الحكومة والحوار الوطني حول مشروع قانون ضريبة الدخل
*د. رحيل محمد غرايبة
الدستور-شروع الحكومة باللقاءات والحوارات مع مختلف الأطراف المجتمعية حول مشروع قانون ضريبة الدخل استهلال غير جيد وليس موفقاً ابدا , ولا يعبّر عن وجهة نظر حصيفة مع الاحترام والتقدير لشخصيات الوزراء المحاورين , لعدة معطيات واسباب وجيهة , وينبغي أن تكون محل نظر ونقد ومراجعة من جهة الحكومة ورئيسها ووزرائها , منها :-
أولاً : الحكومة لم تحصل على ثقة مجلس النواب بعد , وثقة المجلس ليست «تحصيل حاصل» , وينبغي أن لا تتعامل الحكومة مع هذا الموضوع الحساس بهذه البساطة التي قد تفسر بانها استخفاف كبير وواضح بالمؤسسات الدستورية الكبرى التي تمثل الشعب الأردني كله , بل انها قد تحمل بعض مؤشرات تجاوز الدستور ذاته , ولذلك فإن الحكومة يجب أن تتوجه إلى كسب ثقة النواب اولا وبطريقة أخرى مختلفة .
ثانياً : خطاب التكليف الذي يعد هو المنطلق والمرجعية للحكومة الجديدة نّص بوضوح وصراحة على مراجعة مجمل المنظومة الضريبية , وهذا ما أكده دولة الرئيس المكلف , فليس معقولاً أن يتم الشروع في عرض ومناقشة مشروع قانون ضريبة الدخل مجتزأ من سياق هذه المنظومة على وجه الاجمال , وهذا التصرف يتضمن مخالفة ضمنية لخطاب التكليف بالاضافة إلى تجاوز كل أسباب الأزمة السابقة وقفز فوق كل المعطيات والحوارات التي أسفرت عن اسقاط الحكومة السابقة .
ثالثاً : الحوار مع الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني يجب أن ينصب على البرنامج الحكومي برمته وبشكل شمولي أولاً , وما يتضمن من توجهات وسياسات عامة وخطوط عريضة , قبل الذهاب إلى التفاصيل و الحوار المجتزأ حول مشروع قانون ضريبة الدخل , لأن الحوار الجاد ينبغي أن يكون وفقاً لرؤية شاملة ومنهجية علمية , واستراتيجية بعيدة المدى معروفة ومحددة , ويجب الابتعاد عن سياسة إدارة الدولة بالقطعة والجزئية والنظرة القاصرة .
رابعاً : خطاب التكليف نصّ بوضوح على ضرورة الموازنة بين الضرائب من جهة وبين الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين وكل قطاعات الدولة من جهة آخرى , بحيث يلمس المواطنون تحسناً في الخدمات مقابل ما يفرض عليهم من ضرائب , ويجب أن تكون المعادلة شفافة وواضحة وتخلو من الضبابية والمواربة .
خامساً : البدء بمشروع قانون ضريبة الدخل بعيداً عن مناقشة العقد الاجتماعي الجديد , والنهج الجديد , والتغيير وبرنامج الاصلاح الجديد ومشروع النهضة , يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن هذه المشاريع الكبيرة ما هي الاّ عناوين فضفاضة تخلو من المضامين الحقيقية والمعاني المقصودة , وليست سوى أدوات تسويقية لإعادة انتاج الحكومة الراحلة وتسويغ مشروع قانون ضريبة الدخل وكفى الله المؤمنين القتال.
سادساً : قانون ضريبة الدخل ليس حسبة مالية فقط , وليس مجموعة أرقام تخضع للمساومة , بل هو منبثق من معادلة اقتصادية وفلسفة حياة شاملة , تمس قطاع الزراعة والصناعة والمؤسسات الاستثمارية والأمن الاجتماعي , والاستقرار السياسي للبلد , بلا مبالغة وبلا تهويل .