أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    18-Feb-2021

سعر الفائدة.. المتغير الأكثر جدلاً في تركيا سياسياً واقتصادياً منذ عقود

 إسماعيل جمال

القدس العربي- منذ عقود طويلة، ما زال سعر الفائدة المتغير الأكثر جدلاً في تركيا سياسياً واقتصادياً، لا سيما في العقدين الأخيرين من حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يصر على ضرورة خفض أسعار الفائدة ويصف نفسه بـ”عدو الفائدة” لكنه ما يلبث أن يواجه صعوبات اقتصادية تدفعه مجبراً على القبول مجدداً برفع أسعار الفائدة.
 
ولا تلبث أن ترتفع أسعار الفائدة حتى يتم خفضها بناء على رغبة أردوغان، ولا تلبث أن تنخفض حتى يُجبر صناع القرار الاقتصادي والسياسي على رفعها لمواجهة الآثار الصعبة لها على الاقتصاد، وهو ما خلق حالة من عدم الاستقرار أضرت بالاقتصاد بشكل عام والعملة التركية والمستثمرين بشكل خاص.
 
يقول أردوغان إنه العدو الأول لأسعار الفائدة ويهاجم بشكل متكرر ما يصفه بـ”لوبي الفائدة” الذي يلقي عليه باللائمة في الكثير من الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد، كما يؤمن أن رفع أسعار الفائدة هو ما يؤدي إلى رفع نسبة التضخم، مشدداً على أن التضخم نتيجة وليس سبب، وهو ما يختلف معه معظم الاقتصاديين في تركيا وخارجها الذين يدعون لرفع أسعار الفائدة لخفض التضخم الذي وصل في تركيا إلى أكثر من 15٪.
 
ومنذ وصوله إلى الحكم عام 2003، سعى أردوغان عبر الحكومات المختلفة التي ترأسها أو من خلال موقعة في الرئاسة للضغط بشكل دائم على وزراء الاقتصاد والبنك المركزي من أجل خفض أسعار الفائدة، وهاجم على مدار العقدين الماضيين العديد من رؤساء البنك المركزي الذين قاوموا الضغوطات ورفضوا خفض أسعار الفائدة.
 
وبعدها منحت التغييرات الدستورية الأخيرة بموجب النظام الرئاسي الرئيس صلاحية تعيين رئيس البنك المركزي، تدخل أردوغان أكثر من مرة وغير رئيس البنك المركزي وهو ما اعتبرته أوساطاً محلية ودولية تدخلاً مباشراً من قبل الرئيس والحكومة في استقلالية البنك المركزي، إلا أن أردوغان يرد على ذلك بالقول إن على البنك المركزي العمل بما يتلاءم مع التوجهات الاقتصادية للرئيس لا العمل بمنعزل عنه.
 
وفي السبعينيات من القرن الماضي، كانت أرقام الفائدة الرسمية الصادرة عن البنك المركزي بمتوسط 10٪، وفي الثمانينيات ارتفعت تدريجياً لتصل إلى قرابة 50٪، وفي التسعينيات وصلت إلى أعلى نسبها رسمياُ عند قرابة 60٪ وعملياً إلى قرابة 90٪، وعند استلام حزب العدالة والتنمية الحكم بحلول عام 2003 كانت نسب الفائدة قرب الـ50٪.
وفور تسلمه السلطة، بدأ أردوغان بطرق مختلفة محاولات لخفض نسب الفائدة وحافظ على معدلها بمتوسط 25٪ حتى عام 2008، ولاحقاً إلى متوسط 15٪ حتى عام 2012، في حين نجح لأول مرة في إنزال سعر الفائدة لخانة الأحاد عام 2014 بفائدة 9٪، وإلى 7.8 عام 2017، وهي أفضل سنوات الأداء والاستقرار الاقتصادي لحكومات العدالة والتنمية.
 
ومع تصاعد الاضطرابات في المنطقة، وزيادة تأثيرات الأزمة السورية على الداخل التركي وتعاظم الخلافات والصراعات في المنطقة والتي انخرطت فيها تركيا، ومع حدوث محاولة الانقلاب عام 2016، عاد الاقتصاد التركي ليواجه تحديات غير مسبوقة أعادت الاضطراب بشكل كبير إلى أسعار الفائدة والتضخم وتحول منحنى الانخفاض الذي انتهجه أردوغان على مدار 15 عاماً إلى التذبذب بقوة.
 
