أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    04-Feb-2018

مخيم المحطة: الفقر يلف عشرات العائلات وشبح الترحيل يلوح بالأفق

 الغد-حنان الكسواني

لن يستوعب ثلاثة أشقاء معاقين قرارا يسمح بإزالة منزلهم المتهالك في تجمع المحطة وسط عمان، وتشريدهم في أي لحظة إلى شوارع غارقة بمياه الصرف الصحي، وبين أسواقها القديمة بالقرب من محطة “حجازية” لم يشفع لها تاريخها العريق في الحفاظ على أراضيها وقاطنيها.
بات عنوان أسرة سعيد، التي تضم ثلاثة أشقاء تجاوزوا الأربعين عاما، الفقر والعوز، ومضمونها التعاسة بكل صورها وأبعادها، رسمتها الأيام الصعبة التي تمر بها هذه الأسرة ومعيلها الوحيد؛ وهو شقيق رابع لهم، متزوج ولديه خمسة أطفال بالكاد يسد جوعهم.
“اليوم كالدهر كله، من معاناة يومية تتمثل بإعالة 3 معاقين من طعام وملابس ورعاية صحية”، تقول زوجة أخيهم “أم عمار” التي ترعاهم بعد وفاة حماتها (أمهم) منذ أعوام مضت.
أما الحاجة فتحية وابنتها، وكما المعاقون الثلاثة محمد وغادة وسعيد، اضافة ما يزيد على 250 طفلا يتيما مسجلون في كشوفات جمعية المحطة، اضافة الى عشرات الأرامل والمطلقات الموثقة اسماؤهم وحالاتهم بسجلات جمعية المركز الاسلامي في مخيم المحطة، كلهم يعانون بؤسا وتدهورا معيشيا، ويحتاج العديد منهم الى دعم نفسي واقتصادي يتجاوز بضعة دنانير تمنحهم إياها “المعونة الوطنية”.
ما ضاعف المعاناة مع الفقر وضعف الخدمات في مخيم المحطة، بروز شبح ترحيل عشرات العائلات من منازلها بالمنطقة، بعد ان تقدم عدد من مالكي اراضي المنطقة بدعاوى قضائية مؤخرا لاسترداد الأرض وإعادتها إليهم وازالة “الاعتداءات الواقعة على اراضيهم وإعادتها الى الوضع الذي كانت عليه في ستينيات القرن الماضي. 
 عائلات أرهقها الفقر والعوز
خلف باب حديدي مهترئ، قضبانه أشبه بزنزانة تحت الأرض، تتنفس الأرملة فتحية هواء غرفتها التي استأجرتها قبل 70 عاما في المحطة، بسعر رمزي لا يتجاوز 20 دينارا، فيما تملك تأمينا صحيا من وكالة الغوث يؤمنها بالعلاج المجاني وأدوية تساعدها على الحياة، لترعى ابنتها الأربعينية المصابة بـ “تخلف عقلي”.
رغم الوحدة التي تعيشها بغرفتها، بعد أن توفي زوجها ثم سلبت الحياة أولادها منها، تمسكت فتحية بتراب المخيم وظلت تصلح سقف غرفتها وجدرانها، كلما توفر لديها مال يقدمه “أولاد الحلال” حسب قولها، وفي الوقت ذاته تخبئ ذكرياتها في خزانتها الخشبية وترتدي قلادتها من مفاتيح حديدية.
تجاوز عمرها 85 عاما، وما تزال تتكئ على عصا قديمة، تستند عليها وهي تجوب أحيانا بتثاقل بين أزقة منطقتها بالمحطة بحثا عن ابنتها، التي تتسلل باستمرار خارج المنزل لشراء (عصير) يروي ظمأها، غير مدركة أن الوقت لساعات طويلة قد داهمها. 
