أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    05-Jul-2015

بماذا سـ «يُجيب» اليونانيون.. اليوم؟*محمد خروب

الراي-عشرة ملايين يوناني سيقررون اليوم مستقبل منطقة اليورو (19 دولة من أصل 28 هي مجموع دول الاتحاد الاوروبي) الصورة هكذا بلا رتوش وبلا ادنى مبالغة, رغم كل الضجيج الذي يملأ الفضاء الاوروبي وبخاصة في الحملة الاعلامية المركّزة وغير المسبوقة التي تضخها المفوضية الاوروبية في بروكسل وخصوصاً حكومة السيدة ميركل, التي هي بالفعل المرأة الحديدة «الجديدة» بعد الراحلة مارغريت تاتشر, بعد أن لم يعد في اوروبا أي اقتصاد بمقدوره منافسة الاقتصاد الالماني أو تحديه, بل ان الشريك الطبيعي او الرئيسي الآخر في قيادة الاتحاد الاوروبي وهو فرنسا, لا يستطيع قول «لا» لأي قرار الماني, وبخاصة أن هناك توقعات وازنة بأن الاقتصاد الفرنسي في طريقه الى التعثر بعد أن بدأت علامات الركود وربما الكساد تضرب بعض قطاعاته, فضلاً عن ارتفاع مديونيتها الامر الذي ادى الى تخفيض تصنيفها الائتماني.
وبصرف النظر عن استطاعلات الرأي العام التي تحاول المسّ بقدرة وحكمة رئيس وزراء اليونان الشجاع الكسيس تسيبراس, واتهامه بالمراهقة السياسية وعدم «النضج» في تعاطيه مع ازمة بلاده الاقتصادية الحادة, فإن هذا الضخ الاعلامي المكثّف (اقرأ المُضلِل) انما يعكس في ضمن امور اخرى وحشية الرأسمالية وانعدام حسّها الانساني وشراهة الدائنين, الذين يريدون اخضاع اليونانيين شعباً وحكومة, كي لا «تتمرد» شعوب وحكومات اخرى في الاتحاد الاوروبي وخصوصاً في منطقة اليورو, ما يهدد بانفراط عقد (المنطقة) وتفكك صيغة الاتحاد الاوروبي ذاتها, مع عدم اهمال الوعد الذي قطعه ديفيد كاميرون على نفسه خلال حملته الانتخابية الاخيرة باجراء استفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد.
ولمن يحلو لهم الظهور كحكماء أو ادعاء النزاهة والغمز من قناة اليونانيين عبر التساؤل: «كيف يمكن لشعب باكمله أن يشرب ويرقص ويغني, وعندما يفيق يرسل الفاتورة الى السيدة ميركل؟».. وهي حجة متهافتة وتصوير غير دقيق وغير عادل, لطبيعة الازمة التي عصفت باليونان وأوصلتها الى هذه المرحلة الخطيرة, بتذكيرهم ان الأزمة هذه لم تكن وليدة يومها وهي سبقت وصول حزب «سيريزا» اليساري بزعامة تسيبراس الى الحكم بكثير, بل هي تعمّقت في عهد حزب باسوك «الاشتراكي» بزعامة باباندريو الابن, وهو اصلاً صاحب فكرة «الاستفتاء» لكن جرى «ارهابه» بكل ما في الكلمة من معنى, عبر اسقاط حكومته الائتلافية، واللافت بل الغريب هنا ان الحزب الاشتراكي هذا ينادي اليوم بالتصويت لصالح خطة التقشف التي تطرحها الترويكا (المفوضية الاوروبية، البنك المركزي الاوروبي وصندوق النقد الدولي) اي قول «نعم».
ثمة من لا يعلم ان مجموع ديون اليونان تصل الى 320 مليار دولار ما يعني وفق خبراء الترويكا و»نادي» الدائنين من الدول والبنوك ان على اليونانيين تسديد هذه الديون حتى العام 2057 اي نصف قرن من السنين، فكيف ستكون الحال لو لم تكن اليونان عضواً في منطقة اليورو وعضوا في الاتحاد الاوروبي؟
أين من هنا؟
حزب سيريزا يحوز على 149 مقعداً في البرلمان اليوناني من اصل 300 مقعد هي مجموع مقاعد البرلمان، ما يعني ان هذا الحزب الذي يوصف بالراديكالي والمتطرف وهم بتلك الاوصاف يتجاوزون ما كانوا يصفون الاحزاب الشيوعية (الاوروبية تحديداً) في زمن الحرب الباردة، بعد ان تم «تدجين» بعض هذه الاحزاب وتراجع شعبية بعضها الآخر واندثار ما تبقى، وبالتالي فان محاولة شيطنة الكسيس تسيبراس وتحميله مسؤولية فشل خطة التقشف المطروحة، لن يكتب لها النجاح حتى لو مضى تسيبراس الى نهاية الشوط وقام بتقديم استقالة حكومته، لكن اي حكومة جديدة على انقاضها, لن تكون قادرة على تمرير خطة الترويكا المقترحة (بافتراض ان نسبة الذين سيقولوا اليوم «نعم» ستزيد عن نسبة اصحاب «لا» وهي امر غير مرجح وان تم فسيكون بنسبة متقاربة جدا).
رئيس الوزراء اليوناني الذي أخذ على عاتقه مهمة اجراء الاستفتاء لم يكن يريد رمي الكرة في ملعب اليونانيين، بل تقدم بشجاعة الصفوف حتى مساء الجمعة ودعا اليونانيين الى قول «لا» مدوية: للعيش بكرامة في اوروبا وعدم الخضوع للانذارات والابتزاز وحملة التخويف التي تشنها الترويكا اضافة الى رأيه الصريح (والصحيح ايضاً) في اجراءات التقشف التي فرضت على بلاده.. (هي قادتنا الى الأسوأ) يقول تسيبراس, مؤكداً: اننا لم نحصل على نتائج من التقشف والدواء الذي اعطيناه للمريض اسوأ من المرض نفسه..
قراءة شجاعة ودقيقة وكاشفة لمدى جشع ووحشية الرأسمالية التي لا همّ لها سوى مراكمة الارباح ومواصلة الاستغلال والعيش على مآسي الشعوب ونهب ثرواتها وفائض انتاجها لتزداد نسب البطالة ومعدلات الفقر في كل الدول التي لجأت الى «وصفات» صندوق النقد الدولي, الذي لا همّ له وللقائمين عليه سوى تطبيق كراسة التقشف التي صممها خبراء لا قلوب لهم ولا يهمهم الكلفة الاجتماعية والانسانية لبرامجهم التقشفية (والخصخصة اعلى مراحلها) التي لم تأتِ بخير او فائدة للشعوب، بل لفئات وشرائح مرتبطة بهم ارتباطاً عضوياً, لتغدو المجتمعات المنكوبة بوصفات الصندوق, مجرد شريحتين شريحة قليلة تزداد ثراء وتحوز على 95% فيما الخمسة في المائة المتبقية من نصيب 95% من عدد السكان.