الغد-عبدالرحمن الخوالدة
في العقود الأخيرة تمددت المدن الأردنية على نحو واسع، لكن هذا الاتساع العمراني لم ينتج اتساعًا في الدور الاقتصادي، إذ فقدت مدن وظيفتها الإنتاجية وتحولت إلى ضواح سكنية تعتمد على العاصمة في فرص العمل والدخل، ما يعبر عن أزمة لا تتعلق بالتنمية فحسب، إنما بغياب الرؤية التي تعرف معنى المدينة ودورها في الاقتصاد الوطني، بحسب خبراء اقتصاديين.
ويشير الخبراء إلى أن النمط التنموي في المملكة يعاني من خلل بنيوي متجذر، حيث تتركز المراكز الاقتصادية والاجتماعية في ثلاث محافظات رئيسة هي عمان وإربد والزرقاء، فيما تبقى بقية المدن والقرى مهمشة اقتصاديًا. ويؤكد الخبراء أن هذا التركز يؤدي إلى هجرة داخلية واسعة، حيث يضطر أبناء المدن والبلدات الأقل نشاطًا إلى البحث عن فرص عمل في المراكز الكبرى، ما يترتب عليه تكاليف إضافية للنقل والإيجارات، إلى جانب ضغوط متزايدة على البنية التحتية وارتفاع أزمات المرور والخدمات العامة.
وبقصد التغلب على هذه المشكلة، طالب هؤلاء الخبراء بأهمية إعادة هيكلة المدن لتصبح وحدات اقتصادية مستقلة، تستفيد من مواردها الطبيعية والاستثمارات المحلية، إضافة إلى تطوير القوانين المحلية، بما في ذلك قانون الإدارة المحلية الجديد، ليصبح أداة لتعزيز الهوية الاقتصادية لكل مدينة وتحويلها إلى وحدة اقتصادية قائمة بذاتها، إلى جانب توزيع الأنشطة الاقتصادية والخدمات بعدالة بين المحافظات للحد من التركز في العاصمة.
ويضاف إلى ذلك إطلاق برامج تشجيعية للاستثمار في البلدات والأرياف تشمل إعفاءات ضريبية وتسهيلات ودعمًا للمستثمرين، لتحسين فرص الحصول على العمل ومستوى المعيشة للسكان، إلى جانب وضع خطة استراتيجية متكاملة للتعامل مع هذه المشكلة، إضافة إلى توزيع عادل لمكاسب التنمية لضمان وصول الخدمات لجميع المحافظات.
جدير بالذكر افتقادنا محليًا إلى بيانات رسمية توضح توزيع حجم تركز الاقتصاد الوطني في كل محافظة أو مساهمة كل واحدة من المحافظات في الناتج المحلي الإجمالي.
ويظهر تباين القدرات الاقتصادية بين المحافظات الأردنية والعاصمة عمان من خلال بيانات الصادرات السنوية المتعلقة بالغرف الصناعية، حيث يتضح وجود فجوة كبيرة للغاية بين العاصمة عمان وغيرها من المحافظات.
إذ بلغت صادرات غرفة صناعة عمان، خلال العام الماضي 2024، ما قيمته 10.10 مليار دولار، بينما بلغت القيمة الكلية لشهادات المنشأ الصادرة من غرفة صناعة إربد خلال عام 2024 ما يقارب (1,151.5) مليون دولار، في حين أن حجم الصادرات الصناعية لمحافظتي الزرقاء والمفرق مجتمعتين خلال العام الماضي بلغ نحو 1.533 مليار دولار.
عايش: الفراغ الاقتصادي في المدن الأردنية يجعلها تعتمد كلياً على العاصمة
واعتبر الخبير الاقتصادي حسام عايش أن افتقاد المدن الأردنية للهوية الاقتصادية الخاصة هو انعكاس مباشر لغياب الهوية الاقتصادية على المستوى الوطني، حيث تفتقر المدن إلى القطاعات الإنتاجية والخدمية المتخصصة التي تمنحها تميزاً واضحاً، سواء في الصناعة أو الزراعة أو السياحة أو التجارة، وحتى النشاط الموجود غالباً لا يعود بالفائدة المباشرة على سكان هذه المدن لأنه يُدار من خارجها، سواء من رجال أعمال مقيمين في عمان أو مستثمرين من الخارج.
