أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    22-Apr-2018

الطاقة في القرن الحادي والعشرين*وليد خدوري

 الحياة-يشهد العالم على تغيّرات صناعية تنتشر بسرعة، وتقضي على صناعات ضخمة عمرها نحو قرن من الزمن، إذ انقرضت تقريباً صناعة تصوير الأفلام الورقية لمصلحة الصور الإلكترونية، كما تمضي طباعة النشر الورقي في الطريق ذاتها.

 
وتدلّ المؤشرات على توسع سوق السيارة الكهربائية والهجينة، لتحلّ بدلاً من سيارة الاحتراق الداخلي، وعلى انتشار صناعات الطاقة الشمسية والرياح لتوليد الكهرباء النظيفة بكلفة أقل من محطات الكهرباء الضخمة. أما القاسم المشترك بين صناعات العصر الحديث، فيتمثل في الاعتماد على المعرفة بدلاً من الموارد الطبيعية، والتكامل بين اللوح الإلكتروني والانترنت والكومبيوتر الشخصي والهواتف النقالة. إذ تعتمد الصناعة المستقبلية على دمج التقنيات الجديدة الواحدة مع الأخرى لتسريع الاختراعات.
 
وتوقع البروفسور بيتر أوديل أحد اقتصاديي الطاقة الكبار خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ومستشار سابق لرئيس منظمة «أوبك» ثم رئيس الوزراء البريطاني، استقرار زيادة الطلب السنوي على الطاقة على 2 في المئة على مدى القرن الحادي والعشرين، وهو المعدل التاريخي الطويل الأمد لزيادة الطاقة السنوية، الذي استمر خلال فترة 1860 - 1945. واستبعد اوديل إمكان استعادة ازدياد الطلب العالمي السنوي للطاقة بنحو 5 في المئة، وهو معدل الارتفاع السنوي الاستثنائي لتنامي الطلب بين عامي 1945 و1973. واعتبر أن ليس ممكناً تكرار هذه التجربة، نظراً إلى خصوصيات المرحلة الاقتصادية بعيْد الحرب العالمية الثانية، مشروع مارشال لإعادة إعمار الدول الأوروبية التي دُمّرت خلال الحرب العالمية الثانية، وللنهضة الاقتصادية في الولايات المتحدة واليابان. نشر اوديل دراسته حول الزيادة السنوية المعتدلة للطاقة، في القرن الحادي والعشرين عام 1999.
 
وبُنيت توقعات اوديل عن مدى استهلاك الوقود الهيدروكربوني في القرن الحادي والعشرين، على فرضية محدودية زيادة الطلب السنوية بنحو 2 في المئة. ورجح في ضوء ذلك، استمرار هيمنة الوقود الهيدروكربوني على مصادر الطاقة حتى 2060. في وقت لن تشكل مصادر الطاقة المستدامة حتى 2060 أكثر من 20 في المئة من الطاقات المستخدمة الإجمالية. ولن تستطيع بدائل الطاقة المستدامة حيازة 50 في المئة من موارد الطاقة الإجمالية حتى 2079. وتوقع استهلاك الطاقات المستدامة على مدى القرن الحالي بنسبة 36 في المئة، إذ قدّر توافر معظمها في العقدين الأخيرين من القرن.
 
ويستمر اوديل في توقعاته التي أشار فيها، إلى تغيّر دراماتيكي في النصف الثاني من القرن. إذ قدّر تنامي الإمدادات والطلب على الغاز خلال تلك الفترة، بسبب الاهتمام بالبيئة وتغذية محطات الكهرباء بالغاز. لكن توقع أن يبدأ انخفاض صعود الطلب على النفط في الفترة ذاتها.
 
