بعد سلسلة المقالات التي كتبناها حول التكنولوجيا المالية، أردنا أن نختتمها بهذه المقالة التي تتناول بصورة خاصة تجربة البحرين مع تطوير هذه الصناعة الحيوية والهامة للصناعة المصرفية بصورة خاصة وللاقتصاد الوطني بصورة عامة.

 

لقد بادر مصرف البحرين المركزي ومجلس التنمية الاقتصادية وبتوجيه من صاحب السمو الملكي سمو ولي العهد العام الماضي بإطلاق مبادرة تأسيس بيئة رقابية تجريبية للتكنولوجيا المالية وذلك من أجل تعزيز ريادية مركز البحرين المالي إقليميا وعالميا، وهي المبادرة التي مكنت المشروعات الناشئة وشركات التكنولوجيا المالية من اختبار وتجربة مشاريعها لابتكار حلول للقطاع المالي. وقد أسهمت هذه المبادرة في فتح الباب أمام استقطاب شركات التكنولوجيا المالية من مختلف أنحاء العالم لزيادة أعمالها في الخليج العربي وعززت مكانة البحرين كمركز للتكنولوجيا والخدمات المالية في المنطقة. كما عكست هذه المبادرة جهود المملكة في تطوير بيئة حاضنة لصناعة التكنولوجيا المالية وتشجيعها. كما دخل اتحاد سنغافورة للتكنولوجيا المالية مؤخرا في شراكات مع مجلس التنمية الاقتصادية في مملكة البحرين لتطوير نظام إيكولوجي لصناعة التكنولوجيا المالية.

 

وقد أعقب ذلك قيام مصرف البحرين المركزي بتأسيس وحدة التكنولوجيا المالية كجزء من مبادراته المتواصلة من أجل تعزيز التحول الرقمي المالي في المملكة ومواكبة التطور في الخدمات المالية الرقمية، وتوفير أفضل الخدمات الى زبائن القطاع المالي من افراد ومؤسسات. ثم تم إطلاق خليج البحرين للتكنولوجيا المالية بالشراكة مع مصرف البحرين المركزي وعدد من المؤسسات المالية وذلك من أجل العمل على دعم تطوير بيئة التكنولوجيا المالية في البحرين وضمان مشاركة المؤسسات المالية التي تسعى إلى الابتكار والاستثمار في هذا المجال، بالإضافة إلى دعم المبتكرين في خليج البحرين للتكنولوجيا المالية. وجميع هذه الخطوات تعتبر أساسية لتأسيس البنية التحتية الداعمة لنجاح البنوك في البحرين ومنها البنوك الإسلامية بالدخول في هذا المشروع والاستفادة القصوى منه.

 

واستكمالا لهذه الجهود، شاركت عددا من المؤسسات المالية من بينها مجموعة البركة المصرفية في إطلاق أول اتحاد تكنولوجيا مالية إسلامية على مستوى العالم للبنوك الإسلامية في مملكة البحرين وهو «ألكو البحرين ALGO Bahrain» وهو أول اتحاد على مستوى العالم للتكنولوجيا المالية اسلامية، هدفه تسريع إطلاق حلول التكنولوجيا المالية المتوافقة مع أحكام الشريعة الاسلامية. وهدف هذه المبادرة الاستراتيجية هو تجهيز المصارف الإسلامية للنقلة النوعية القادمة في القطاع المصرفي نتيجة لأخر ابتكارات التكنولوجيا المالية. وسوف يساعد «ألكو البحرين» من خلال نهجه التعاوني بين البنوك الإسلامية على إيجاد وابتكار وتنفيذ حلول تكنولوجيا مالية منخفضة التكلفة وسريعة بحيث تتمتع باستقلاليتها الاستراتيجية والتشغيلية والمالية الكاملة لابتكار حلول مالية تناسب النظام الاقتصادي الرقمي. كما يهدف إلى استعادة نمو صناعة الصيرفة الإسلامية العالمية من خلال تعزيز الشمول المالي وخلق فرص عمل جديدة وتوجيه استثمارات جديدة إلى القطاعات الاقتصادية الحرجة في دول مجلس التعاون الخليجي والأسواق الناشئة، وسيعمل نموذج «ألكو البحرين» على خفض تكلفة الابتكار بالنسبة للبنوك الأعضاء مع تسريع قدرتها نحو الوصول إلى الأسواق ، وسيكون لذلك أثراً مباشراً على تحسين ربحية ونمو البنوك.

 

إن أهمية تطوير التكنولوجيا المالية في البحرين وفوائدها سوف تساعد دون شك على تنويع الاقتصاد الوطني وهو هدف استراتيجي دون شك. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاستفادة من هذا القطاع سيساعد على دعم الجيل القادم من الشركات التجارية، ودفع عجلة النمو وزيادة الإنتاجية. كما أن تطوير هذه الصناعة يأتي منسجما مع ريادة البحرين في مجال الابتكار في مجال التكنولوجيا لسنوات عديدة مضت، حيث لعبت دورا رئيسيا في خلق منتجات مبتكرة تتماشى مع التقدم التكنولوجي. وأخيرا، فأن البحرين وكونها رائدة الخدمات المصرفية العالمية تعتبر الأولى في أخذ زمام المبادرة لتبني تطوير هذه الصناعة وبناء نموذج يحتدى بها إقليميا وعربيا.

 

وعلى الرغم من حداثة تجربة البحرين، إلا أننا واثقون من أن البحرين ستطور نفسها لتصبح مركزا إقليميا للتكنولوجيا المالية وتوفر مسار للشركات التي ترغب في الاستفادة من الفرص التي يمكن أن توفرها أسواق الشرق الأوسط الاقتصادية ورؤوس المال لصناعة التكنولوجيا المالية العالمية، وذلك بما تمتلكه من خبرة مصرفية وتقنية عريقة تمتد في عصرها الحديث لمنتصف سبعينيات القرن الماضي، راكمت خلالها الكثير من التجارب والخبرات المعرفية والوعي والثقافة العامة التي تعتبر المدخل السليم لأستيعاب التطورات الملازمة لإدخال هذه الصناعة ضمن حيز برامج التنمية الاقتصادية وتوظيفها بالصورة الصحيحة لتعزيز مكانة البحرين المصرفية والمالية وإسهاماتها في تنويع الاقتصاد.