أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    05-Nov-2019

وعود الرخاء وفورية البشائر*جمال الطاهات

 الدستور-منذ سنوات والحكومات تعد برخاء قادم. ولكن الرخاء لا يأتي والبشائر لا تطل. ليس بسبب سوء نية الحكومات، ولكن لأن إطلاق هذه الوعود ممارسة تنطوي على خلل منهجي وعلمي واضح. فالحكومات لا تحفز الاقتصاد بالوعود، ولكن بفاعلية تحقق استجابات فورية للسياسات الاقتصادية.

فاعلية السياسة الاقتصادية تقاس وتحدد بمدى استجابة «نشطاء السوق» لها. معيار فاعلية السياسة الاقتصادية هو الاستجابة «الفورية» وليس المؤجلة للسوق. استجابة نشطاء السوق وثقتهم بالسياسات الاقتصادية وتفاؤلهم بها تقاس بارتفاع او انخفاض معدلات الطلب والاستثمار. فالحقيقة الاقتصادية، التي تتجلى بمعدلات الطلب والاستثمار، متعلقة بالاستجابة النفسية الفورية لنشطاء السوق من مستثمرين ومستهلكين «وصناع سوق» للسياسة الاقتصادية. النشاط الاقتصادي الآن، متعلق بحسابات فورية لا تبنى على وعود المستقبل. صناعة المستقبل وليس انتظاره هو العنصر الحاسم في تنشيط السوق. من هنا فالحقيقة الاقتصادية تتحدد بمربع أضلاعه هي: 1- النموذج الاقتصادي 2- السياسة الاقتصادية المستوحاة من النموذج 3- الحكومة الفعالة التي تربط السياسة الاقتصادية بــ 4- ضمان استجابة نفسية ومعنوية إيجابية لنشطاء السوق لهذه السياسة.
لقد فشل علماء الاقتصاد، الذين يكثرون من الحديث عن المستقبل، حين تسلموا مناصب وكانوا هم من يصنع السياسات. وهذا يعود إلى خطأ منهجي، مضمونه «الحديث عن مستقبل لا يعرفون كيفية صناعته». «على المدى الطويل، تبدو مهمة الاقتصادين –كما الحكومات- شديدة السهولة وبلا جدوى إن لم يستطيعوا عمل أي شيء سوى إخبارنا وقت الأزمات أنه عند انتهاء الأزمة، ستنفرج الأمور وتتحسن مرة أخرى». يجب أن يتوفر للاقتصادين والحكومات تصور للخروج من الازمة. وهذا التصور يجب أن يصاغ بسياسة اقتصادية مقنعة لنشطاء السوق، وتقودهم لفعل فوري.
السياسات الاقتصادية هي مجموعة قواعد لبدء الانتقال الآن وفوراً من معدلات طلب واستثمار وتشغيل حالية، إلى معدلات أعلى تتحقق لاحقاً. فالنمو الصافي المستقبلي في انتاج السلع والخدمات هو هدف كل سياسة اقتصادية، يبدأ بالتحقق من الآن.
أحد أعظم العقول الاقتصادية في القرن العشرين، والذي أصبح وزيراً للمالية النمسا بين الحربين (جوزيف شومبتر)، تم تفسير أدائه المتواضع في الوزارة من حيث «أنه من السهل تصميم سياسة اقتصادية، ولكن التحدي هو دفع السوق الوطنية للعمل بموجبها».
وعد الحكومات ببشائر الخير في المستقبل عنوان لفشل السياسة الاقتصادية. إذ ينطوي هذا الوعد على تخلي الحكومة عن دورها، نتيجة وعيها بعدم قدرتها على اقناع نشطاء السوق ودفعهم للتفاؤل. الوعد المؤجل من الحكومة يعني توقف «نشطاء السوق» عن النشاط الاقتصادي بانتظار وصول البشائر.
البشائر يصنعها نشطاء السوق وليس الحكومة، والمطلوب منها طمأنة نشطاء السوق ليقوموا بصناعة البشائر. إذ أن النشاط الاقتصادي لا يتحقق بغير تفاؤل نشطاء السوق ولن تأتي البشائر بغير تفاؤلهم. السياسة الاقتصادية تصمم لتنشيط صناع الثروة عبر تفاؤلهم، وليس من أجل كسب تأييدهم أو صمتهم. فالسياسة الاقتصادية تعني التفعيل الفوري لنشطاء السوق، وليس تجميدهم بانتظار البشائر. وتفعيل نشطاء السوق مشروط بثقتهم بالسياسة الاقتصادية. معيار تحقق الثقة ووجودها هو اندفاع نشطاء السوق للعمل بشكل فوري.
من هنا فإن أي سياسة اقتصادية قائمة على أساس اطلاق الوعود والطلب من الناس أن تتفاءل وتنتظر، هي ممارسة مضادة لمنطق السياسة الاقتصادية ولجوهر الحقيقة الاقتصادية. الوعد ببشائر منتظرة، مقولة مضادة لمنطق السياسة الاقتصادية، وإن كانت تؤثث الفضاء الإعلامي للحكومات. ثقة السوق لا يمكن تحصيلها بالوعود، والإفراط بالوعود له أثر معاكس، لأنه يعتبر دليلا على غياب البشائر. فالوعود ليست بشائر. وحدها البشائر العيانية من تصنع الثقة والتفاؤل بالمستقبل.