أوضحت في مقالة سابقة كيف بدأ التوجه من قبل جلالة الملك المغفور له الملك الحسين نحو ترشيد الانفاق الحكومي ورفع الكفاءة والانتاجية وكذلك وضع خطط الإنفاق الترشيدية وكيف ان جلالة الملك عبدالله الثاني أعلن الانطلاق نحو هذا التحول من خلال طرحه مبادرة الحكومة الإلكترونية في العام 2001.

كان الطموح كبيرا ولكن الاثر الحقيقي لا يذكر، وفي اعتقادي ومن خبرتي التي عشتها منذ ذلك التاريخ أرى أن انتقال الرسالة بين التوجه الملكي والمستوى التنفيذي تم خلال عدة فلاتر جعلت المبادرة الملكية تتحول الى مظاهر قشرية تذر الرماد في العيون وبتأثير يكاد لا يذكر على أرض الواضع.

لم توضع خطة استراتيجية لتحويل الرؤية الملكية الى واقع من خلال دراسة واقع الحال من كل جوانبه المجتمعية والقانونية والتقنية والقدرة على استيعابها.

بدء التنفيذ العشوائي دون خريطة طريق تحدد واقعنا وامكاناتنا وكذلك الهدف النهائي المرجو الوصول اليه، وبدأنا في الامور الشكلية التي توهم الناظر الخارجي بأن هنالك انجازات تتم على ارض الواقع وتم الاهتمام بالجانب التقني فقط الذي يساعد في الوصول للغاية الشكلية المطلوبة.

كان الاردن من بين الدول السباقة في التوجه نحو الحكومة الإلكترونية وكان اي إنجاز في هذا الاتجاه سيعطي الاردن موقفا مقبولا على المؤشرات العالمية وهذا ما حصل فقد استحوذ الاردن على المرتبة 63 في العام 2004 ووصلنا لافضل المراتب في العام 2008 حيث وصلنا الى المرتبة 50 في العام 2008، وبعد ذلك بدأ التذبذب والتراجع لغاية وصولنا الى المرتبة 117 في العام 2020.

خلال العقد الماضي لم نتعلم من دروسنا ومن المراتب المتراجعة التي حصلنا عليها، بل كنا نختلق الأعذار بتبريرات لامنطقية دون أخذ العبر والدروس من هذه التقيمات العالمية، لنعي اننا لا نسير على الطريق الصحيح والمطلوب منا أن يكون لدينا استراتيجية واضحة نلتزم بها.

تجب إعادة دراسة وضعنا الحالي ومعرفة ماهو المطلوب من الحكومة الالكترونية والى اين نريد الوصول بعد 15 عاما وان يكون التخطيط شموليا. فلا نستطيع ان نسير بجزء من الوطن بمعزل عن كامل مكوناته، فيجب السير بتناغم يؤدي بكامل المكونات للانتقال من مكان الى آخر.

إن انتقال الدولة بكامل مكوناتها يجب ان يتناغم بخطط واضحة فلا نستطيع ان نقدم خدمات الكترونية على مستوى متقدم دون ان يكون هنالك وعي لدى المواطن لأهمية هذه الخدمات وثقته بان هذه الطريقة هي التوجه الامثل لتقديم الخدمة.

من هنا وجب تأهيل المجتمع لهذه المرحلة، التي تتعارض الى حد كبير مع الموروثات التاريخية من التعامل بالواسطة وتجاوز القوانين، وعلى الموظف الحكومي أن يكون جاهزا للتقييم بناءً على انجازه الحقيقي دون مواربة.

ان تحسين المستوى المعيشي للمواطن إضافة لتسهيل إنجاز المعاملات ودعم قطاع الأعمال هو مركز كل العمليات التي يدور حولها التحول الرقمي. والوصول الى التحول الرقمي الحقيقي يحتاج الى خطة تحول على مستوى المفاهيم المجتمعية وانتقال المجتمع من المفاهيم السائدة والتي تعتمد على العلاقات الاسرية والقرابة المستمدة من العشيرة الى التكنولوجيا وبعدالة تطبق على الجميع.

كما أن الأتمتته التي ستحكم الجميع ستعطي سهولة ودقة وسرعة في التحقق من الاجراءات والتي لا تسمح بالتلاعب.

إن الجانب التقني لتنفيذ الحكومة الإلكترونية يحتاج الى رؤية واضحة تكون الجزء المتمم للتغير المجتمعي، والتكنولوجيا المتقدمة والأجهزة المطلوبة ليست أكثر من أدوات يتم الاستفادة منها حسب القدرات البشرية الملتزمة بالخطط الموضوعة وحسب مؤشرات الأداء التي سيحتكم لها الجميع بعدالة.

كل مرحلة من هذه المراحل تحتاج لدراسة منفصلة ووضع الخطط الاستراتيجية لكل منها. وهذه الجوانب تشمل الجانب الاجتماعي، والبنية التحتية من قوانين وتشريعات وتعليمات ثم يأتي متوجاً لكل الجهود الجانب التقني والذي يشمل قمة التحول الرقمي بتنفيذ الحكومة الإلكترونية.

حمى الله الأردن مليكاً وشعباً وهدانا الله لطريق الرشاد والصواب.