أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    26-Dec-2018

أفريقيا بحاجة إلى ثورة خضراء

 الغد-ترجمة: ينال أبو زينة

 
يعد غيتاهون شومولو “المزارع النموذجي” بالنسبة للحكومة الأثيوبية.
وكان في الماضي يبذر البذور عشوائياً في حقول تقع بالقرب من بوتاجيرا، الواقعة في الجنوب الصالح للزراعة.
لكنه يزرع اليوم البذور في خطوط مستقيمة كاستقامة خط قلم الرصاص مستخدماً زجاجة بلاستيكية كان قد صنع فيها فتحة صغيرة.
ومن أجل إبقاء التراب صحياً، يعمد فلاحنا المميز إلى تقليب المحاصيل كل عام.
وبفضل البذور الأكثر صلابة من المكتب الزراعي المحلي، أصبح يزرع الذرة الآن وهي أرخص المواد الأساسية في أثيوبيا.
ويقول شومولو: “إذا ما قمت بكل شيء تطلبه الحكومة منك، يمكنك زراعة المزيد كل عام”. وعقب إطعامه أسرته من 9 أفراد، يقوم شومولو ببيع أكثر من نصف إنتاجه في السوق.
ويزرع المزراعون أمثال غيتاهون بذور التحول، فكلما زرعوا أكثر، كسبوا أموالاً أكثر. وكلما أنفقوا أكثر كذلك، ساعدوا على توفير المزيد من الوظائف في أسواق المدن والقرى. وفي الوقت ذاته، يترك العديد من الناس الزراعة بشكل كامل لينتقلوا إلى العمل في المدن. وفي المتوسط، فهم يعملون ساعات أطول مما كانوا يعملون في الحقول، وبالتالي هم أكثر إنتاجية.
وربما يكون شيء ما شبيه بالتنمية الريفية، على الأقل، يحدث في أجزاء من أفريقيا في الوقت الراهن.
ومنذ العام 2002، انخفضت نسبة العمال الأفارقة العاملين في الزراعة من 66 % إلى 57 %.
ومع ذلك، فإن القيمة الحقيقية للإنتاج الزراعي نمت بمعدل متوسط من 4.6 % في العام؛ أي بضعف المعدل المحقق ما بين 1970 و2000.
ولكن، حتى مع ذلك، ما تزال المنطقة متخلفة عن الركب وتأتي معظم هذه الزيادة من استخدام المزيد من الأراضي، بدلاً من الإنتاجية المحسنة.
ومن غير المحتمل أن تنجح الثورة الخضراء -التي تعني زيادة الغلات الزراعية التي شوهدت في معظم أجزاء العالم الفقير بعيداً عن أفريقيا منذ الستينيات- في حال كانت الحكومة تعرقل مضيها قدماً.
وفي هذا الخصوص، يقول بواز كيزير من “تحالف الثورة الخضراء في أفريقيا”، وهي مؤسسة فكرية يقع مقرها في كينيا: “الحكومة هي الشريك الأكثر أهمية ولكنها أضعف حلقة في أفريقيا”.
ومن الناحية المثالية، ينبغي للحكومات أن تدفع ثمن السلع العامة، مثل الأبحاث والطرق، وأن تنظم أيضاً الأسواق بخفة إنما بإنصاف.
وعادة ما تفشل الحكومات في أداء هذه المهام في أفريقيا، وفي أوغندا، على سبيل المثال، تعج الأسواق بأكياس الأسمدة الناقصة والبذورة الضعيفة التي يتردد المزارعون في الاستثمار فيها، كما أن الكثيرين غير قادرين على إيصال محاصيلهم إلى السوق بسبب الطرق السيئة.
وكانت الأنظمة الأفريقية السابقة حتى أكثر سوءاً، وبعد الاستقلال، ضغط الكثيرون المزارعين بلا رحمة، مجبرينهم على بيع محاصيلهم مقابل أجر زهيد عبر مجالس التسويق التي تديرها الدولة. (وكان الهدف من ذلك هو توفير الغذاء رخيص الثمن لسكان المدن -وتمثلت النتيجة في ردع الاستثمار في الزراعة وتشجيع التهريب).
ومن ثم حررت العديد من الدول الأفريقية الزراعة في ثمانينيات القرن الماضي، وخفضت الإنفاق على أبحاث ودعومات الزراعة آملة تحقيق الأفضل.
وفي العام 2003، مع دخول غلال الزراعة حالة من الركود، تحول الخطاب العام مرة أخرى.
وتعهدت الحكومات بتخصيص 10% من ميزانياتها للزراعة، ولكن، بحلول العام 2016، وفت عشر دول فقط بهذا الهدف من أصل 44 متاحة البيانات.
وتتصدر ملاوي جداول الإنفاق العام البيانية، لكونها خصصت باستمرار أكثر من 15 % من ميزانيتها للزراعة.
