالية
“القدس العربي” استفسرت من نجوى السيد وهي إحدى السيدات المقيمات في “مركز الإيواء” عن السبب الذي دفعها لهذا الأمر، فأشارت إلى أن ما يجري توزيعه من مواد غذائية لا يلبي كل مطالب الأسرة.
وتوضح أنها اضطرت وأسرتها للنزوح دون أن يملكوا أي نقود، خاصة وأن وضعهم الاقتصادي كان صعبا قبل الحرب، حيث لا يعمل زوجها إلا لأيام معدودة في الشهر.
وتؤكد أنها تضطر لبيع بعض كميات الأجبان، أو معلبات الأسماك، من أجل شراء بعض أرغفة الخبز، لإشباع أسرتها، وتقول “كيف بدنا نأكل المعلبات والجبنة بدون خبز”.
ولا توفر “مراكز التوزيع” الخبز للنازحين، وفي حال توفره حيث كان ذلك قائما قبل أكثر من 10 أيام، كان يوفر بكميات قليلة جدا، وذكرت أسر نازحة أنه كان يخصص لكل فرد من الأسرة رغيف واحد في اليوم.
وإن كانت هذه الأسر تحصل على القليل من المواد الغذائية، فإن الأمر صعب جدا بالنسبة للأسر التي نزحت في منازل الأقارب أو الأصدقاء، أو في أسفل بعض المنازل، أو عند الأسر غير النازحة، حيث يصعب عليها شراء هذه الأصناف.
أحد المسؤولين في فرق الإغاثة في وكالة “الأونروا” وقد طلب عدم الكشف عن اسمه، لعدم امتلاكه تصريحا بذلك، قال لـ”القدس العربي” إن الوضع صعب جدا في “مراكز الإيواء”، “اضطررنا أن لا نوزع لمدة ثلاثة أيام أي مساعدات غذائية على المتواجدين فيها، لعدم وصول أي كميات جديدة”.
وأشار إلى أن الأمر راجع لعدة أسباب، أساسها يعود إلى قلة الكميات التي ترد إلى القطاع، والتي لا تكفي احتياجات العدد الكبير من النازحين، وثانيا صعوبة وصول الكميات القليلة من المساعدات إلى مناطق التوزيع، عند إخراجها من مراكز التخزين بعد أن تكون قد وصلت إليها بعد اجتياز الشاحنات التي تقلها معبر رفح، لافتا إلى أن قلة الوقود المتوفر تحول دون إتمام العملية بالشكل المطلوب.
وتحدث عن مشاكل أخرى تواجه العملية، تتمثل في اعتراض -حدث أكثر من مرة- للشاحنات بعد تحمليها من مواطنين فقراء في غزة ممن زادت الحرب من أزماتهم الاقتصادية.
ويشير إلى أن منظمته الأممية لم تعد في هذا الوقت مسؤولة عن تقديم الخدمات لفئة اللاجئين، بل باتت مسؤولة عن توفير الخدمات لكافة سكان غزة سواء اللاجئين أو المواطنين، وعددهم يفوق الـ 2.3 مليون نسمة.
تدهور دراماتيكي
وفي هذا السياق قال عدنان أبو حسنة المستشار الإعلامي لـ “الأونروا”، إن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة تتدهور بصورة دراماتيكية، وأضاف “اليوم أخطر مما كانت عليه بالأمس”، لافتا إلى أن هناك عشرات الآلاف من الفلسطينيين يصطفون في طوابير للحصول على مياه نظيفة للشرب، فيما مياه الصرف الصحي بدأت تغمر شوارع عديدة.
وأشار إلى أن عدد النازحين في “مراكز الإيواء” التي تديرها “الأونروا” وصل إلى أكثر من 813 ألف مواطن، مطالبا أن تكون هذه المراكز آمنة، وتصل إليها كل المساعدات الإنسانية، كما شدد على ضرورة فتح جميع معابر قطاع غزة، وبالأخص معبر كرم أبو سالم، وإدخال جميع المواد الأساسية وفي مقدمتها الوقود.
هذا ولم يعد الحصول على كميات صالحة للشرب بالأمر اليسير في مناطق وسط وجنوب القطاع، رغم مزاعم الاحتلال السماح بمرور شاحنات تقل وقودا لصالح وكالة “الأونروا”، من أجل تشغيل محطات التحلية، كما أن الحصول على إمدادات المياه غير المخصصة للشرب ليس بالأمر السهل، حيث وضع جدول من قبل السلطات المحلية، يستند إلى إيصال هذه المياه لمرتين فقط في الأسبوع، مدة كل واحدة تصل لساعة أو ساعتين في أحسن الأحوال.
كما تشهد أسعار الخضروات ارتفاعا جنونيا، حيث سجل ثمن كيلو البطاطا ثمانية شواكل، أي أكثر من دولارين، فيما كان ثمنها الطبيعي في هذا الوقت من السنة يصل إلى شيكل واحد، كما ارتفع ثمن الطماطم لأربعة شواكل، وثمن الخيار لخمسة شواكل، وهي أضعاف ما كانت عليه أيضا سابقا.
