أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    24-Jun-2019

لماذا تُحقق بعض الدول "النمو" وتخفق في بلوغ هدف "التنمية"؟
أرقام - تبذل الدول جهودًا كبيرة من أجل رفع معدلات النمو الاقتصادي"، بما يحقق الأهداف العامة والخاصة، متضمنة الإنفاق على أنشطة الدولة مع تمتع الأفراد بقدر أكبر من الرفاهية، غير أن تحقيق نسب عالية من النمو لا يضمن بالضرورة تحقيق التنمية التي يجب تخطي النمو الاقتصادي فحسب لتحقيقها.
 
فالعامل الرئيس لقياس النمو الاقتصادي هو حساب نمو الناتج المحلي الإجمالي، ونصيب الفرد منه لتظهر النسبة المئوية في زيادة (أو نقصان)، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة فيما يتعلق بالتنمية.
 
الدخل الحقيقي
 
فالخطوة الأولى مثلًا هي حساب الدخل الحقيقي وزيادته أم نقصانه، ونعني بذلك حذف تأثير التضخم من رقم النمو. وفي هذا الإطار فإن فرنسا المُصنفة بوصفها دولة متقدمة لم يتخط معدل نموها 2% خلال السنوات الأخيرة في المتوسط بينما زاد معدل التضخم عن ذلك الرقم بما يعكس أن البلاد تشهد في الواقع نموًا سالبًا في الدخل الفردي وفي الناتج الإجمالي.
 
وفي المقابل فإن تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي للنمو الصيني الحقيقي تصل إلى 4% سنويًا خلال العقدين الأخيرين، بما يعني أن الدخل الحقيقي للمواطن الصيني تضاعف أكثر من مرتين خلال 20 عامًا بحساب الأثر التراكمي للزيادة سنويًا.
 
ويتسع مفهوم التنمية عن النمو ليشمل كيفية توزيع الدخل، فكلما ازدادت وتحسنت قاعدة توزيع الدخل، كان ذلك محققًا للنمو بصورة أكبر، ولذلك فإن بعض الدول قد تشهد نموًا لافتًا في الدخل غير أن سوء توزيعه يجعلها متأخرة على مؤشر التنمية وإن تفوقت على مؤشر النمو، وهو ما يبرز في النموذجين المتناقضين في الجارتين الهند وبنجلاديش.
 
فالهند تحقق معدلات نمو عالية تصل إلى 7% سنويًا خلال الأعوام الأخيرة، غير أنها فشلت في الصعود في الترتيب في تصنيف الأمم المتحدة لأكثر البلاد تنمية خلال العقد الأخير، والسبب الرئيسي وراء ذلك تقديرات بحصول 5% فقط من السكان على أكثر من 80% من ثمار النمو.
 
ويرجع التفاوت الكبير إلى الاهتمام بالصناعات التكنولوجية بوصفها داعمة للنمو السريع، وهي حقيقة بالطبع، إلا أنها تتركز في أيدي العاملين في هذا المجال فحسب.
 
الفقر ومتوسط الأعمار
 
وفي المقابل، فإن بنجلاديش تحقق معدلات نمو مماثلة للهند تقريبا، غير أنها حققت قفزة كبيرة، 14 مركزًا، خلال 5 سنوات في ترتيب الأمم المتحدة لأعلى الدول تنمية في العالم بسبب اتساع قاعدة التنمية لتشمل الشركات التكنولوجية من جهة، لا سيما قطاع الاتصالات، والمصانع كثيفة الاستخدام للعمالة من جهة أخرى، وبالأخص إنتاج الملابس.
 
ولذلك فإن ما يعترض طريق الصين باستمرار نحو الصعود إلى تصنيف الدول المتقدمة أن 16%  من السكان يعيشون على دخل أقل من دولارين يوميًا (حد الفقر في تعريف الأمم المتحدة)، أي أن الفقراء في الصين يفوقون عدد سكان إنجلترا وفرنسا مجتمعتين.
 
وتشير الأمم المتحدة إلى أن أحد أهم أسباب بقاء اليابان ضمن العشر دول الأكثر تنمية في العالم رغم التراجع الكبير للغاية في نسب النمو الاقتصادي هو تمتع اليابانيين بمعدل حياة متوقعة يصل إلى 84 عامًا، بينما يبلغ المتوسط العالمي 71.5، بفارق 12.5 عام، وهو فارق كبير للغاية.
 