لدى مراجعة ما يتوقعه خبراء الطاقة المستدامة هذه الأيام، يُلاحظ أن اهتمامهم الرئيس ينصب على تحسين تقنية كلّ من الطاقة الشمسية والرياح واقتصاداتهما، والسيارة الكهربائية وتلك المستقلة (من دون سائق) وتوسيع طاقة التخزين الكهربائية وصناعة «الروبوتات»، والذكاء الاصطناعي. والواضح أن كل هذه الصناعات الحديثة تعتمد على المعرفة والتقنية الحديثتين، أكثر من اعتمادها على الوقود الهيدروكربوني. كما تعتمد على تكامل الابتكـــارات الــجديدة وربطها الواحدة بالأخرى.
 
نشر توني سيبا، الأستاذ في جامعة ستانفورد، كتاباً حول «الزعزعة النظيفة للطاقة والمواصلات» الصادر عام 2014، وشرح فيه كيف زعزعت تقنيات الهاتف الخليوي والانترنت والكومبيوتر الشخصي، صناعات الهاتف الأرضي والنشر الطباعي والتصوير من طريق الأفلام. من ثم، استنتج كيف تزعزعت هذه الصناعات التقليدية وقلبت رأساً على عقب أنماط التفكير العلمي، في شكل أدى إلى إحلال نظم معلوماتية سريعة وشاملة مكانها، لا تعتمد على الموارد الطبيعية. وتقود في الوقت ذاته إلى اللامركزية في تزويد الطاقة للمستهلكين. وبات ممكناً وفق ما يعتقد سيبا، تغيّر الصناعات العريقة التي هيمنت على اقتصاد القرن العشرين، إذ أصبح ممكناً أيضاً تغيير صناعة المواصلات بسرعة. ولم يستبعد أن ينتهي العصر الصناعي للطاقة والمواصلات الذي عرفناه في القرن الماضي، بمعنى فكّ الاعتماد على المركبات ذات الاحتراق الذاتي بحلول عام 2030.
 
يتضح التباين الواسع بين التوقعات، لكن الاختلاف ينحصر في توقيت إنجاز السلع الجديدة، ومدى قدرة منافستها اقتصادياً وتقنياً للسلع التقليدية. وبات واضحاً أيضاً، أننا مقبلون على عالم صناعي جديد، يرتكز على المعرفة أكثر مما يعتمد على الموارد الطبيعية. والحقيقة أن التغيّر بدأ فعلاً. فأين الكاميرا والأفلام، وأين الشركات التي كانت تنتجهم. وأين آلة الطابعة والتلكس، والأمثلة كثيرة.
 
يعتمد الباحثون في الصناعات الحديثة على التكامل بين أوجه المعرفة الجديدة، وكمثال على نجاح ضرورة التكامل بين التقنيات الحديثة، الجمع بين صناعتي التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي في صناعة البترول الصخري. إذ كانت هاتان الصناعتان متوافرتين سابقاً، لكن مستقلتين الواحدة عن الأخرى. وأفضى دمجهما في صناعة واحدة، إلى إمكان تكسير الصخر بالماء المضغوط والممزوج بالمواد الكيماوية لإنتاج البترول الصخري. وأدى دمج الصناعتين إلى توفير احتياطات ضخمة من النفط والغاز، لم يكن ممكناً الحصول عليها بطرق الإنتاج التقليدية. فالحفر الأفقي يفتح المجال أمام الوصول إلى آبار متعددة في الوقت ذاته، ما يوفر في تكاليف الإنتاج، كما يتيح التكسير الهيدروليكي فتح مسامات الصخور لتجميع البترول المتوافر فيها.
 
من الطبيعي، سيؤثر الاعتماد على المعرفة في العهد الصناعي الحديث، بدلاً من الموارد الأولية سلباً في اقتصادات دول الشرق الأوسط. والمهم في الأمر هو مدى الاستعداد والتحضير اقتصادياً وسياسياً وعلمياً للعصر الجديد.
 
العالم في تغيّر مستمر. نعم، ستبقى احتياطات ضخمة من البترول، لكن وكما هو معروف انتهى العصر الحجري باستعمال البرونز وليس بانتهاء الصخر. كما انتهى العصر الخشبي باستعمال الفحم، وليس بانتهاء الخشب.