أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    01-Jul-2018

قطاع النقل أولوية وطنية *د. محمد طالب عبيدات

 الدستور-أزمات سير خانقة تشهدها العاصمة عمان وبعض المدن الرئيسة بالمملكة وفوضى مرورية في بعض الاحيان وخصوصاً في الشوارع الرئيسة، والاسباب والحلول لذلك واضحة كالشمس لكل الناس لكن معظم طروحات الحلول تحتاج لتوفّر الدعم المادي، فالكرة في مرميي الحكومة والمواطنين للقضاء على هذه الازمات، إذ يمتلك الاردنيون ثقافة مجتمعية غريبة بضرورة إمتلاك كل شخص لمركبته الخاصة كنوع من «البرستيج»، ومعظمهم يقترضون من البنوك لشراء مركباتهم، وبالمقابل التقصير الحكومي في إمتلاك أسطول نقل عام لقطارات خفيفة وباصات سريعة التردد وباصات مبرمجة بمواعيد محددة هو وراء تشجيع المواطنين لامتلاك مركباتهم الخاصة وكثرة عددها.

فالسلوكيات الخاطئة عند بعض السائقين والمشاة ونقص الثقافة المرورية يخلق حالة من الفوضى وإغلاقات للشوارع أحياناً، ولهذا يقول البعض أن لدينا أزمة أخلاق عند البعض لا أزمة مرور، وهنالك بعض المشاكل في بعض السعات المرورية والبنى التحتية والتأثيث للشوارع كنتيجة لنقص في أعداد المسارب وعرض حرم الطريق ونقص العناية من الجهات المسؤولة، وهذه الازمات بإطراد عند قدوم المغتربين في الصيف، والنشاط الاجتماعي ومناسبات الافراح الزائد في تلك الفترة، واللاجئون من الدول المجاورة ساهموا أيضاً في تفاقم هذه الازمة، مما زاد أعداد المركبات في ظل سعات مرورية ثابتة، كما يتهم بعض السائقين بعض رجال السير في التلكوء بإدارة العملية المرورية، وأنا أؤكد بأن رجال السير لوحدهم دون بنى تحتية وتشغيلية وتعاون المواطنين السائقين لا يمكن أن يحسن في العملية المرورية، ومع شكرنا وتقديرنا للجهود الكبيرة التي تقوم بها إدارة السير بالمطلق، إلا أن هذا لا يعني بان بعض رجال السير حديثي العمل يساهموا في خلق الازمات أحيانا، والمطلوب وقف القرارات الارتجالية عند البعض في هذا الصدد.
بالطبع لا يمكن أن نتخلص من ازمات المرور التي تتفاقم يومياً، إلا بإيجاد مشروع طموح على الارض لبنى سكة الحديد وباصات سريعة التردد وأسطول نقل عام كالدول المتقدمة لتشجيع الناس على إستخدامات النقل العام والتخلص من مركباتهم الخاصة وخصوصاً القديمة منها.
واليوم ونحن أمام إهتمام وتوجيه ملكي سامي بموضوع النقل العام وضرورة تحسين وتجويد الخدمات المقدمة للمواطنين في هذا المجال، فإننا أحوج ما نكون بضرورة تقديم شيء ملموس على الأرض لمشاريع طموحة وواقعية، إذ أنني شخصياً أعتبر قطاع النقل أهم التحديات التي تواجهنا قبل الطاقة والمياه.
تاريخياً حاولت بعض الحكومات تقديم دعم مادي مباشر لشركات النقل العام لتنعكس كخدمة على المواطن وتخفيض في أجرة الراكب لغايات تشجيع ثقافة إستخدام وسائل النقل العام وخصوصاً بين فئة الشباب وتحديداً على خطوط الجامعات، إلّا أن تأثير ذلك لم يعُد ملموساً البتّة لأن كل مواطن ما زال يرغب بإمتلاك مركبتة الخاصة كمؤشر على عدم قناعته بوسائل النقل العام وفعاليتها.   
