أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    25-Apr-2015

«استثمار أموال الأوقاف» .. تجربة الأردن بين السبق والتعثّر*محمد الأرناؤوط

الراي-في العقود الاخيرة لدينا صحوة على موضوع الاوقاف وأهمية استثمار أصولها لأجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولدينا في السنوات الاخيرة نهضة كبيرة في دول الخليج ، التي هي في بحبوحة ، في هذا المجال حتى أصبحت أصول الاوقاف المستثمرة بمئات المليارات سواء عبر وزارات الاوقاف أو في الجامعات (جامعة الملك سعود نموذجا) وفي الشركات الخاصة التي تؤسس على أوقاف وتُشكّل مجالس لادارات استثمارها (شركة الراجحي نموذجا).
و قد اثير الموضوع مؤخرا خلال ورشة عمل عقدت في مسقط تحت عنوان «الاوقاف والقضايا المعاصرة» ,وكان من الطبيعي أن تكون حاضرة تجربة الاردن نظرا لانها تشكل حالة خاصة بين السبق والتعثر خلال العقود الاخيرة. ومع أن الاوقاف دقت ناقوس الخطر في نهاية 2013 ، حين صرّحت ان العائد السنوي من استثمار أموال الاوقاف لايتجاوز خمسة ملايين دينار و»كان الاولى أن يكون 100 مليون دينار لو تمّ وضع خطط استراتيجية في استخدام هذه الاوقاف»، إلا أن الامور لم تسر كما كان متوقعا لكي توظّف هذه العوائد الكبيرة المفترضة في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد , رغم ان الاردن فيها السبق على مستوى المنطقة ثم التعثّر، كان وقف النقود والشبك بين المجتمع المحلي والجامعات من خلال الاوقاف الجديدة (وقف النقود وتشغيلها في أحد المصارف وتوظيف العائد منها لذوي الحاجات المختلفة في المجتمع).
ووردت اشارات مبكرة الى «وقف الدراهم» و «الدنانير المحبسة» في الوقف الاسلامي لدى أئمة الفقه في القرن الثاني الهجرى (لدى زفر والشيباني ومالك ابن أنس والزهري ) وصولا الى الامام ابن تيمية في القرن الثامن الهجري ، ولكن وقف النقود انطلق فجأة من العاصمة الاوربية للدولة العثمانية (ادرنه) في القرن التاسع لينتشر في البلقان أولا ثم في الاناضول بعد فتح القسطنطينية عام 857 هـ/1453 م ، ثم ليصل بلاد الشام (والقدس بشكل خاص) مع الفتح العثماني في القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي. وبذلك دخل «وقف النقود» ، الذي أجازه شيخ الاسلام آنذاك ابن كمال وكتب عنه رسالة بالعربية ، باعتباره «أحد اسهامات العثمانيين في الحضارة العثمانية».
ومع هذا التطور ، الذي اعتبر «ثورة في الفقه الاسلامي المتعلق بالاوقاف ، أصبحت الاوقاف أشبه بـ» بنوك اجتماعية» لان الواقف كان يحبّس المبلغ (الذي بدأ بآلاف الدراهم وأصبح بمئات الالوف) ويشترط في الوقفية أن يشغّل بربح سنوي محدد (10-12% غالبا) ويعود العائد منه الى جهة خيرية كالانفاق على قراءة القرآن وتعليمه وطلبة العلم وتقديم الوجبات المجانية للمحتاجين والمرضى الخ. ويلاحظ هنا ان الواقفين كانوا يحرصون على أن تقدّم الاموال الموقوفة على شكل قروض لمشاريع تفيد المجتمع وتدور الثروة فيه ، حيث كانت تقدم لحرفيين لاجل فتح ورشات لهم أو لتمويل تجار مع رهن أو كفيل يضمن استعادة المبلغ الموقوف.
ومع انه تجدد الحديث في المنطقة عن إحياء دور الوقف و الاقتصاد الاسلامي منذ سبعينات القرن الماضي ، حين أصدر د. شوقي الفنجري في 1972 كتابه الاول «الاقتصاد الاسلامي» وأسّس وقفه النقدي الاول في 1981 ، إلا أن الاردن هو الذي سجّل السبق في هذا المجال في 1987 حين تأسس وقف المرحوم سمير شما عن المسكوكات والحضارة الاسلامية بجامعة اليرموك.
