أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    19-Mar-2018

بنك الطعام في ألمانيا يثير الجدل حول الهوة بين الفقراء والأثرياء وسط مطالب بإلغائه

 د ب أ:عندما يدخل الزائر مستودعا تديره مجموعة من المتطوعين التابعين لبنك الطعام الخيري «برلينر تافل» في العاصمة الألمانية برلين، يطالعه تل كبير يصل ارتفاعه إلى مترين، ويحتوي على مختلف أنواع النباتات التي تستخدم في إعداد السلطة مثل الطماطم والشومر وغيرها، والتي في طريقها إلى التحلل ببطء بعد أن انتهت فترة صلاحيتها للأكل.

وهذه الكمية الكبيرة من الأطعمة والتي لم تعد تصلح للاستخدام الآدمي تم خلال الأسبوعين الماضيين وضعها داخل حاوية واسعة، وتقول سابين فيرث وهي واحدة من مؤسسي «برلينر تافل» أنه «بخلط الخضروات المتحللة بالفحم، نقوم حاليا بإنتاج سماد عضوي مرتفع القيمة لاستخدامة في الزراعة العضوية، وهو سماد يُعرف لدى الخبراء باسم التربة السوداء بسبب الخصوبة التي يعطيها للأرض الزراعية».
وتبلغ فيرث من العمر 62 عاما ونقلت فكرة هذه المنظمة الخيرية من الولايات المتحدة.
أما الأطعمة التي لا تزال صالحة للأكل فتوضع داخل صناديق كرتونية نظيفة لتوزيعها على الأشخاص المعوزين، سواء كانت هذه الأطعمة عبارة عن فاكهة أو خضروات أو خبز أوزبادي أو لحوم باردة، وتأتي غالبا من فائض السلع التي لم تستطع متاجر السوبرماركت بيعها أو لم تعد بحاجة إليها.
بل ان زجاجات إزالة رائحة العرق والشامبو وجيل الاستحمام، والتي يضطر ركاب الطائرات إلى التخلى عنها، أمام بوابات الفحص الأمني في المطارات، تعرف طريقها إلى هذا البنك الخيري.
 
25 عاماً من الخدمة
 
وبلغت منظمة «برلينر تافل» من العمر 25 عاما وتم تقليدها في جميع أنحاء ألمانيا. وما بدأت كحملة صغيرة لتوزيع مختلف أنواع المخبوزات من جانب مجموعة من النشطاء بسياراتهم الخاصة، أصبحت الآن واحدة من أكبر المنظمات الخيرية في ألمانيا. وتقول ستيفاني بريسغوت، التي تعمل بالمنظمة الخيرية الأم «يوجد حاليا في مختلف أنحاء ألمانيا 937 فرعا لمنظمة برلينر تافل»، ويستفيد ما يصل إلى 1.5 مليون شخص بشكل منتظم من الخدمة، وهو يعد رقما يثير الدهشة وسط التعداد السكاني لألمانيا الذي يبلغ ما يقرب من 83 مليون نسمة. ومن بين الأشخاص الذين يحصلون على معونات هذه المنظمة آباء يعيشون بمفردهم، وأسر كبيرة العدد، وكبار السن، ومتعطلون عن العمل، وطلاب ولاجئون.
في المقابل يرى عالم الاجتماع ستيفان سيلكه أن توزيع المنظمة الخيرية للأطعمة على الفقراء في ألمانيا يعد فضيحة، ويقول مشيرا إلى الثروة الكلية لألمانيا «إن هذه المعونة تعد بمثابة خدمة إنقاذ فقط لمجتمع منهك اجتماعيا يلفظ عددا متزايدا من أعضائه يوصفهم زائدين عن الحاجة.”
غير أن فيرث لديها هموم عاجلة أخرى تتمثل في أن حجم فوائض الأطعمة يتراجع مع إصلاح متاجر السوبر ماركت وغيرها من منافذ البيع لنظمها وإعادة ترتيبها، ومع قدرة المنتجين على تقليص حجم الهدر والفاقد في منتجاتهم سعيا وراء تحقيق الكفاءة، كما أن فيرث صارت تواجه منافسة من جانب آخرين داخل حركة «تافل».
وفي معرض وصفها لهذه المنافسة تقول أنه «يتم تجاهل الحدود بين الولايات المختلفة، وأصبح الأمر مثل الشخص الذي يأكل نفسه أو الآخرين».
وتبحث فيرث وفريقها عن طرق أخرى للحفاظ على استمرارية المشروع، ومن بين هذه الطرق مشروع إنتاج السماد العضوي من بقايا المواد الغذائية غير الصالحة للتناول، كما أن هذا المشروع يخفض إلى حد كبير نفقات التخلص من المخلفات.
وتضيف «نحن نهدف إلى أن يصبح الأطفال والشباب باعتبارهم جمهور المستهلكين في المستقبل، أكثر وعيا عندما يتعلق الأمر بكيفية التعامل مع الأطعمة». ولزيادة هذا الوعي انطلق مشروع يعرف باسم «كيمبا» يتم بمقتضاه تسيير حافلة بطابقين تمر بالمدارس لتنظيم حصص دراسية حول طرق الطهي وغير ذلك من الفعاليات المتعلقة بالغذاء. ويبقى أكثر الأعمال الملموسة لمنظمة «برلينر تافل» هو نقاط توزيع المعونات. ففي العاصمة برلين تقوم المنظمة بتقديم معونات عينية لحوالي 50 ألفا من أصحاب الحاجات.
وحتى في المناطق الغنية نسبيا مثل حي برينزلاوربرغ، نجد أن أعدادا من الأفراد يقفون انتظارا لدورهم داخل قاعة كنيسة للحصول على المعونة، بينما في الخارج يمارس هواة رياضة الهرولة رياضتهم المفضلة داخل الحديقة المقابلة.
 