والإهتمام بقطاع النقل العام –والذي يحوي الباصات العمومية وسيارات السرفيس والقطارات الخفيفة والقطارات تحت الأرض (المترو) التي تعمل كهربائيا-، يأتي لأن هذا القطاع من القطاعات الحيوية التي تساهم في تقدم عجلة التنمية بمفهومها الشامل، نظرا لأهميته في مسألة نقل القوى البشرية العاملة أو المتعلمة أو الدارسة أو غيرها لغايات الوصول بيسر وسهولة وفي الوقت المحدد لمكان العمل أو المؤسسات التعليمية أو الاقتصادية أو غيرها وباستخدام وسيلة مواصلات يمكن الاعتماد عليها، وهو من أبسط حقوق المواطنين في أي دولة، وهو إحدى الوسائل العملية لتحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس. 
ونحن في الأردن ما زلنا نفتقر إلى ثقافة استخدام وسائل النقل العامة للنقل الجماعي لأسباب عديدة منها عدم وجود العديد منها كباصات النقل السريع والقطارات بأنواعها وعدم إمكانية الاعتماد عليها من ناحية الوقت وغير ذلك من الأمور.  ونحن هنا لسنا بصدد بيان أوجه التقصير في الخدمة المقدمة لا بل نتطلع لحلول لتحسينها وتطويرها أو حتى تعزيزها لتصبح كثقافة يومية معتمدة ومطبقة عند الجميع بغض النظر عن الحالة المادية أو الاجتماعية أو العلمية أو غيرها.
والأردن كمعظم الدول النامية الأخرى يعاني قطاع النقل العام فيها من عدة عوامل تقلل من عدد الأفراد المستخدمين لوسائل هذا القطاع.  ومن هذه العوامل سوء إدارة مرافق المواصلات العامة، وعدم الالتزام بمواعيد حركة ثابتة، والعشوائية في توزيع المسارات، وعدم وجود مواقف للانتظار أو عدم التزام السائقين بهذه المواقف، وعدم ثبات أعداد و ترددات المركبات العاملة على الخطوط، وقلة الدراسات المتعلقة بتقييم الخدمة المقدمة أو التخطيط المستقبلي لها فيما يتعلق بتعزيز أعداد المركبات العاملة أو بتعزيز المسارات والخطوط.  بالإضافة إلى المشاكل الأخرى التي يعاني منها قطاع النقل العام والمتمثلة في ممارسات بعض السائقين في السرعة والتدخين في الباصات ورفع صوت الراديو والمسجلة وعدم إحترام البعض للركاب، واستهتار البعض بأرواح الناس وسلامتهم،  وهذه العوامل وغيرها تساهم في تجنب الأفراد لاستخدام المواصلات العامة، وتجعلهم يفضلون اقتناء مركباتهم الخاصة بغض النظر عن أوضاعهم الاقتصادية أو الاجتماعية.
ولقد أظهرت الدراسات في الدول الغربية بأن المواطنين وبنسبة تفوق الثمانين بالمائة يفضلون استخدام المواصلات العامة للتنقل للعمل والتسوق، وأظهرت الدراسات أيضا أن 70% أو أكثر من المصريين يستخدمون وسائل المواصلات العامة، بيد أن الدراسات أظهرت أن معظم الأردنيين يفضلون إمتلاك سيارات خاصة بهم، والسبب في ذلك جلي وواضح وهو أن وسائل المواصلات العامة في الغرب متنوعة وموثوق بها بدءاً من الباص والقطارات الخفيفة وانتهاء بالمترو وغيرها وأنها تتصف بالنظافة الميكانيكية وتدار بطرق تقنية وحديثة لتصل المواقف المخصصة في الوقت المحدد ووفق برنامج زمني معد للمواطنين سلفا وفيها من الالتزام وضبط المواعيد ما فيها، ولذلك يعتمدها المواطنون لترحالهم كوسيلة آمنة ومضبوطة لهذه الغايات، بيد أن ذلك غير موجود البتة في المواصلات العامة عندنا.
إننا بحاجة ماسة لتزويد حافلات النقل العام بالمتطلبات التقنية اللازمة التي تضمن صعود ونزول ذوي الاحتياجات الخاصة للحافلات بسهولة وسلام وبطرق ميسرة لمستخدمي الكراسي المتحركة دون أي مشاكل تذكر.  كما أننا بحاجة لتجهيز بنيتنا التحتية للطرق وممرات المشاة لتكون جاهزة لمثل هذه التقنيات.  
