أصبحت قليلة؛ حتى لا أقول نادرة، أوقات الكتابة، وحين تتحالف الأزمات فيغدو معها الآدمي كمن وقع في عش أفاع، وكلها جائعة تتربص أية فريسة حتى وإن كانت لا تؤكل أو كانت أضعاف حجم الأفعى، لكنها تتعرض للدغ، وتشرف على الموت، وفي عجالة من وقت يخلو من أزمات وأفاع أنتهز الفرصة لأكتب لكم عن نتافة الجاج..

 

من يعرفها من سكان المدن؟ ..في الواقع ليس مطلوبا منهم معرفتها مطلقا، فهي ممنوع استخدامها في المدن، لكنها مسموحة ضمن اشتراطات بيئية في القرى، والمطلوب أن يعرفها شباب القرى، وليس فقط لشراء ما كنا نسميه «طير الجمعة»، وهي الدجاجة التي ينتظر أطفال الفقراء أن يتناولوها على طعام الغداء في يوم الجمعة، «يوم الزفر الكبير»، بل يجب أن يعرفها شباب المناطق التي تعاني قلة بل انعدام فرص التنمية، ويصطفون طوابير بانتظار فرصة العمل، ويسافرون بأحلامهم بعيدا، كلما سار أحدهم في ظل وجيه من وجهاء المنطقة، تعود «الحج» الى عمان، سعيا وراء تجنيد شاب من القرية، وحين يتحقق حلم أحدهم هذه الأيام، يصبح فرحه مشروعا، بأنه أخيرا أصبح جنديا، وفي الأسبوع الماضي، تداول الناس صورا لشاب يحتفل مع عائلته بأنه أصبح شرطيا.. وهو يستحق الفرح والتهنئة، ولا أتحدث عن خلاصه من الفقر أو تحقق حلمه الشخصي، بل أتحدث عن أفكار ومضامين وطنية غزيرة في هذه الفرحة الشخصية..

 

نتافة الجاج، محل صغير لذبح وتنظيف وبيع الدواجن، فالدجاج المذبوح النظيف الطازج، الذي يشترونه أهل عمان والمدن الكبرى من محلات السوبر ماركت، يحصل عليه أهل القرى من نتافة الدجاج، حيث يقوم «العامل» الذي لا يكون اردنيا في الغالب، بذبحه، وتنظيفه، وبيعه للناس، إذ يشرع في «الدوام بالمحل» كالمدراء العامين في الشركات، يصل الساعة العاشرة صباحا، ويمارس عمله الذي يصبح مهنته وأحيانا موهبته، وينتهي الدجاج من محله الساعة الرابعة عصرا أو قبل هذا الوقت، ويعود لمنزله، يستحم ويتعطر ويمضي باقي يومه، ليعود في اليوم التالي لنفس البرنامج، وأموره مستورة..

 

وزارة الزراعة تمنح قروضا بلا فوائد سقفها 2000 دينار، وهو مبلغ كاف لفتح «نتافة جاج»، واتقاء شر الحاجة والطواف على أبواب أصحاب الأعمال النادر وجودهم في تلك المناطق، بحثا عن فرصة عمل..

 

هذا باب مفتوح للشباب الذين يبحثون فعلا عن «الستر» والكسب الحلال، ويمكن لأي شاب أن يفتح مثل هذا المشروع الصغير، الذي يوفر له مصدر دخل حلال ..

 

هذا الباب وعلى الرغم من بساطة فكرته وإمكانياته إلا أنه موضوعي، ويدر دخلا على من يقوم به، أفضل بكثير من العمل بمشاريع اخرى في تلك المناطق لا تؤمن فرص عمل دائمة، بل تشغيل لمدة 3 أشهر.

 

تقدموا لهذه الفرص، فثمة كثير من الدجاج المطلوب نتف ريشه، والكثير من الأفواه الجائعة التي تبحث عن لقمة تسد رمقها، بمال حلال.

 

«لو كان الفقر شابا بلا عمل ولا أمل لحبسته دون هوادة» كي لا يموت بالمخدرات.