أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    21-Jun-2020

لماذا الآن هو الوقت المناسب لوقف مشروع الباص السريع؟*الفرد عصفور

 الراي

النقل العام في عمان والأردن عموما مشكلة مزمنة لكنها ليست مستعصية. ولكن تشابك المصالح والتنفيعات المتبادلة تجعل المشكلة سرطانية مميتة. انفجرت العبقرية بمشروع الباص السريع منذ العام ألفين وثمانية لكن المشروع تعثر وسيبقى كذلك إلى أن يتم وقفه والاعتذار عنه والآن هو الوقت المناسب لذلك.
 
تشعر أمانة عمان أن المشروع ريادي لكن النتائج المأساوية التي ستنتج عنه ستكون أكبر من كل التوقعات. من حيث الكلفة فهي عالية جدا. تقسيم المشروع على عدة مقاولين باتفاقيات جانبية لا يجعل الكلفة قليلة كما تبدو في الظاهر. هناك قرض فرنسي اتفق عليه في العام 2010 بقيمة 117 مليون دينار بفائدة 4 في المئة لمدة عشرين عاما (وتم التعديل إلى ثمانية عشر عاما) أي أن قيمة السداد ستكون مئة وسبعين مليون دينار بإضافة الفوائد المستحقة.
 
أما خط عمان الزرقاء فكلفة بنيته التحتية مئة وأربعون مليون دينار ممولة من صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي عبر شركة يملكها بالكامل تحت اسم شركة الضمان للتأجير التمويلي مقابل نقل ملكية عدد من قطع الأراضي باسم الشركة بقيمة التمويل من خلال توقيع عقد تأجير تمويلي مع الحكومة.
 
بهذا تكون كلفة البنية التحتية للمشروعين 170 مليون دينار القرض الفرنسي وفوائده يضاف لها مئة وأربعون مساهمة الضمان ثلاثمئة وعشرة ملايين دينار وهي كلفة البنية التحتية فقط عدا كلفة الباصات نفسها والشركة التي ستقوم بالتشغيل. أما الخسائر المقدرة التي سيتحملها الاقتصاد الوطني جراء الإغلاقات والتحويلات الناجمة عن المشروع فيقدرها خبراء السوق بانها تبلغ عشرات الملايين من الدنانير وقد تزيد عن ذلك. بالإضافة إلى خسارة هدر الوقود بسبب الأزمات المرورية التي قدرها الخبراء بحوالي سبعين مليون دينار سنويا.
 
أي عبقرية هذه التي خططت للمشروع، ولو اجتمعت الإنس والجن والشياطين وأساتذة هارفارد وبرنستون وجامعة لندن للاقتصاد ليأتوا بمشروع يجسد الفشل واضطراب التفكير والخسائر المؤكدة لما توصلوا إلى هذا المشروع.
 
شبهات كثيرة دارت حول المشروع كان يجب معها وقفه في وقت مبكر. فالمشروع الذي أقرته حكومة عبد الله النسور توقف بالفعل في شهر أيلول عام 2011 بعد أن قال تقرير من ديوان المحاسبة أنه «لا يعود بجدوى على الصعيد الهندسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو البيئي ومن حيث وضعه المتعلق بالتصاميم والمسارات». واتهم تقرير الديوان أمانة عمان في حينه «بتنفيذ المشروع من دون استكمال الدراسات اللازمة والكاملة له من النواحي الهندسية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية».
 
في السادس من أيلول عام 2011 وضعت لجنة برئاسة وزير الأشغال العامة آنذاك يحيى الكسبي تقريرها حول مشروع الباص السريع بين يدي رئيس الوزراء معروف البخيت وقالت فيه بعدم إمكانية تنفيذ المشروع وفي العشرين من الشهر نفسه نقلت صحيفتا الدستور والرأي عن الوزير تصريحا بهذا المعنى وجاء فيه أيضا أن «فشل مشروع الباص السريع تتحمل مسؤوليته أمانة عمان». الغريب في الأمر أن الوزير نفسه وفي اليوم التالي اضطر لنفي تصريحاته بل والتصريح بعكس ما صرح به في اليوم السابق.
 