الحاجة تقلل من الخجل
 
ومن بين الواقفين في قاعة الكنيسة امرأة تمسك في يدها تذكرة تسمح لها بالحصول على المعونة الغذائية. 
هذه المرأة هاجرت من روسيا إلى ألمانيا وتم حساب معاشها التي تقدمه لها الدولة على أساس 19 عاما فقط من بين سنوات خدمتها التي امتدت إلى 45 عاما، وتقول «إنني شعرت بالخجل أول مرة قدمت إلى هنا لأحصل على المعونة لدرجة أنني بكيت وفقدت القدرة على الكلام»، ولكنها اعتادت الآن على هذه الخدمة.
وثمة امرأة أخرى تبلغ من العمر 37 عاما عاطلة على الرغم من أنها تأهلت لكي تعمل معلمة، وتقف مع ابنها الذي يبلغ من العمر عامين انتظارا للمعونة. 
وهذه هربت من شريكها الذي كان يعاملها بعنف، وتقول «لم أكن أتخيل في حياتي أن أذهب إلى هذه المنظمة الخيرية».
وأجرى عالم الاجتماع هولغر شوينفيل بحثا حول نوعية مشاعر متلقي هذه الخدمة الخيرية، غير أنه لم يعثر على نموذج محدد وثابت.
ويعرب شوينفيل عن اعتقاده بأن»منظمة تافل تقدم المساعدة الضرورية للمحتاجين، غير أنها في نفس الوقت تعد جزءا من عملية للعزل الاجتماعي التي تؤثر على كرامة المستخدمين».كما يعرب عن اعتقاده بأن منظمة تافل فشلت في حل المشكلة الأساسية لهم.
غير أن عالم الاجتماع سيلكه يعبر عن انتقاداته للمنظمة بشكل أكثر مباشرة، ويقول «إنها لا تحارب الفقر، ومن الواضح أن فروع تافل تخفف بشكل واضح الضغوط التي تمارس للمطالبة بالقيام بعمل من أجل القضاء على الفقر من خلال التضامن الاجتماعي».
وأعرب عن اعتقاده بأنه يمكن تنفيذ ذلك فقط عن طريق السماح لمن يتلقوا المعونات بأن تكون لهم حرية اختيار ما يريدون استهلاكه، ويقول «بدلا من مساعدة الناس بمنح عينية، يجب إعطائهم الثقة بأنهم قادرون على انفاق النقود وفقا لاحتياجاتهم الشخصية».
غير أن النشطاء في منظمة «تافل» لديهم كل العزم على مواصلة مسيرتهم. وتقول بريسغوت «مادامت العدالة الاجتماعية غير متوفرة، وما دام هناك فائض جنبا إلى جنب مع الحاجة والعوز، فلن يقوم أي فرع من منظمة تافل بحل نفسه، وذلك لمجرد أن شخص ما يقول إنها لا يجب أن يكون لها مكان في دولة غنية».
ومع احتفال المنظمة هذا الأسبوع بمرور ربع قرن على تأسيسها، قرر بنك الطعام التابع لها في مدينة إسن في غرب ألمانيا قبول المواطنين الألمان فقط كمستخدمين جدد لخدماتها الخيرية.
ودافع جورج سارتور، مدير فرع المنظمة في إسن، عن هذه الخطوة في مواجهة الانتقادات واسعة النطاق لها، وقال أنه تم اتخاذ القرار بعد أن زادت نسبة المهاجرين بين المتلقين للمعونات الغذائية التي يقدمها الفرع إلى ما يماثل ثلاثة أرباع إجمالي العدد الذي يتلقى المعونة.
بينما قال نيكو شافير المدير الإقليمي للمنظمة في ولاية ثورينغيا الكائنة وسط البلاد «إننا نعمل هناك في خدمة كل المحتاجين، بغض النظر عن لون بشرتهم أو جنسيتهم».