إن عدم إيجاد ثقافة استخدام النقل العام عند فئة الشباب خصوصا يعزز لديهم ممارسات خاطئة بحيث يركزون على شراء السيارات الفارهة والحديثة لتضيف حجما مروريا كبيرا لأزمات المرور التي نعاني منها، إضافة إلى السلوكيات غير المنضبطة عند الكثير منهم كالتشحيط والرعونة أثناء القيادة وغيرها.  والمهم في ذلك أن نسبة المتسببين في الحوادث المرورية هي الأكثر بين فئة الشباب.  
إن ثقافة استخدام المواصلات العامة ووسائل النقل العام تحل كثيراً من مشاكلنا الإجتماعية والنفسية والمادية وأزماتنا المرورية وتزيد من السلامة العامة وتحمي البيئة والصحة العامة من الآثار الضارة التي تسببها الغازات الصادرة عن وسائل المواصلات ويتم ذلك من خلال نقص أعداد السيارات الخصوصية، كما أن المواصلات العامة تقلل الهدر في المال العام والخاص وتؤكد على لياقتنا البدنية وممارسة رياضة المشي.  وربما نحسن خدمة المواصلات العامة باستخدام البطاقات الذكية والمواقف المحددة والوقت المبرمج والإصطفاف في الطوابير لإنتظار وسائل النقل بنظام مطلق لغايات صيانة كرامة الناس!
وبالطبع تحتاج بنيتنا التحتية تجهيزات خاصة لذلك لذوي الحاجات الخاصة تحديداً من حيث مواءمتها لكودة البناء الوطني الخاصة بمنشأءات يستخدمها هؤلاء للتسهيل عليهم ومساعدتهم في التنقّل للوصول للمواقف المخصصة وكذلك الصعود للحافلات المعنية. 
وأعلم شخصياً محاولات الحكومات المتعاقبة لإنجاز مشاريع الباص السريع وسكة الحديد الخفيفة بين عمان والزرقاء ومشروع سكة الحديد الوطنية والتي كلها ما زالت حبراً على ورق منذ قرابة العقد من الزمان! ولكن السؤال المهم متى سنضع هذه المشاريع على النار؟ وخصوصاً أن معظم دول الجوار تمتلك مشاريع طموحة وإنجازات تذكر في مشاريع النقل العام والسككي!
إننا نتطلع إلي وضع  إستراتيجية «عملية وواقعية» جديدة للنقل والمواصلات العامة بمشاركة القطاع الخاص وبتمويل محلي أو دولي تُحقق الرؤى الملكية السامية في هذا الصدد ولتأخذ بعين الاعتبار تطلعات المواطنين كافة لتشجيع ثقافة استخدامها لتحسين الوضع البيئي وضبط أمور السلامة المرورية ورفع مستوى الأمان لدى المواطنين ونشر ثقافتها واعتماديتها كوسيلة يمكن الاعتماد عليها ولتخفيض نسب الاختناقات المرورية في مدننا الأردنية وخصوصا العاصمة عمان.  ونحن بحاجة أن نضع شيئاً على النار في هذا الصدد الآن وقبل الغد وإنشاء أسطول نقل عام ذا اعتمادية عالي يصل لمستوى طموحاتنا لأجل تشجيع الشباب وجميع المواطنين على ثقافة استخدام المواصلات العامة لتعزز فينا مبادئ الانتماء والتشاركية والتعاون والنظام وإدارة الوقت والعديد من القيم الإيجابية!
الحكومة الجديدة أمام تحدٍّ كبير في هذا الصدد، وعليها إعادة دراسة ملف النقل العام والبدء بإجراءات واقعية على الأرض والبحث عن مصادر تمويل للمشاريع المُعدّة مسبقاً وإيجاد أرضية صلبة لملف نقل عصري، فمسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة.
وبصراحة مطلقة فإن أزمات السير تتفافم في عمان تحديداً، لدرجة أنها لم تعد تطاق البتة، وصدقية الناس في مواعيدها بدأت تضطرب كنتيجة لذلك، فمسألة إدارة الوقت لسائقي المركبات جل مهمة، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بتطوير نظام نقل عام عصري متكامل ووضعه ضمن الأولويات الوطنية الملحّة وفق الرؤى الملكية السامية.