أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    21-Sep-2017

عندما تتخلى المدينة عن وظائفها *ابراهيم غرايبة

 الغد-حتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى لنراجع طويلا علاقتنا بالمدن التي نعيش فيها لأسباب كثيرة منها التحديات والتحولات الكبرى المؤثرة في علاقة المواطنين بالموارد والأمكنة وتنظيمها وإدارتها، مثل ارتفاع نسبة التحضر التي تزيد في الأردن على 90 في المائة من السكان؛ والتحولات الكبرى في الشبكية والنقل والاتصالات التي تغير شكل المدن وتصميمها ودورها، .. لكن في جميع الأحوال فإننا لا نستغني عن تنظيم علاقاتنا بالمدن وأماكن الإقامة على النحو الجوهري الذي تشكلت حوله المدن بغض النظر عن التحولات الاقتصادية والاجتماعية، هكذا فإن التحدي كيف نحافظ على مدننا وأماكن إقامتنا ملاذا اجتماعيا وروحيا، وكيف تظل المدن ديمقراطية تشاركية، بمعنى أن يشارك الناس جميعا في الولاية عليها وفي إدارتها وتنظيمها، وبطبيعة الحال كيف تكون خدماتها ومرافقها مفيدة لجميع الناس وعلى أفضل مستوى من العدالة والمساواة والكفاءة؟

إن تحول الأغلبية الكبرى من السكان إلى أهل مدن يعني مجموعة من الحقائق والتحديات، وهي كيف يجب أن تتحول الثقافة والسلوك والعلاقات لتلائم المدن في طبيعتها وتنظيمها وروحها؟ وكيف تعوض المدن ما تخسره أيضا من موارد وأعمال وسلع وخدمات كانت تؤديها القرى؟ أو كيف يعاد تنظيم إنتاج وتوزيع السلع والخدمات التي كان يؤديها الريف؟ وكيف تستوعب المدن الأعداد الهائلة من القادمين إليها من الريف؟ كيف يعاد تخطيط المدن اجتماعيا وتنظيميا وعمرانيا لتستوعب الوظائف والتحولات الجديدة؟ ما الأدوار الجديدة للمدن وما الأدوار المستغنى عنها؟
لقد بدأت المدن وظلت على مدى آلاف السنين مركزا لمجموعة من البلدات والقرى المحيطة ووحدات الجوار أو الأحياء السكنية، يمثل مكانا للقاءات الجماعية والموسمية وتسويق وتخزين وتبادل المنتوجات والسلع، وإدارة وتنظيم وحماية السكان والموارد والأملاك، .. لكن الأماكن اليوم كلها صارت مدينة، كأن البلد كله مدينة واحدة، بل كأن العالم كله مدينة واحدة، وفي ذلك تغيرت علاقة الناس بالأماكن والمرافق وتغير أيضا أسلوب الحياة والعمل، وتغيرت اتجاهات النقل والتحرك للناس باتجاه أعمالهم ومصالحهم وإقامتهم، وتتغير بطبيعة الحال العلاقات الاجتماعية والأدوار والعمليات التنظيمية المتعلقة بحياة الناس وأعمالهم وأسواقهم وخدماتهم.
واليوم ونحن نتأمل في موجات التدين والتطرف والعنف والجريمة والانتحار والحوادث والضغوط النفسية والاجتماعية أو ضعف وتراجع المؤسسات التعليمية والصحية والاجتماعية والماء والكهرباء والاتصالات وعجزها عن استيعاب المواطنين والمقيمين وخدمتهم، والضغوط التي تتعرض لها الطرق والارصفة والمباني والساحات والحدائق والأسواق، والسلوك الاحتكاري للشركات والمقاولين والضعف والرداءة في الخدمات التي تقدمها الشركات والأسواق، والتيه والإذعان في علاقة المواطنين بموردي السلع والخدمات والتحالف الفظيع بين السلطة والتجارة، وتسليع الأرض والمعرفة والتعليم والصحة والثقافة والفنون والرياضة على نحو يحرم منها معظم المواطنين أو يصنفهم في طبقات اجتماعية واقتصادية معزولة تتنامى بينها الفوارق والكراهية؛ فإن مبتدأ الحلول هو العودة إلى المدينة بما هي ابتداء الساحة/ الجورة (agora) التي يلتقي فيها الناس للتقاضي والبيع والشراء والصلاة والمتعة والترفيه والتعارف والتزاوج والتبادل والتعاون والتنافس واللعب والرياضة والشعر والموسيقى والفنون والتشاور .. والإبداع.