ويعاني السكان كثيرا في شراء هذه الأصناف، بسبب قلة مواردهم المالية، وحالة الفقر الشديد التي تعيشها غالبية الأسر سواء النازحة أو المتضررة من آثار الحرب.
وبسبب الحرب وتوقف البنوك عن العمل، إذ لم تعد تعمل إلا بعض الصرافات الآلية وبشكل غير منتظم، لم يتمكن الموظفون ومن يملكون أموالا في المصارف، من الحصول عليها، ما زاد أيضا من حجم الضغط الاقتصادي على هذه الفئة أيضا.
حلم الحصول على الدقيق
وبات حلم الكثير من السكان، الحصول على مساعدة تشمل شوالا من الدقيق، باعتبار أنه يعد الصنف الغذائي الأساسي الذي يعتمد عليه الجميع.
وحسب ما يجري حاليا من خطط لدى “الأونروا” التي بدأت عملية توزيع الدقيق على النازحين في “مراكز الإيواء” فإن الأمر سيتسع في قادم الأيام، ليشمل النازحين في خارج المراكز، ومن ثم باقي السكان.
وإن كان هذا الوضع قائما في مناطق النزوح في وسط وجنوب القطاع، فإن الأوضاع تشهد صعوبة أكبر في مناطق غزة والشمال.
ويؤكد مواطنون وصولوا خلال الأيام الأخيرة من غزة والشمال، أن المناطق هناك تعاني من نفاد كل أصناف الطعام سواء البقوليات والمعلبات أو حتى الدقيق، وأن الأسر رتبت هناك أمور حياتها وفق ما لديها من مواد غذائية.
وقال أحد النازحين الجدد، إنهم اضطروا مؤخرا لأن يأكل كل ثلاثة أشخاص كيس معكرونة صغيرا من تلك التي تحضر سريعا، بعد أن كان الكيس لا يكفي شخصا واحدا، لافتا إلى أنهم اعتادوا هناك على تناول وجبة في اليوم الواحد تكون في منتصف اليوم، في أحسن الأحوال، فيما باتوا في ليال أخرى بدون أن تنزل أمعاءهم أي كسرة خبز.
ويمنع جيش الاحتلال منذ أن بدأ بتصعيد هجماته الحربية ضد غزة، بعد أسبوع من الحرب، وصول أي إمدادات من الغذاء إلى مناطق غزة والشمال، وزاد الحصار منذ أن بدأ الهجوم البري على مناطق غزة والشمال.
كما لا يزال جيش الاحتلال يمنع أيضا وصول أي شاحنات مساعدة من تلك التي تمر من خلال معبر رفح إلى تلك المناطق، ما زاد من الأوضاع الإنسانية فيها سوءا.
مناشدة أممية
وكان مارتن غريفيث وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، قال في بيان صدر عنه، إن الأمم المتحدة وشركاءها، الموجودين في غزة منذ عقود، ملتزمون بالاستجابة للاحتياجات الإنسانية المتزايدة، مسترشدين، كما هو الحال دائما، بمبادئ الإنسانية والحياد والاستقلال.
وطالب في ذات الوقت بتسهيل جهود وكالات الإغاثة لضمان التدفق المستمر والآمن لقوافل المساعدات، وفتح نقاط عبور إضافية لدخول الشاحنات التجارية والمساعدات، بما في ذلك معبر كرم أبو سالم، والسماح للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى والقطاعين العام والخاص، بالحصول على الوقود بكميات كافية لتقديم المساعدات والخدمات الأساسية، وتمكين المنظمات الإنسانية من إيصال المساعدات في كافة أنحاء غزة دون عائق أو تدخل، والسماح بتوسيع عدد الملاجئ الآمنة للنازحين في المدارس والمرافق العامة الأخرى بأنحاء غزة والتأكد من بقائها أماكن آمنة طوال فترة الأعمال العدائية.
وأكد على أهمية تحسين آلية الإخطار الإنساني للمساعدة في تجنيب المدنيين والبنية التحتية المدنية التعرض للأعمال العدائية وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية والسماح بإنشاء مراكز توزيع إغاثة للمدنيين حسب الاحتياجات، وكذلك السماح للمدنيين بالانتقال إلى مناطق أكثر أمانا والعودة الطوعية إلى منازلهم، وتمويل الاستجابة الإنسانية التي تتطلب في الوقت الراهن 1.2 مليار دولار، وتنفيذ وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية للسماح باستئناف الخدمات والأنشطة التجارية الأساسية. يعد وقف إطلاق النار هذا حيويا أيضا لتسهيل إيصال المساعدات، والسماح بالإفراج عن الرهائن، والسماح للمدنيين بالتقاط أنفاسهم، بحسب غريفيث.
وأكد المسؤول الأممي أن هذه هي الخطوات العملية المطلوبة لـ “كبح جماح القتل والدمار”، ووصف الخطة بالشاملة وأكد العزم على مواصلة العمل لتحقيق كل خطوة، كما شدد على الحاجة إلى الدعم الدولي الواسع، داعيا العالم إلى التحرك قبل فوات الأوان.