وعندما عاد وزيرا للنقل في حكومة هاني الملقي كان مؤيدا للمشروع وتحدث بمعلومات كانت قد أعلنتها وزيرة النقل في حكومة عبد الله النسور من قبله لينا شبيب وكأن الذي كتب الخبر استحضر نص تصريح الوزيرة قبل ثلاث سنوات ونسبه للوزير على أساس انه لا أحد يقرأ وان قرأ فلا يتذكر. في تلك السنة قالت وزيرة النقل في الترويج للمشروع أن الباص السريع سيكون مهيأ لنقل 410 ركاب في الساعة في سنة تشغيله الأولى عام 2018. وقالت إن كلفة المشروع 110 ملايين دينار ممولة من الصندوق الكويتي للتنمية. وفي الواقع لم ينفذ شيء مما قالته الوزيرة.
 
عادت الأمانة في العام 2013 بالتحضير مجددا للمشروع بناء على تعليمات من رئيس الوزراء عبد الله النسور وكان الأمين وقتها عقل بلتاجي. قالت الأمانة وقتها في تبرير العودة الى المشروع أن كلفته المتواضعة وسهولة تنفيذه وتطبيقه مقارنة مع التطبيقات الأخرى تجعل منه مشروعا مفضلا. لكن المشروع عاد وتعثر وتوقف وكان يجب الغاؤه.
 
هناك تصريحات لأمين عمان السابق عقل بلتاجي يقول فيها أن شائعات عن سرقة أموال القرض الفرنسي المخصصة للمشروع أخرت المشروع والا فانه كان سيكتمل في عام 2016. تصريحات بلتاجي في ذلك الوقت في شهر تشرين ثاني 2016 نقلت بصورة غير دقيقة وفهم منها انه تم سرقة القرض الفرنسي كله لكنه عاد ليوضح أن قصده كان وجود شائعات عن سرقة أدت إلى تأخير التنفيذ وتعطيله.
 
في منتصف عام 2019 نشطت الأمانة في تحريك المشروع من جديد ومنحت عطاءه لشركة أو شركات للتنفيذ وبدأت مرحلة معاناة جديدة للمواطنين من الإغلاقات والتحويلات. ليكون هذا المشروع الأكثر كلفة في تاريخ الأردن والأطول وقتا في التنفيذ قياسا إلى حجمه وكلفته ونتائجه.
 
شاب هذا المشروع الكثير من الشبهات واظهر الكثير من التخبط في التخطيط والتلكؤ في التنفيذ. الشوارع الرئيسية في عمان متعطلة بسبب الأعمال الإنشائية للمشروع ولكن للأسف من يمر من قرب مواقع العمل لا يجد عملا ولا يجد من يعمل إلا نادرا. واضح أن مقاولا واحدا اخذ المشروع كله ويقوم بتوزيع عماله بالتناوب بين المناطق. والواضح أكثر انه لا توجد رقابة ولا متابعة وكان الأمر لا يعني أحدا من المسؤولين في الأمانة أو الحكومة. تمر أيام عديدة على موقع معين بدون أي عمل على الإطلاق.
 
في 19 شباط 2020 صرح رياض الخرابشة مدير المشروع أن تقاطع المدينة الرياضية سيتم إنجازه أواخر أيار أو بداية حزيران وهذا حزيران يقترب من نهايته والعمل في تقاطع المدينة يبدو وكأنه في أوله وما زلنا ننتظر.
 
وليس بعيدا عن الباص السريع مشروع باص عمان حيث شغلت الأمانة أكثر من خمسين حافلة متوسطة وكبيرة على الخطوط الداخلية لكي يكون مغذيا لحركة الباص السريع في عمان. ولكن حتى هذا المشروع شابته شبهات. فقد شكك مقال للصحفي أسامة الراميني نشره في موقع وكالة هرمنا الإخبارية في حزيران عام 2019 نشره أكثر من موقع ألكتروني في كفاءة تلك الحافلات وشككت في معايير جودتها.
 
امر غريب أن تقوم أمانة عمان من خلال شركة مملوكة لها بالكامل بتجارة خاسرة بهذا الشكل الذي لا يمكن أن يقوم به تاجر بسطة. هل يعقل أن الأمانة عبر شركة «رؤية عمان» تدفع 18 مليون دينار ثمن حافلات ثم تعطيها لشركة خاسرة يباع سهمها بخسارة تصل إلى خمسين في المئة من قيمته الاسمية وديونها تقترب من 17 مليون دينار بواقع 113 في المئة من رأسمالها لتشغيلها وتدفع للشركة سنويا عشرة ملايين دينار فرق أسعار تذاكر؟
 
على فكرة الشركة تأخذ من الجامعة الهاشمية فرق تذاكر بمبلغ يزيد عن 440 ألف دينار سنويا.
 
