أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    15-Sep-2017

مالية الدولة: "على قد لحافك مد رجليك" *صبري ربيحات

 الغد-الأردن بلد صغير الحجم محدود الموارد الطبيعية، لكنه يملك ثروات غير مادية هائلة يمكن توظيفها واستثمارها ليتحول الى احد اهم القوى الاقتصادية والسياسية في الاقليم والعالم، فإلى جانب الموقع الجغرافي المتوسط والثروة الحضارية التي تشكل سجلا ومتحفا لحركة التاريخ الانساني يوجد اليوم اكثر من مليون اردني ممن يحتلون مواقع متقدمة في ادارة واقتصاد ومؤسسات العديد من دول العالم الصناعية والنامية يملك بعضهم ثروات واستثمارات كبيرة في الاقتصادات والاسواق العالمية.

الصرخات التي نوجهها تباعا حول تشجيع واستقطاب ووقف هروب وتحسين بيئة الاستثمار صرخات في غير مكانها وتشير الى عمق الازمة وقصور ادوات المعالجة. السؤال الاهم الذي ينبغي التصدي له يتعلق بالاسباب التي تدفع بخيرة الكفاءات الاردنية للهجرة وترك البلاد عند اول فرصة ومراودة حلم الهجرة لمن تبقى بما في ذلك الاشخاص قليلو الخبرة والكفاءة. ولماذا اصبح الموطن طاردا لابنائه الذين اضحوا يفضلون الاقامة في دبي والدوحة ولندن ونيويورك على العمل في بلدهم الذي جرى تهيئتهم وإعدادهم في مدارسه ومؤسساته.   
بالرغم من النوايا الاصلاحية ووجود بعض المحاولات هنا وهناك الا ان التحديات والمشكلات والعوائق ما تزال قائمة يعرفها الجميع ويتحدث عنها البعض بوضوح ويلمح لها البعض من وقت لآخر. الاحتكار والشللية والفساد واختلاط العام بالخاص والترهل وعدم وضوح الرؤية وتوالد المؤسسات والمجالس التي لا تعمل وقلة ومحدودية المعلومات عن الفرص والتعقيدات التي يواجهها المستثمر وغياب مفهوم استقرار التشريعات وغيرها من العوائق ما تزال قائمة بالرغم من التأكيد مرارا على اهمية ازالتها. 
اليوم هناك قناعة لدى الجميع بأهمية اجراء الاصلاحات لكن معظم الافكار والمحاولات تنصب على الجوانب المالية ولا تطال بشكل واضح المجالات الاقتصادية والادارية والثقافية. الامر الذي يدفع بالكثيرين للتساؤل عن جدوى هذه الاصلاحات ومردودها في ظل غياب تصور شمولي للاقتصاد والثقافة والادارة والمجتمع ونوعية الحياة والمستقبل.
 في الأردن لا يختلف اثنان على ان الاوضاع المالية للدولة صعبة جدا. ولا يوجد من يعارض فكرة بناء قدراتنا الذاتية والتوجه نحو الاعتماد على الذات. لا بل يذهب البعض، وأنا منهم، الى اهمية اغلاق ملف المساعدات الخارجية والمنح الخليجية وغير الخليجية تماما باعتبارها أحد اسباب التشوه في التخطيط المالي على مدار عقود من الزمان، واتمنى لو تتبنى الدولة سياسات وموازنات مالية ذات صيغ تقشفية تتناسب مع واقعنا ومواردنا الذاتية لنؤسس لنهج جديد يلغي مظاهر الترف ويغير من طرق وانماط الاستهلاك التي اعتدنا عليها. 
وسط تسريبات تعديل الضريبة وتطمينات الدولة بأن لا تمس التعديلات جيوب الفئات محدودة الدخل يبدي الناس على كافة المستويات قلقهم ومخاوفهم من استمرار نهج اللجوء الى دخول المواطنين لتصويب الاوضاع المالية للدولة التي لا تلقي بالا للمقترحات التي يطرحها الناس والنواب والمحللون لوقف تفاقم المديونية وتزايد العجز وتنامي الحاجة إلى مزيد من الدعم للموازنة.
 في الجولة السابقة من رفع الاسعار والضرائب أطلقت الحكومة العديد من التصريحات حول حرصها على حماية الفقراء ومحدودي الدخل وحاول الرئيس جاهدا أن يقنع الأردنيين بأن لا ارتفاع على السلع التي يستهلكها الفقراء، مؤكدا على معرفته بأن "البلابيف والسردين" مواد ينبغي حمايتها والحفاظ على اسعارها كسلع غذائية اساسية الى جانب الخبز والسكر والارز وغيره من المواد التي يعتمد عليها المواطن في غذائه اليومي.
 مهما تكن الاسباب وايا تكن الاجراءات فالمواطن الاردني ليس متيقنا بأن التعديلات الضريبية وغير الضريبية التي تفكر بها الدولة لن تمس حياته، لكنني على يقين بانه يطمح ويتطلع الى تغيير في النهح الذي تتبعه الدولة في التعامل مع القضايا الوطنية، والى اصلاحات اقتصادية جذرية وشاملة تكافح الفساد وتقضي على الشللية والاحتكار وتحسن بيئة الاستثمار وتجعل من الاردن بلدا يوفر لابنائه سبل العيش بكرامة وعزة ويؤمّن له الحماية والحقوق ويشجعه على البقاء والعمل والاستثمار ويحد من الرغبات المتنامية للهجرة والرحيل.