تجر الحاجة فتحية في كل يوم أذيال الخيبة من تحسين الوضع المعيشي والنفسي لابنتها التي تفقد أعصابها وتعتدي على والدتها “أن جعلتها حبيسة المنزل”، فقد تقوس ظهر الحاجة، وضعف نظرها وخفّ سمعها وهي لا تلهث وراء حطام الدنيا، غير أنها تحلم بتأمين رعاية لابنتها الأربعينية قبل أن تفارق الحياة، حسب قولها لـ “الغد”.
تدفن أمنياتها بصدرها قبل أن تنام تحت أغطية بالية لا توفر الدفء أبدا، وهي تمتلك صوبة كاز لكنها تعجز أحيانا عن تعبئة وقودها جراء الارتفاع المستمر لأسعار المحروقات. معبرة عن قناعتها بما قسم الله لها بـقولها: “معونة وطنية، وجمعية توفر لي بين فترة وأخرى طردا فيه مونة، والحمد لله نعمة وفضل” .
أما المريض العشريني “محمد” فلم تفارق الابتسامة وجهه، رغم إصابة عموده الفقري بمرض عضال جعله عاجزا عن الحركة، وعلاجه بات مكلفا جدا يفوق تأمينه الصحي المجاني، غير انه يكبت في داخله غصة ألم من الوضع النفسي والاجتماعي لأفراد أسرته، فوالدته الأرملة الخمسينية على “البركة”، وشقيقاته يعانين من تخلف عقلي، حسب قوله  لـ”الغد”.
يتابع محمد أخبار البلد بنهم شديد، وبخاصة تبريرات الحكومة لرفع الدعم عن الخبز و”فرض ضرائب تنهش جيب المواطن”، حسب قوله، مطالبا رئيس الوزراء أن يزور منطقته ليرى بأم عينيه طبقة الكادحين.
 يتمنى محمد الذي يتقاضى من المعونة الوطنية راتبا شهريا متواضعا، أن تجد الحكومة، متمثلة بوزارتي التنمية الاجتماعية والصحة، حلا لتحسين أوضاع أسرته وأغلب أسر “المحطة”، الذين باتوا ضحية لسياسات “متخبطة” لحكومات متعاقبة يدفع ثمنها المواطن.
ما يزال محمد “العبقري التكنولوجي” يلهث وراء نشرات الأخبار، التي يتابعها عبر محطات التلفزة وعلى هاتفه الخليوي، متمنيا أن يستيقظ من نومه ليجد “أن الحكومة أوقفت انحدار الأوضاع المعيشية” لطبقته التي ينتمي لها إلى ما دون مستوى الفقر.
 حراك شعبي ونيابي لوقف الإزالة
وهناك حراك شعبي ونيابي دائر بين أهالي مخيم المحطة بعد أن عقد اجتماع طارئ نهاية العام الماضي من أجل مواجهة خطر ترحيل ما يقارب 8 آلاف مواطن من منازلهم في المخيم، بعد أن وصلت بعض الأهالي إشعارات بالمثول أمام المحكمة، وفق عضو اللجنة المحلية لمنطقة المحطة جمال الأيوبي لـ “الغد”.
حضر هذا الحراك، وفق الأيوبي، النائب موسى هنطش ورئيس اللجنة المحلية في منطقة بسمان عمار الداوود وأعضاء اللامركزية فايز نحلة وحسام مشه وعودة البرايسة، في مقر نادي شباب المحطة.
وكان نواب المنطقة قاموا بإرسال كتاب رسمي إلى رئيس الوزراء من خلال مجلس النواب للاستفسار وإبداء المعلومات حول هذه القضية “القديمة الجديدة” ورؤيته لمستقبل المخيم بعد أن أغلق ملف “الإزالة” منذ العام 1996. 
المحامي تامر العبادي يؤكد لـ “الغد” أن الدعوة المرفوعة تحت مسمى “منع معارضة وأجرة مثل وإزالة تعدٍ” قضية “معقدة وشائكة وبحاجة لوقت من أجل استرجاع الحقوق لأهلها”، مشيرا إلى أنه “لا يوجد أي بناء أقيم في مخيم المحطة إلا بسبب شرعي، هو إذن البناء من الحكومة أو من وكالة الغوث المختصة باللاجئين”.