يعني الأمر أشبه بشخص يبني بيتا ويمنحه لشركة عقارية ثم يأتي ليستأجره منها. هل يوجد عبقرية أجمل من هذه العبقرية؟ لو سألت بياع بسطة في الوحدات لقال لك اعطي امتياز تشغيل باصات في عمان لإحدى الشركات ونم مستريحا. أما ما قامت به الأمانة مع الشركة التي تشغل باص عمان فهي تجارة مضحكة وليس فقط تجارة خاسرة ولذلك من المؤكد انه توجد فيها شبهات تحتاج تدقيقا قضائيا من قبل خبراء ومختصين.
 
لنعد إلى الباص السريع والأحق أن يسمى الباص الصريع. فتكلفة بنيته التحتية فقط ثلاثمئة وعشرة ملايين دينار وهي فقط للشارع والرصيف والمواقف والأدراج الكهربائية وربما الواي فاي أيضا. أما أثمان الحافلات فهي أربعون مليون دينار بأسعار عام 2009 واليوم ربما صارت مئة مليون. يضاف إليها كلفة التشغيل. وربما تزيد عليه الأمانة بان تقدم للشركة التي ستشغل الباصات فرق تذاكر بعشرين أو ثلاثين مليون دينار سنويا.
 
هل يتوقع صاحب فكرة المشروع أن الناس بين عمان والزرقاء ستضع سياراتها جانبا لكي تستعمل الباص السريع لهذه المسافة القصيرة؟ أو حتى الناس في عمان هل يمكن أن يتركوا سياراتهم الخاصة لاستعمال الباص السريع الذي لا يغطي غير مساحة ضئيلة من عمان؟
 
فكرة الباص السريع تشبه فكرة من يريد أن يعلم طفله الرقص قبل أن يعلمه المشي. أو كما وصفتها الصحافة الأردنية في الماضي وكأنها اختراع مركبة فضائية أو رحلة إلى المريخ.
 
تعلم أمانة عمان أن ثمن الباص الكبير سعة خمسين راكبا ما بين 130-140 ألف دينار. أي انه يمكن أن يتم إنشاء شركة حكومية تشتري من شركة إلبا هاوس الأردنية ألف باص (1000X130000 = 130 مليون دينار) وتغطي كل عمان. (على فكرة شركة إلبا هاوس تصنع باصات من طابقين للعراق ومصر).
 
مهما تكن تكلفة الباصات الألف ومهما تكن تكلفة التشغيل فانه يجب أيضا أن تكون أسعار التذاكر شبه مجانية ومجانية لكبار السن لان النتائج الناجمة عن التشغيل بهذه الطريقة سيكون لها مردود كبير ومربح للغاية على المدى البعيد.
 
عندما يتم تشغيل حافلات بإعداد كبيرة على جميع خطوط عمان وبين عمان وكل من الزرقاء ومادبا والسلط وتكون أسعارها شبه مجانية (بطاقة بعشرين ديناراً شهريا) لكل الخطوط ولكل الأوقات فان الوفر بعيد المدى سيشمل: تخفيض فاتورة النفط السنوية، وتخفيض استيراد البنزين، تخفيض فاتورة استيراد السيارات وقطع السيارات، تخفيض كلفة الحوادث، توفير أوقات الناس، تخفيض نسبة التلوث البيئي وبالتالي تخفيض نسبة الإصابات السرطانية التي هي في الأردن من الأعلى في العالم. وكل هذه الكلف ستدفعها الحكومة في حال بقي الوضع على ما هو عليه. إلا إذا كانت مافيا مستوردي السيارات ومستوردي القطع ومستوردي البنزين ومستوردي الأدوية وسماسرة النفط لا يريدون ذلك. (في الأخبار أن ألمانيا تدرس جعل النقل العام مجانا لتحقيق ذلك).
 
لن تكون كلفة النقل العام مهما كلف بحجم كلفة فاتورة النفط وفاتورة التلوث البيئي وفاتورة الأمراض السرطانية وفاتورة استنزاف العملات الصعبة لاستيراد خردة سيارات العالم.
 
وقف مشروع الباص السريع اليوم قبل الغد يجب أن يكون مطلبا وطنيا ولنوقفه بإرادتنا قبل أن نوقفه رغما عن إرادتنا وقبل فوات الأوان.