أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    28-Jun-2018

هيكلة الموازنة قبل تخفيض النفقات *سلامة الدرعاوي

 الدستور-ليس صحيحاً أن عمليات ضبط النفقات في الدولة أمرٌ صعبٌ للغاية كما يتحدثُ عادةً بعضُ المسؤولين، وإن غالبيةِ النفقاتِ تذهبُ للرواتبِ والتقاعدات، وبالتالي لا يمكنُ أن يتم تخفيضُها كما يُطالبُ البعض.

ها هي الحكومةُ بدأت فعلاً بتجميدِ نفقاتٍ بقيمة 151 مليون دينار من بندِ النفقات الرأسمالية في موازنتي الدولة والهيئات المستقلة، وقبلها في بداية العام الجاري حيث أعلنت الحكومة السابقة عن تخفيضِ نفقاتِ الوزارات والدوائر والوحدات الحكومية بمبلغ 204 ملايين دينار موزعة بواقع 5ر113 مليون دينار للنفقات الجارية و5ر90 مليون دينار للنفقات الرأسمالية، فالأمرُ ليسَ بالمستحيل.
لنتحدث بصراحة، في الموازنة هناك بند للنفقات الرأسمالية قيمتهُ تتجاوزُ الـ 1.153 مليار دينار، وهذا البند هو أحدُ المحركاتِ الرئيسية للنمو الاقتصادي المُستهدف أن لم يكن أهمها، ومخصصاته تنمو في الموازنات بشكلٍ كبير ومضطرد، وهو أمرٌ إيجابي من الناحية النظرية، لأنه داعمٌ للنمو الاقتصادي الذي يعتبرُ الهدفَ السامي لأي سياسات اقتصادية تتخذها الحكومة، نظراً لارتباطهِ بتوليدِ فرص عمل جديدة ما يساهمُ بالحدِ من مشكلتي الفقرِ والبطالة.
لكنَ المُلاحظ أنه ومع تزايد حجمِ المخصصات للنفقات الرأسمالية؛ فإن النمو الاقتصادي في تراجع، ولا يتناسب مع زيادة المشاريع في الموازنة، وهو أمرٌ يتناقضُ مع الواقع.
في الحقيقةِ إن الترابُطَ بين زيادةِ النفقات الرأسمالية والنمو هو ترابطٌ حقيقي وهما متلاصقان، لكن في قانون الموازنة لدينا قد يكون الأمر مختلفٌ ويخالفُ النظرية إذا ما دققنا في طبيعة تلكَ المشاريع ومدى توليدها لقيمةٍ مُضافة عالية على الاقتصاد الوطني.
قُدّرت هذه النفقات لعام 2018 بنحو 1.153 مليار دينار بزيادة مقدارها 128 مليون دينار او ما نسبته 12.4 بالمئة عن مستواها المعاد تقديره لعام 2017، لترتفع حصتُها من النفقات العامة الى نحو 12.8 بالمئة مُقابل 12.1 بالمئة في عام 2017.
الواقع إن هذا الرقم يحتاجُ إلى تمحيصٍ وتدقيق إذا ما علِمنا أن هناك مشاريعٌ بقيمة تتجاوز الـ 235 مليون دينار وهي مشاريع مٌستمرة منذ أعوام، ومشاريع قيد التنفيذ بقيمة تناهز الـ 671 مليون دينار، والمشاريع الجديدة لا تتجاوزُ الـ 246.5 مليون دينار، وهي تُشكّل ما نسبته 9 بالمئة تقريباً من إجمالي المشاريع الرأسمالية، وهذا الأمر هو الذي له علاقةٌ مباشرة برفعِ وتيرةِ النمو الاقتصادي، ويفسّرُ مدى التحديات التي تواجه الحكومة في الوصولِ إلى النمو المُستهدف في ظلِ ضُعف ومحدودية المشاريع الرأسمالية الجديدة.
للحُكمِ على نجاح وفاعلية بندِ المخصصات الرأسمالية في الموازنة نعتمدُ على عدةِ محاور أهمها: قدرةُ المشاريع المرصودة على تشغيلِ عمالةٍ محلية، ومدى اعتمادها على استخدامِ مُدخلات إنتاج محلية الصُنع والمنشأ، وقدرتها على زيادةِ الصادرات الوطنية، وجذب عُملاتٍ صعبة للخزينة، ومدى استخدامها تكنولوجيا جديدة تُساهم فيما بعد بتعزيزِ ثقافةِ الابتكار والابداع.
هذه هي معاييرُ نجاحِ المشاريع الرأسمالية في الموازنة، وغيرُ ذلكَ تبقى مشاريع هامشية قد تكونُ كُلفتها التشغيلية فيما بعد أكبرُ بكثير من كلفتها الحقيقية التأسيسية هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن عدم إنجازِ بندِ المشاريع بالشكل المُقدّر في الموازنة وترحيله على سنواتٍ مُقبلة وعدم دخول مشاريع جديدة بشكلٍ كبير ضمن مُخصصات النفقات الرأسمالية، يُجيب على التساؤلات حول ضعف النمو الاقتصادي في المملكة رغمَ أن الموازنة خصصت ما يزيد على الـ 1.152 مليار دينار، ومع ذلك فإن النمو لا يتجاوزُ الـ 2.5 بالمئة.
لا شكَ أن هناك عواملٌ أخرى أثّرت على النمو تتمثلُ في وجودِ ما يزيدُ على 1.4 مليون سوري و900 ألف مصري و550 ألف عراقي و220 ألف آسيوي، وكلهم يولدون ضغوطا كبيرة على الاقتصاد الاردني ناهيك عن التحدياتِ التي تعصفُ بالقطاع الخاص الذي تأثر سلباً بالاجراءات الحكومية الجبائية في السنواتِ القليلة الماضية من جهة وتداعيات الوضع الإقليمي من جهة اخرى.
لكن علينا ان نُدرك في النهاية أن النتيجة التي وصلنا لها في الموازنات العامة انه مع كل زيادة على بندِ النفقات الرأسمالية فإن النمو الاقتصادي لا يستجيبُ لتلك الزيادة، بل ظل جامداً عند حدوده الدنيا، حتى مع تخفيضه فإن الأمر ايضاً سيان لا يؤثرُ لا سلباً ولا إيجاباً، مما يُحتم علينا ليس فقط إعادة خفض النفقات الرأسمالية، وإنما إعادة هيكلة الموازنة وتبويب جديد لهذه النفقات.