أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    29-Jul-2015

المغتربون في رؤية جديدة*سامح المحاريق

الراي-التنمية الاقتصادية هي تراكم موضوعي لمعارف اقتصادية متعددة وليست مجرد وجهات نظر سياسية أو أيديولوجية وجدت من يتبناها في هذه الدولة أو غيرها، ولذلك فمن منظور التنمية تعتبر القوى العاملة التي تهاجر للخارج وتبقى متصلة ببلدانها نفسياً سواء قررت أن تعود أو بقيت في بلدان الاغتراب مع رعايتها لأسر في داخل وطنها، من الصادرات التي يجب أن يوليها الاقتصاديون أهمية كبيرة، فالعبرة في الصادرات ليست خروج السلع من الدولة المصدرة، ولكن قدرة الدولة في الحصول على تمويل إضافي بالعملة الصعبة من قبل أبنائها في الخارج.
ضمن هذه الرؤية يمكن أن ترحب جميع الفعاليات الوطنية بالمؤتمر الذي ينعقد في البحر الميت حالياً ويستقطب ممثلين عن المغتربين في الخارج، لا ننكر بالطبع الأثر النفسي والمعنوي المهم الذي يعزز من ارتباطهم المعنوي والنفسي بالأردن، والحضور الملكي أتى ليكون رسالة واضحة تعبر عن تقدير حقيقي واهتمام بالغ بالمغتربين وقضاياهم ومصالحهم، ولكن يجب أن يعرف جميع الأردنيين أن المغتربين ما زالوا بجميع الصور مساهمين في الحراك الاقتصادي في المملكة، حتى لو تغيبوا جزئيا عن التفاعل الاجتماعي.
يقدر عدد الأردنيين المغتربين بنحو 750 ألف مواطن، وهو رقم كبير قياساً بعدد سكان المملكة، وبالطبع، فإن بنداً رئيسياً من المؤشرات الاقتصادية يدور حول تحويلات المغتربين التي تعزز من الاحتياطات النقدية للمملكة بالعملة الصعبة، وتوفر سيولة إضافية من شأنها أن تحرك مختلف القطاعات الاقتصادية، ويمكن القول، بأن الالتفات للمغتربين كموضوع حيوي يعتبر نهجاً يعبر عن تغير في مفهوم الدولة في الأردن، وذلك أن الدولة الأردنية بدأت منذ سنوات تتخطى الفكر الوظيفي المركزي في رؤيتها لذاتها وعلاقتها مع العالم، لتتحول إلى دولة أكثر انفتاحا وإيجابية تدرك أن دورها يمتد ليشمل جميع المواطنين بغض النظر عن التواجد المكاني والملابسات الأخرى، بمعنى أنها بؤرة الاهتمام انتقلت ليصبح مركزها الإنسان وليس أي تجسد آخر للدولة.
ربما كان لتقنيات الاتصال، والإعلام الأردني بمختلف وسائله دور كبير في إعادة تعريف مسألة المغتربين وجعلهم أكثر تواصلاً مع الوطن الأم، ولكن ذلك لم يكن ليكتمل دون إعادة تعريف وزارة الخارجية لتضاف شؤون المغتربين بوصفها عنواناً، وبالتالي، مبرراً إضافيا لوجود الوزارة، ولا يمكن اليوم أن تتحدث أي سفارة عن اكتفائها بصيانة العلاقات البينية ومشاركتها في رعاية المصالح الأردنية دون أن تكون ملتزمة بصورة كلية وجذرية بقضايا الأردنيين المغتربين الذين يجب أن يحصلوا على خدمات الدولة الأردنية التي تلزمهم أثناء تواجدهم في اغترابهم على اختلاف درجاته وصوره.
التقطت وزارة الخارجية الرسالة الملكية، وحولتها إلى إجراءات واقعية، ولنترك جانباً بعضاً من الملاحظات حول المؤتمر والجوانب التنظيمية، ولكن يجب أن نتحدث في المقابل عن أداء حكومي غير متسق في العديد من ملفات المغتربين، وبعضها المغتربين لغير ضرورة وطنية، ودون تحقيق أي عوائد مجتمعية، وبالعكس، مع ضغوطات نفسية تقع على عاتقهم وعلى كاهل أسرهم، وأعني الطلبة الذين يدرسون بالخارج، فبينما تعتبر الأردن محطة لاستقطاب الطلبة من الدول العربية المختلفة، وعلى الرغم من وجود الكثير من الجامعات في المملكة، ربما بما يفوق دولاً كثيرة تقترب في عدد سكانها وظروفها من المملكة، إلا أن آلافاً من الطلبة يضطرون للسفر من أجل استكمال دراستهم في الخارج.