وبين عايش أن هذا الفراغ الاقتصادي يجعل معظم المدن تعتمد كلياً على العاصمة، التي يتركز فيها نحو 42 إلى 45 % من الناتج المحلي الإجمالي، ما يؤدي إلى هجرة داخلية واسعة وضغط على البنية التحتية والخدمات، خصوصاً في قطاعات النقل والسكن والتعليم والصحة، مع ارتفاع التكاليف الاقتصادية الوطنية بمعدل يتراوح بين 2 و 5 % من الناتج المحلي الإجمالي.
المسألة ليست مجرد نقل استثمارات، بل بناء مدن ذكية قادرة على جذب النشاط الاقتصادي، وتحقيق عائد حقيقي يعود على سكانها، ويحد من الهجرة الداخلية والضغط على العاصمة.
ويرى عايش أن ذلك يتطلب إعادة هيكلة المدن لتصبح وحدات اقتصادية مستقلة، تستفيد من مواردها الطبيعية والاستثمارات المحلية، إضافة إلى تطوير القوانين المحلية، بما في ذلك قانون الإدارة المحلية الجديد، ليصبح أداة لتعزيز الهوية الاقتصادية لكل مدينة وتحويلها إلى وحدة اقتصادية قائمة بذاتها، إلى جانب توزيع الأنشطة الاقتصادية والخدمات بعدالة بين المحافظات للحد من التركز في العاصمة، مع تعزيز البنية التحتية وربط المدن بالفرص الاستثمارية، علاوة على إنشاء مناطق اقتصادية متخصصة وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتوليد فرص عمل قريبة من المواطنين.
الحموري: توزيع الخدمات والفرص بداية الحل للمشكلة
أكد أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك، قاسم الحموري، أن الهجرة من القرى إلى المدن الكبرى مشكلة متكررة في الدول النامية، خاصة عندما تتركز الفرص الاقتصادية في العاصمة وبعض المدن الرئيسة بينما تظل الأطراف مهمشة. هذا التركز يولد ضغطاً هائلاً على السكن والمرور والخدمات، ويؤثر مباشرة على الاقتصاد الوطني. وأوضح الحموري أن غياب النشاط الاقتصادي في المدن والأرياف يقلل من فرص العمل ويرفع مستوى الهشاشة المعيشية للسكان، في ظل تمركز الاستثمارات والوظائف في العاصمة والمدن الكبرى.
وشدد الحموري على أن الحل يكمن في التوزيع العادل للخدمات والفرص بين المحافظات، وإنشاء فروع للمؤسسات الحكومية لتقريب الخدمات من المواطنين، بالإضافة إلى إطلاق برامج تشجيعية للاستثمار في البلدات والأرياف، تشمل إعفاءات ضريبية وتسهيلات ودعماً للمستثمرين، بهدف تحسين مستوى معيشة السكان الفقراء.
زوانة: النمط التنموي في الأردن يعاني من خلل بنيوي
حذّر الخبير الاقتصادي زيان زوانة من أن النمط التنموي في الأردن يعاني من خلل بنيوي واضح، إذ تتركز المراكز الاقتصادية والاجتماعية في ثلاث محافظات رئيسة فقط: عمان، إربد، والزرقاء.
وأوضح زوانة أن هذا التركيز يدفع سكان المدن الأخرى إلى مغادرتها بحثاً عن فرص عمل، مما ينعكس سلباً على واقعهم المعيشي والاقتصادي، حيث يُنفق جزء من رواتبهم على تكاليف التنقل بين المحافظات أو على الإيجارات في المدن التي يعملون بها.
ولفت زوانة إلى أن هذه الظاهرة تزيد الضغوط على البنية التحتية وتفاقم أزمات المرور، مؤكداً أن الحكومات السابقة عجزت عن خلق واقع جديد للتنمية المستدامة والمتوازنة.
وأشار زوانة إلى أن إكساب المدن هوية اقتصادية والارتقاء بها يتطلب وضع خطة استراتيجية متكاملة، تشمل برامج تحفيزية للمستثمرين لدخول هذه المدن، إلى جانب التوزيع العادل لمكاسب التنمية لضمان وصول الخدمات إلى جميع المحافظات.