أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    23-Jun-2020

الجرأة في الفساد!*أحمد حمد الحسبان

 الراي

قبل أيام قليلة، أصدرت محكمة جنايات عمان قرارا بوضع أحد رؤساء البلديات بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة ثلاث سنوات. حيث أدانته بجناية شراء سيارة بقيمة 65 ألف دينار، على حساب البلدية وتسجيلها باسمه الشخصي. والطريف في هذا الموضوع أن المجلس البلدي كاملا قد وافق على تلك العملية، وعلى تفاصيلها كاملة.
 
القضية التي جرت أحداثها خلال العام 2018، وقال فيها القضاء النزيه كلمته، بحسب القوانين النافذة، تفتح الباب أمام تساؤلات عديدة، يحضرني منها اثنان:
 
الأول، التطور الذي شهدته ساحتنا المحلية فيما يخص الفساد، وبخاصة في مجال الجرأة على المال العام. فالتفاصيل التي حدثت فيما يخص تلك القضية تؤكد أن «أبطال الحالة» قد مارسوا اقصى درجات الجرأة، في تنفيذ مخطط لتنفيع رئيسهم. مخالفين بذلك القوانين التي تحكم عملهم، وتنظم عملية الشراء الرسمية.
 
وكما هي الطبيعة البشرية، فإن من يرتكب مثل تلك المخالفة ويمارس تلك الجرأة يكون على قناعة بأنه يستطيع تجاوز أية تبعات تترتب عليه في حال انكشاف الأمر.
 
وبالتوازي، هناك بعد آخر يتعلق بالجرأة، حيث يستسهل البعض مد يديه إلى المال العام، ويبرر لنفسه مثل تلك الأفعال، وبما يرتقي إلى الإفتاء الشخصي بجواز مثل تلك الممارسات.
 
والثاني، إحساسه بإمكانية التحايل على القانون، وتمرير ما يريد دون أن تنكشف العملية، وذلك استنادا إلى بعض الثغرات القانونية التي يمكن استغلالها، خاصة وأن آلية التشريع المعتمدة تسمح بوجود مثل تلك الثغرات.
 
فالعملية تكون محكومة بآلية التصويت المباشر على النصوص المطروحة في البرلمان، لا على الفكرة والموضوع، وغالبا ما تكون المقترحات مقدمة من نواب غير مختصين، وتحظى بموافقة أغلبية برلمانية لتصبح نافذة، دون اشتراط تمرير صيغتها على مختصين يضعونها بنصها الصحيح.
 
وفي مسار آخر، قد يكون مرتكب المخالفة الجريمة معتمدا على ضعف عمليات الرقابة في بعض المؤسسات، وبخاصة البلديات، حيث يتمتع المجلس البلدي بصلاحيات واسعة، مع أنها لا ترتقي إلى مستوى ما وقع به رئيس وأعضاء البلدية التي نحن بصدد الحديث عن موضوعها.
 
وبكل الأحوال، من غير المستبعد أن تكون العملية بمجملها مرهونة بالنظام الانتخابي ككل، سواء أكان نظام انتخاب البلديات، أو النواب. ففي كلا النظامين ثغرات يمكن أن تنعكس سلبا على مخرجات العملية الانتخابية، وبالتالي على مستوى الأداء البلدي أو البرلماني.
 
غير أن العملية لا تقتصر على ذلك فقط، فهناك بعد تربوي، قد يكون ذا أثر بارز على مثل تلك التجاوزات. فكما أن البعض يتحسس من استخدام قلم حبر من عهدة الحكومة في أغراض خاصة. هناك من «يشتري سيارة» على حساب المال العام. وهناك من يمارس الجرأة على المال العام بأقصى ما هو متاح، وبمبالغ طائلة.
 
ومن هنا لا بد أن تكون هذه القضية موضوعا لدراسة علمية معمقة حول الجرأة في الفساد، والثغرات التي تشجع على مثل تلك الممارسات المنبوذة والتي يعاقب عليها القانون. وأن تراعى فيها كافة الأبعاد القانونية والتربوية.