وبفضل هذا الوقف الرائد أمكن تأسيس قسم للمسكوكات وإصدار أول مجلة علمية محكمة وابتعاث طلبة الخ واعتبر نموذجا للشبك الذي نحتاجه بين المجتمع المدني (أفراد ومؤسسات وبنوك) والجامعات. وفي 1990 احتضنت جامعة اليرموك ثاني تجربة بتأسيس وقف الشيخ صالح كامل للاقتصاد الاسلامي ، الذي كان بالمناسبة من رواد الدعوة الى تحديث مؤسسة الوقف وإعادة الاعتبار لها في المجتمع.
وفي هذا السياق قامت الكويت بتجربة رائدة مهمة في 1993 حين فصلت بين أموال الاوقاف ووزارة الاوقاف ، وشكّلت للاولى مؤسسة مستقلة(الامانة العامة للاوقاف) تشرف على ادارة استثمارات أموال الاوقاف بمهنية السوق وتوزع العائد منها على الفئات المحتاجة داخل وخارج الكويت. وقد نجحت الكويت أيما نجاح في ذلك حتى اعتبرت نموذجا مستلهما في دول العالم الاسلامي.
ولم يتأخر الاردن كثيرا في هذا المجال حيث تأسست في 2002 «مؤسسة تنمية أموال الاوقاف» كمؤسسة عامة مستقلة ذاتيا أصبحت تتولى الاستثمار الامثل لأموال الاوقاف وزيادة عوائدها للمساهمة في التنمية عبر الشراكة مع القطاع الخاص.
ومع أن المؤسسة سجلت بعض النجاحات في السنوات الاولى وعلى رأسها «الاستقلال مول» الذي خلق المئات من فرص العمل وأمّن للمؤسسة دخلا سنويا مع عائدية المبنى لها بعد 25 سنة من التشغيل ، إلا أن الامر كان يحتاج الى مزيد من الدعم القانوني.
وقد صدر بالفعل في 2012 «نظام استثمار أموال الاوقاف لسنة 2012» الذي نصّ في المادة الرابعة على «إيجاد وعاء مالي استثماري أو أكثر (وقفية نقدية) وتوزيع الارباح على البرامج الوقفية» ، إلا أن هذا التقدم تعثّر لاسباب لانريد الخوض فيها وانتهى الامر بتحويل المؤسسة الى مديرية تابعة لوزارة الاوقاف على عكس التحولات الجارية في العالم الاسلامي.
ومع هذا التعثر ، حيث لم تُسجل أوقاف نقدية تذكر حتى ذلك الحين ، قامت مؤسسة مؤسسة آل البيت للفكر الاسلامي ببادرة رائدة في العام نفسه (2012) حين بادر سمو الامير غازي بن محمد رئيس مجلس الامناء باعتباره مفوضا الى تأسيس وقفين نقديين كبيرين لخدمة العلم بقيمة أربعة ملايين دينار تستثمر لدى البنك العربي الاسلامي الدولي: «وقفية الملك عبد الله بن الحسين المكتمل لدراسة فكر الامام الغزالي ومنهجه» و «وقفية الملك عبد الله بن الحسين المكتمل لدراسة فكر الامام فخر الدين الرازي».
وفي الواقع ان هذه المبادرة الكريمة أحيت من جديد دور الوقف في انشاء وتمويل الكراسي العلمية ، وهنا في جامعة القدس الشريف و الجامعة الاردنية وجامعة العلوم الاسلامية العالمية ، وفي ابتعاث الطلبة وتنشيط البحث العلمي بواسطة اطلاق جوائز دولية. ومن المأمول الان أن تساهم هذه البادرة في إطلاق المزيد من الاوقاف النقدية في خدمة المجتمع.
ولكن ما أُخذ على تجربة الاردن في هذا المجال بعد الريادة التي سبق بها هو تغييب و تقصير الاعلام في التعريف بهذه التطورات الجديدة لكي يصبح الوقف جزءا من ثقافة المجتمع. فلو عدنا الى السنوات الواعدة لـ» مؤسسة تنمية أموال الاوقاف» 2002-2012 لوجدنا أن ماكتب عنها في الصحافة لايرقى الى ماتقوم به المؤسسات المشابهة في دول الخليج ، التي نجحت في ذلك نجاحا كبيرا حتى انه لا يمر اسبوع دون الاعلان عن وقف جديد.
*أستاذ الحضارة في جامعة
العلوم الاسلامية العالمية