لنتحدث بصورة اقتصادية، فالطلبة بالخارج يكلفون المجتمع الأردني أموالاً طائلة تبقى المملكة بحاجتها، كما أنهم يمثلون ضغطاً على المرافق الدبلوماسية والقنصلية المتوفرة والتي يمولها الأردنيون، ولعل ما حدث مع طلبة الأردن في أوكرانيا دليل واضح على ذلك، ومع ذلك، فإن الحكومة ما زالت تخوض جدالاً وصراعاً لا طائل من ورائه حول مسألة التعليم العالي وشروطه، وهو ما يجب أن ينتهي لمصلحة الطلبة بوصفهم مواطنين أردنيين يضطرون لأن يصبحوا مغتربين دون تحقيق عوائد حقيقية على المستوى الشخصي أو الوطني.
الطلبة كانوا حاضرين بوصفهم جزءاً من المجتمع الأردني في الاغتراب، كانت الإشارات تتوالى من رئيس الوزراء ومن وزير الخارجية، وهم نتيجة لطبيعة المرحلة العمرية والتكوين الثقافي بحاجة إلى دولة تضطلع بحلول غير تقليدية، فما المانع من تعميم دراسة الطب في الجامعات الخاصة طالما أن ممارسة الطب أساساً مرتبطة بقرار من نقابة الأطباء واجتياز امتحانات يتم على أساسها تحديد كفاءة الطبيب وقدرته على ممارسة عمله، ويوجد خريجو كليات طبية لا يمارسون عملهم في مجالهم لأنهم لم يثبتوا جدارتهم بذلك، فلماذا يتم هدر الأموال الطائلة في ظل وجود جامعات أهلية تمتلك مستشفيات خاصة بها يمكنها أن تحتضن الطلبة، وتختصر تجربة الاغتراب غير البناء أو المنتج.
بالطبع كانت هناك العديد من الهموم، وبعض العتاب أتى من قبل سيدات ورجال أعمال أردنيين في الخارج، ولا يمكن تفهم إلى أين ستفضي متاهة المواطن في أروقة البيروقراطية، وما الذي يمكن أن يجري من أجل تجاوز العقبات البيروقراطية التي تواجه الجميع بمن فيهم مواطنون مغتربون ينظرون بكثير من التردد للعودة والاستثمار في وطنهم.
نتفهم أن البيروقراطية في نسختها الأردنية هي أحد المداخل لاستيعاب القوى العاملة في المملكة، والجهاز الحكومي متضخم في بعض مجالاته ودوائره، ولكن قرارات استقطاب الاستثمار ومتابعته وتشجيعه ورعايته لا يجب أن تبقى قراراً وظيفياً يعتمد على استكمال المعاملات واتساقها مع التعليمات التي يبدو كثير منها غير واضح أو معقدا من غير ضرورة، وربما كان رئيس الوزراء يعلم بالتحديد أي طريق يتوجب عليه أن يسلكه لإيجاد حلول لمعضلة الاستثمار التي لم تقف حائلاً دون استقطاب المزيد من الأموال للمملكة، ولكنها أدت أيضا إلى وجود هجرة لرؤوس الأموال للخارج بحثاً عن بيئة أعمال أكثر ايجابية.
المغتربون يبقون ثروة وطنية مهمة في الأردن، والمؤتمر في حد ذاته فرصة للاستماع والتعرف على همومهم وتطلعاتهم، ويجب أن تكون المتابعة على مستوى الاهتمام والتشجيع الذي كان واضحاً من قبل الملك، لا أن تكون مجرد مناسبة أخرى تضاف إلى مناسبات كثيرة بدأت مبشرة وانتهت إلى مجرد مؤسسات جديدة دون فاعلية أو تأثير.