ولكن الكثير من ذلك تم ابتلاعه في نظام مكلف لدعم البذور والأسمدة وقد رفع هذا المخطط الغلال بواقع الحال.
وقد صف أيضاً جيوب رجال الأعمال ذوي النفوذ الذين دائماً ما يفوزون بعقود الشراء.
وكان للأمر عواقب غير مقصودة أيضاً، بحيث أن المزارعين الذي ينثرون الأسمدة الرخيصة في حقولهم يزرعون أعدادا أقل من البقوليات التي تثبت النيتروجين، وهي طريقة رخيصة وخضراء لتحسين التربة.
وتوفر أثيوبيا، وهي منفقة كبيرة أخرى، نهجاً مختلفاً. فقد نما الإنتاج الزراعي بنحو 6 % في العام منذ العام 2000، وفقاً لأرقام رسمية؛ أي بما يعظم المعدل في ملاوي بثلاث مرات. والدعومات منخفضة نسبياً أيضاً، وبدلاً منها، ضخت الحكومة الأموال في البحث العلمي والبنية التحتية والتدريب والتأهيل.
وتعد شبكتها من 72 ألفا “من العاملين في مجال التنمية” -الخبراء الذين تم إرسالهم لتعليم تقنيات الزراعة الحديثة- الأكبر في أفريقيا. وهم يدقون باب غيتاهون مرات عدة في الشهر الواحد.
ويقول المزراع النموذجي بشيء من الاستحسان للأمر: “أحياناً ما يزورون حقولي عندما لا أكون هناك، ومن ثم يتصلون بي في حال وجدوا أي خطأ”.
لماذا تختلف المناهج المتبعة؟ يعتقد بعض الباحثين، مثل روبرت بيتس وستيفن بلوك من جامعتي هارفارد وتافتس، أن الديمقراطية تحسن السياسات من خلال إعطاء المزارعين الريفيين المزيد ليخبروا به (التعبير).
ولكن الأمر عادةً لا يجري على هذا النحو بحيث يستخدم السياسيون في ملاوي الدعومات للفوز بالأصوات. وعلى النقيض من ذلك، في أثيوبيا، فقد عملت الحكومة على تجنب الاستياء الريفي الذي غذى الثورات ضد أسلافها الشيوعيين.
وهي ترى التنمية الزراعية كطريقة لبناء الشرعية.
ومع ذلك، ليست أثيوبيا نموذجاً يحتذى به. فمن الناحية العملية، يقوم موظفوها الإنمائيون “حرفياً بكل شيء” من تحصيل الضرائب إلى تعبئة السكان المحليين لحضور الاجتماعات والتصويت للحزب الحاكم، وفقاً لما صرح به خبير زراعي بعد أن تنهد بألم.
وهم، في ضوء ذلك، جزء من نظام قمعي يتبع لسيطرة الحكومة، والذي يعمل بشكل جيد في بعض المناطق في حين يفشل بشكل هائل في أخرى.
وفي السنوات الأخيرة، كانت هياكل الدولة الريفية بين الأهداف الأولى للاضطرابات العنيفة.
وفي أماكن أخرى، خرج سوء الإدارة على مسار السياسات تماماً.
ففي أوغندا، انهارت الخدمات التدريبية التي وفرتها الدولة للمزارعين، وذلك إلى جانب تضاؤل شعبية يوري موسيفيني، رئيس الدولة.
وفي السعي خلف الأصوات، تحول التركيز من تدريب المزارعين إلى توزيع المدخلات.
ومنذ العام 2014 والتوزيع يجري على يد الجيش، مما يخلق فرص عمل لقدامى المحاربين. وفي هذا الخصوص يقول أحد الضباط المسؤولين: “إنها لعملية عسكرية، ولكن بدون أي متفجرات أو رصاص”.
ويشتكي المزارعون أن البذور تأتي متأخرة أو لا تنمو نهائياً. ومن جهتها، تقول غريس آبيو، وهي مزارعة ثلاثينية تعمل في الشمال، أنها لم تتلق أي مساعدة أو مشورة من الحكومة. وانخفضت القيمة المضافة للعامل الزراعي الأوغندي العادي بنسبة الربع منذ العام 2002.
وليست العقبات السياسية لا تقهر، فقد تحسنت الحوكمة في أفريقيا على وجه الإجمال. ويمكن للبيانات الأفضل أن تجعل الحكومات أكثر خضوعاً للمساءلة، وفقاً لشينغين فا، رئيس “المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية”، وهو مؤسسة فكرية تقع في واشنطن. ولكنه من الصعب اقتلاع “الممارسة الجيدة” من أحد السياقات وإعادة زراعته في آخر. وتعد السياسة الزراعية، مثل الزراعة نفسها، عملاً فوضوياً.
فهي تحتاج التربة المناسبة وتربية حذرة لكي تنجح وتزدهر.
 
“الإيكونوميست”