ويمكن ملاحظة قيمة هذا الفارق إذا علمنا أن توقع الحياة عالميًا أصبح أعلى 7 سنوات مما كان عليه سنة 1990، مع كل الجهود المبذولة في مجال الرعاية الصحية ومكافحة التلوث والظواهر المهددة للحياة البشرية مثل الاحتباس الحراري وغيرها.
 
ويعني هذا أن وصول العالم لمتوسط الأعمار في اليابان يحتاج لاستمرار الجهود لمدة تزيد عن خمسين عامًا على الأقل ويعكس فجوة كبيرة للغاية مع بقية دول العالم في ظل الإنفاق الياباني الاستثنائي على نظام الرعاية الصحية.
 
التعليم
 
ويبرز مؤشر آخر في عدد سنين الدراسة كأحد أهم العوامل لتصنيف درجة التنمية، فلا شك أن تلقي التعليم لفترة أطول، لا سيما مع جودته، يعد من المؤشرات الهامة للغاية في مدى تمتع دولة ما بالتنمية من عدمه، في ظل أهمية التعليم على المستويين المادي والمعنوي.
 
فدول مثل الدول الإسكندنافية يصل فيها متوسط سنوات الدراسة إلى أكثر من 18 عامًا للفرد، بينما يقترب المتوسط في الدول المتقدمة من 14 عامًا، وفي الدول النامية من 11 عامًا، وفارق يصل إلى 4 أعوام مع الدول المتقدمة يعكس اختلافًا كبيرًا في درجة ما يحصله المواطنون في تلك الدول من علوم ومعرفة.
 
ويرجع هذا لتلقي المواطنين للتعليم بمقابل رمزي في بعض الدول، مثل النرويج وفنلندا، وبشكل مجاني تمامًا في كافة المراحل الدراسية مثل السويد، بما يجعل الإقبال على التعليم في تلك الدول استثنائيًا في ظل جودته وتدني تكلفته.
 
ولعل هذا يوضح سبب تراجع الولايات المتحدة 5 مراكز في ترتيب الدول الأكثر نماء في العالم خلال العقد الأخير، وذلك بسبب تراجع "نسبي" في جودة التعليم وعدم زيادة متوسط العمر المتوقع بنفس المعدلات العالمية، وذلك على الرغم من بقاء الولايات المتحدة على قمة الهرم كأكبر اقتصاد في العالم.
 
"مساحة" الاختيارات
 
وتقول دراسة لجامعة "نيودلهي" إن اعتماد الهند على الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء بنسبة 74% والصين بنسبة مقاربة للغاية، يجعل الدولتين تدفعان ثمن النمو الاقتصادي على هيئة نفقات صحية للاعتناء بصحة المواطنين المتدهورة بسبب التلوث.
 
فمع اختلاف التقارير العالمية في تقدير نسب التلوث في المدن، إلا أنه كثيرًا ما يتم تقييم بكين ودلهي والعديد من المدن في العملاقين الآسيويين بين المدن الأكثر تلوثًا، بينما المدن الأوروبية لا تعاني من نفس الدرجة في التلوث بسبب ازدياد الاعتماد على الطاقة المتجددة (أكثر من 40% من الطاقة الكهربائية في ألمانيا من مصادر متجددة على سبيل المثال).
 
ولعل هذا هو ما دفع الأمم المتحدة لإقرار ما يعرف باستراتيجية التنمية المستدامة، للتأكد من قدرة النمو على أن يكون مستمرًا وألا يكون على حساب البيئة أو "الأجيال القادمة" كما تقر الأمم المتحدة.
 
ويقول مايكل تودارو، أحد أبرز الكتاب الاقتصاديين حول سياسات التنمية الاقتصادية وكيفية تحقيقها في كتابه "التنمية الاقتصادية": "باختصار يمكن القول إن الفارق بين النمو والتنمية يشمل عنصر الاختيارات، فالأخيرة (التنمية) معنية بزيادة الاختيارات المتاحة للشخص، بينما الأول (النمو) مهتم فقط بزيادة قدراته المالية".
 
فقد يمتلك شخص أموالًا طائلة ولكنه لا يستطيع الالتحاق إلا بجامعة واحدة أو مدرسة محددة دون تنوع، ولا يتمتع بالعيش في مكان به أشكال متنوعة من الطعام والشراب مثلا، فالتنمية تعني باستمرار تمتع الشخص بموارد كثيرة (كما هو النمو) ولكن مع تنوع تلك الموارد بحيث لا تكون مادية فحسب ووجود اختيارات كثيرة لاستخدام تلك الموارد والاستفادة منها.