فبعد أن أضطر إلى رفع الفائدة مجدداً إلى قرابة 25٪ للسيطرة على الانخفاض الحاد جداً في أسعار صرف الليرة التركية، وخلال تولي صهره بيرات البيرق وزارة الخزانة والمالية، أجبر أردوغان البنك المركزي على خفض أسعار الفائدة لمستويات جديدة غير مسبوقة، فبعد أن وصل سعر الفائدة في تركيا إلى 25٪ تمكن من خفض هذه النسبة إلى أقل من 10٪ مجدداً.
 
لكن ومع تعاظم التحديات الاقتصادية، وانخفاض العملة التركية لمستويات تاريخية غير مسبوقة، والاستقالة الغامضة لوزير المالية بيرات البيرق العام الماضي، اتخذ أردوغان قراراً بإجراء إصلاحات اقتصادية وعين وزيراً جديداً للمالية قبل أن يعيد تغيير رئيس البنك المركزي، مانحاً إياه صلاحيات للقيام بأي خطوات يمكن أن تساعد في السيطرة على الانخفاض الحاد في قيمة العملة التركية، وكان رفع سعر الفائدة هو الخيار الأول للرئيس الجديد للبنك المركزي، حيث وعد أردوغان ووزير المالية ورئيس البنك المركزي في تصريحات مختلفة بتعزيز استقلالية البنك المركزي وتشديد السياسة النقدية في محاولة لإعادة ثقة المستثمرين بالاقتصاد التركي.
 
والخميس، أبقى البنك المركزي التركي على سعر الفائدة الرئيسي عند 17 بالمئة، وذلك دون تغيير للشهر الثاني على التوالي بعد رفعها بشكل كبير مرتين بهدف تهدئة التضخم الذي صعد إلى 15 بالمئة، وقال البنك إن تشديد السياسة سيستمر لفترة طويلة ووعد بمزيد من رفع الفائدة إذا اقتضت الحاجة، على الرغم من أن سعر الفائدة التركية هو الأعلى في جميع الاقتصادات المتقدمة والناشئة.
 
وقال البنك في بيان بعد الاجتماع الشهري للجنة السياسة النقدية به: “موقف السياسة النقدية الذي يميل للتشديد سيستمر بشكل قاطع، مع الأخذ في الحسبان هدف توقعات أواخر 2021، وذلك لفترة طويلة إلى أن تشير مؤشرات قوية إلى تراجع دائم للتضخم واستقرار الأسعار”، مضيفاً: “من المقرر تطبيق المزيد من التشديد النقدي إذا اقتضت الحاجة”.
 
وأدى التذبذب والتغيير الكبير في أسعار الفائدة إلى تراجع ثقة المستثمرين، وهو ما دفع بوزير المالية الجديد لتقديم تطمينات عبر تصريحات مختلفة بأن رفع أسعار الفائدة هذه المرة لن يكون مؤقتاً وسيستمر لفترة طويلة في محاولة لطمأنة المستثمرين وحثهم على تحويل ودائعهم إلى الليرة التركية، لكن اقتصاديون يشككون في قدرة الوزير على الوفاء بتعهداته على المدى المتوسط أو البعيد لا سيما في ظل تأكيد أردوغان في كل مناسبة معارضته رفع أسعار الفائدة التي ما يلبث أن يجدد الضغط على البنك المركزي لخفضها عقب تحقيق استقرار جزئي في سعر صرف العملة التركية.
 
لكن مقربون من وزير المالية الجديد ناجي أغبال يرون أن الوزير حصل على مساحة جيدة من الرئيس التركي للعمل بما يصب في مصلحة الاقتصاد التركي والحفاظ على الاستقرار لا سيما فيما يتعلق بسعر صرف الليرة وخفض نسبة التضخم حتى ولو كان ذلك على حساب رفع أسعار الفائدة، معتبرين أن الوزير لديه القدرة على اقناع أردوغان بأي إجراءات اقتصادية حتى لو كانت لا تتوافق مع رغبة الرئيس التركي.