أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    26-Mar-2019

هل سيشهد العالم أزمة مالية أخرى؟

 الراي-عدنان أحمد يوسف

لقد كتبنا حول موضوع الأزمة المالية العالمية عدة مرات، ونوهنا إلى عدد من تداعياتها التي لا زالت مستمرة بأشكال مختلفة لكون جانب من الأسباب الرئيسية التي أدت لاشتعالها لم تعالج بعد بصورة جذرية وإنما بشكل جزئي، مما يمكن لها أن تهدد مجددا بنشوب أزمة مالية جديدة.
 
واليوم نعود للكتابة حول هذا الموضوع مع تصاعد نذر الحروب التجارية بين الصين والولايات المتحدة وما تجره من حروب على أكثر من جبهة: حرب العملات، والأسواق المالية، والضرائب، كذلك في ظل أزمة البريكست وضعف الاقتصاد الأوروبي، وهي أمور دفعت بصندوق النقد الدولي إلى تخفيض توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي إلى 3.5% هذا العام، بينما اتضحت آثار الحرب التجارية على الاقتصاد الصيني، حيث لم يحقق نسبة نمو إلا بنسبة 6.2%، وهي أدنى مستوى نمو يسجلها خلال السنوات الماضية.
 
ويرى العديد من الاقتصاديين أنه بينما النظام المالي والبنوك اليوم في حالة أفضل بكثير مما كانوا عليه قبل عام 2008، فأننا قد نشهد عاجلا أم آجلا ركودا آخر ولكن متى وهل سيبدأ مرة أخرى من الأسواق المالية. الأجوبة على هذه التساؤلات تركت دون إجابات قاطعة، لكننا ها نحن نشهد تباطؤ في الاقتصاد العالمي منذ بداية العام 2019. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد الأمريكي بنسبة 2.4% والصين كما ذكرنا بنسبة 6.2 %. كما من المتوقع أن تحقق الهند أسرع نمو من بين الاقتصاديات الرئيسية وبنسبة 7.5%، بينما يتوقع أن تشهد منطقة اليورو واليابان 1.8% و1% على التوالي. وتبين هذه الأرقام أن أي من الاقتصاديات العالمية لن تصاب بالركود ولكن النمو لا يزال ضعيفا. ومن المتوقع أن يبلغ معدل التضخم الذي يمثل تهديدًا آخر للاستقرار الاقتصادي 2% في الولايات المتحدة وحتى في منطقة اليورو واليابان.
 
لقد دفعت الأزمة العالمية عام 2008 الاقتصاديات الرئيسية في الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو واليابان للتدخل عبر تقديم حوافز نقدية هائلة لم يسبق لها مثيل في التاريخ استمرت حتى العام الماضي. في حين عارض القليلون هذا التدخل آنذاك لأن الجميع كان متفق على ضرورة ضخ السيولة لمنع الانهيار الاقتصادي، لكن بات واضحا اليوم أن هناك أضرار جانبية خلفها هذا التدخل، حيث أن تقليص الميزانيات العمومية للبنوك المركزية في الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى أو كما يطلق عليه «التشديد الكمي» وزيادة أسعار الفائدة يتطلبان الحذر الشديد لكونها يؤديان إلى كبح النمو الاقتصادي في 2019-2020.
 
ولأكثر من عقد من الزمان، اعتمد النمو الاقتصادي السريع للصين على الاستثمار الضخم من جانب القطاعين الحكومي والخاص. في عام 2017، شكلت الاستثمارات 44% من الناتج المحلي الإجمالي، ومع ذلك كان معظمها في مشاريع لم تكن هناك حاجة إليها، مثل المساكن في المدن الكبيرة التي تعاني من فائض في مثل هذه المساكن. لكن مثل هذا النمو في الاستثمار يعتبر غير مستدام. كما كانت الصادرات هي المحرك الرئيسي الآخر للنمو في الصين، ولكن محرك النمو هذا يواجه تحديات أيضًا اليوم والمتمثل في النزاع التجاري مع الولايات المتحدة. ولكي يحافظ الاقتصاد الصيني على نموه بأكثر من 6%، سيتعين عليه الاعتماد على الاستهلاك الخاص الذي كان في عام 2017 لا يزال يمثل 39% فقط من الناتج المحلي الإجمالي. كما أن تحفيز الاستهلاك الخاص دون توليد معدل تضخم كبير يتطلب نموًا تقوده الإنتاجية في جانب العرض. ويعتقد على نطاق واسع أن مكاسب الإنتاجية هذه يمكن أن تأتي من الابتكار والاكتشافات الجديدة التي بدورها تتطلب نظامًا اجتماعيًا أكثر انفتاحًا.
 
وأرسل المسئولون الصينيون بعض الإشارات الخاطئة خلال العام 2018، حيث واصلوا دعم المؤسسات الحكومية الخاسرة، مما آثار قلق الأسواق ودفع ببعض رؤوس الأموال لمغادرة البلاد، مع اختفاء فائض الحساب الجاري وتراجع احتياطي العملات الأجنبية بنسبة 50% منذ عام 2008. وفقدت العملة الصينية ما نسبته 8% من قيمتها في العام 2018. ويعتقد بعض الخبراء أن نمو الاقتصاد الصيني الحقيقي قد لا يتعدى نسبة ال 5% إذا ما تم الأخذ بالاعتبار الديون الضخمة المتراكمة في الاقتصاد. وهذا ما تطرقنا له في مقال منفصل قبل أكثر من عام. المشكلة الأخرى التي يواجهها الاقتصاد الصيني أيضا البنوك الصينية، حيث لا أحد يعلم على وده التحديد حجم الخسائر في دفاترها من الديون المقدمة للمؤسسات الحكومية.
 
بناء على ما سبق، هل سنشهد احتمال حدوث أزمة مالية واقتصادية في الصين في الأشهر الثمانية عشر القادمة؟ نعم قد يشهد الاقتصاد الصيني تباطؤ في النمو، ولكن الصين تملك نظام سياسي مركزي يمتلك قوة اقتصادية هائلة. ويوجد لدى الحكومة وسائل للسيطرة على النظام المالي والاقتصاد الحقيقي أكبر بكثير من أي دولة أخرى كبيرة في العالم. صحيح أن التدخل القوي قد يكون معاكس للإصلاحات الأساسية التي اتخذتها الصين لتحرير الاقتصاد نوعا ما، ولكن في النهاية، تعتبر القيادة الصينية إن الحفاظ على استقرار البلد يقع على أعلى درجة من أولوياتها من الإصلاحات الاقتصادية والتقدم. ولكن في كل الحالات، ماذا سوف تعني مآلات الاقتصاد الصيني هذا العام والعام المقبل للاقتصاد العالمي ككل، ومنها اقتصادياتنا العربية؟ هذه هو السؤال المهم.