أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    28-Jun-2020

الحقيقة الاقتصادية والاستجابة الحكومية*جمال الطاهات

 الدستور

تاريخ علم الاقتصاد يؤكد، أن فهم صناع السوق ومصممي السياسة الاقتصادية، للواقع الاقتصادي، جزء لا يتجزأ من هذا والواقع وآليات تشكيله. فالكساد الاقتصادي، هو ثمرة عدم التوافق بين الحقيقة الاقتصادية (كانعكاس لفهم صناع السوق لها)، وبين السياسات الحكومية لمعالجة الركود الاقتصادي، عبر التطبيق الاعتباطي للقوانين الاقتصادية. 
 
احتدام الحوار حول دور الحكومة الاقتصادي قبل مئة عام، واجهه كينز بمقولة: «القوانين الاقتصادية لا تصنع الحقائق، بل تبين تبعاتها». ففي ذروة الاستقطاب الأيديولوجي لاشتقاق دور الحكومة الاقتصادي، تبلورت مقاربة تكاد تتطابق مع مقولات ميكانيكا الكم، بأن (فهم الواقع الاقتصادي، مكون أساي لحقيقة هذا الواقع). 
 
 اتساع طيف الممكنات لدور الحكومة الاقتصادي، وارتباطها بالتحولات في الواقع الاقتصادي نفسه، تؤكد عدم وجود مقولة كونية ثابتة وراسخة (إلا عبر اوهام الأيديولوجيا)، عن دور اقتصادي ثابت للحكومات. إذ أن «الحقيقة الاقتصادية» واقع متغير (سلباً او يجاباً)، بفاعلية فهم صناع السوق والحكومات لها. حتى ملتون فريدمان حين قدم تفسيره للكساد العظيم، لم يستطع أن يتجاهل الوقائع، وأقر بأن الكساد هو تزامن انهيار ثقة المستثمرين بالأسواق، مع احجام البنك المركزي الأمريكي عن القيام بمهامه الصحيحة. فعجز مجلس الاحتياطي الفيدرالي الامريكي عن قراءة صدمة 23، أكتوبر، 1929 بشكل سليم (حسب فريدمان)، قاده إلى خيارات عمقت الركود وحولته إلى كساد مزمن. فالازمة الاقتصادية تتكرس وتتعمق بسبب اختلال، أو عدم ملائمة استجابة الحكومة، في مواجهة «الحقيقة الاقتصادية». فالأزمة هي ناتج عن «عجز صناع السياسة الاقتصادية» عن استيعاب «قهم صناع السوق» للحقيقة الاقتصادية. 
 
وحتى تستطيع الحكومات، تطوير وسائل قياس وتوجيه لدورها، أُعتمد النموذج المتدرج لتوصيف الأزمات الدورية للسوق. حيث تبدأ بالتباطؤ (انخفاض معدلات النمو)، وهذه خصيصة من خصائص السوق. ثم الركود (حيث تقترب معدلات النمو إلى الصفر، أو أقل)، وهذه حالة، متعلقة بفهم صناع السوق «للحقيقة الاقتصادية»، وهي تستدعي إعلان حالة الطوارئ في أي اقتصاد. ومن ثم الكساد وهو استمرار للركود لأكثر من سته أشهر، وهو مؤشر على فشل الحكومة في استخدام أدوات السياسة الاقتصادية (كما يعتقد ملتون فريدمان)، بشكل ينسجم مع الحقيقة الاقتصادية التي تتشكل بفاعلية فهم صناع السوق لها. 
 
فالتباطؤ، والركود، منتجان للسوق، وهما من نواتج الدورات الاقتصادية الطبيعية، متعلقان بفهم نشطاء السوق للحقيقة الاقتصادية. ولكن الكساد، تعبير عن اخفاق السياسات الاقتصادية، متعلق بالفجوة بين «فهم» صناع السياسة «للحقائق الاقتصادية» وصناع السوق لها، يقود إلى إجراءات حكومية غير مناسبة، كما حصل عام 1929. 
 
وهذا التدرج، يساعد على توظيف قانون (جي. بي، ساي)، لتطوير نظرية «الانتاج غير المتناسب» لفهم الركود. فبموجبها، فإن الركود منتج للتشوه وعدم التناسب بين قطاعات الانتاج. زيادة الانتاج أو نقصه في إحدى القطاعات، بشكل غير متناسب مع الانتاج في القطاعات الأخرى، يؤدي إلى ركود. وهذا يبسط مهمات السياسة الاقتصادية، ويركزها على «تحفيز النمو» في قطاعات محددة، لمنع استمرار الركود.
 
وحيث أن علم الاقتصاد، جزءٌ لا يتجزأ من الحقيقة الاقتصادية، وليس متعالياً عليها، كما الادوات المعرفية (مفاهيم ونماذج اقتصادية) المنتجة للفهم الموجه للنشاط الاقتصادي والسياسات الاقتصادية، مكون أساسي من مكونات الحقيقة الاقتصادية، وجزء لا يتجزأ منها. فإن التوصل لأساس موضوعي لتطوير أدوات السياسة الاقتصادية، أولاً يمكّننا من ضبط الالتباس المتعلق بتداخل «الحقيقة الاقتصادية» مع طريقة فهمها. وثانياً يضمن الانسجام بين فهم صناع السوق، وفهم صناع السياسة الاقتصادية، لذات الحقيقة الاقتصادية الماثلة في فترة زمنية محددة، ويسهل رحلة الخروج من الركود، ومنع الكساد.