إن “كل مقيم في مخيم المحطة يملك حجج أرض استطاع من خلالها تركيب ساعة مياه وساعة كهرباء”، موضحا أن الذي “يتحمل تبعات هذا الأمر هي الحكومة أو الطرف الذي سمح بالبناء وليس المواطن نفسه”. 
“الموت أهون علينا من سلب أراضينا منا”، هذه العبارة ترددت على لسان أغلب سكان مخيم المحطة، مطالبين “الحكومة ودائرة الشؤون الفلسطينية بتحسين أوضاعهم المعيشية وخدمات البنية التحتية لمنطقتهم وتحديث مدرسة ابتدائية تتوسط سوق الخضار شيدت منذ العام 1942”.
هجرة سكان المحطة 
 هجرات متتالية من سكان المحطة لمنطقتهم وتأجيرها لسكان وافدين أغلبهم من جنسيات آسيوية ودول عربية مجاورة، ومعظم هذه الهجرات جاءت إما بسبب ضعف الخدمات الصحية والتعليمية وتردي شبكات الصرف الصحي وتراكم النفايات الصلبة، فيما عزا آخرون السبب إلى تحول مناطق في المحطة إلى “بؤر” للمخدرات، وزيادة المداهمات الأمنية على حارات المخيم بسبب ذلك. 
ووسط تخوفات سكان المخيم من تشريدهم لحين كسب قضيتهم واسترجاع أراضيهم، يصر المواطن علي الجرجاوي أن يبني منزله “لبنة لبنة”، رغم أن منزله يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة.
تقطعت السبل بالأربعيني الجرجاوي عندما بدأ يعمّر منزله منذ سنين، حتى وأن المياه تغمر منزله الترابي وتحولت غرفه إلى “وحل يتسلل إلى فراشه وفراش أولاده”.
يستند الجرجاوي وأفراد أسرته الخمسة على راتب تقاعدي لا يتجاوز 250 دينارا شهريا، بيد أنه كان محظوظا بأصدقائه المتعهدين في البناء الذين قسطوا عليه المبالغ المالية، ومع ذلك ما يزال عاجزا عن إنجاز ما يسمى بمنزل لائق للسكن.
رئيس جمعية الإغاثة والتمكين المجتمعي جهاد زغاتيت، أشار لـ “الغد” إلى أن “المدارس الحكومية مستأجرة وقديمة، منها على قمة جبل يهرول طلابها على عتبات درج طويل قديم يتكئ عليه طلبة الصفوف الابتدائية - نظام الفترتين - في مدرسة لبابة بنت الحارث الابتدائية”.
حتى طلبتها تكاد أنفاسهم تنقطع من اللهاث كي يصلوا الى صفوفهم المزدحمة. وسط تخوفات أهالي المنطقة من سقوط أولادهم من حافة الجبل إلى الأرض.
ويشير زغاتيت الى “إمكانية توسيع مدرسة سفانة بنت حاتم الطائي الابتدائية للبنات عن طريق بناء جديد في ساحتها الخارجية لحل مشكلة الضغط الطلابي في صفوفها ليصل إلى 50 طالبا في الصف الواحد ما ينعكس على جودة التعليم وتسرب طلبتها القاطنين في المحطة والهاشمي الشمالي والجنوبي”.
 وكان نائب المنطقة محمد البرايسة قال لـ“الغد”: “إن وزارة التربية رصدت مؤخرا موازنة لمشروع توسعة مدرسة سفانة الحكومية في الساحة الخلفية، في خطوة منها لحل مشكلة التزاحم الطلابي داخل صفوفها”.
أفق معيشي مظلم ينتظر أغلب سكان المحطة وسط تهديدات بتشريدهم في حال لم تلق قضيتهم دعما حكوميا وشعبيا، ولحين اتخاذ قرار قضائي فاصل بالقضية، تبقى أغلب الأسر تتجرع العلقم وسط حقول ألغام الفقر والبطالة وضعف التعليم والصحة وتعبيد الطرق وإنارات الشوارع.